كتاب عربي 21

جولة محمد علي في بلاد الفرنجة وقلق الأذرع الدبلوماسية!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
بدا محمد علي وقد أفلس بعد فشل دعوته للتظاهر مع قلة المخاطرة.. فبعد نجاح دعوته الأولى، واعتقال أكثر من أربعة آلاف من المصريين، كرر الدعوة فحضرت قوات الأمن بكثافة فغاب المتظاهرون، فكانت دعوته لمظاهرات فوق أسطح المنازل، ومع هذا لم تحدث الاستجابة، فبدا كما لو كان قد انتهى!

ولم يكن إفلاسه على مستوى الفعل فقط، فقد بدا كما لو كان ليس لديه ما يقوله من معلومات جديدة، بعد ما كشفه عن القصور وهيمنة الجيش على قطاع المقاولات، وهى معلومات زلزلت أركان النظام، وأيقظت الوعى وزحزحت الشخص، وإن كنت أعتقد ان ما ذكر هو مجرد عناوين، لمتن لا يجد من يكتبه، والشيطان يكمن في التفاصيل، لكن المقابلات الصحفية لم تتطرق إليها، فهي مشغولة بالإجابة على سؤال: ماذا بعد؟

في هذا الوقت الذي بدا فيه محمد علي مفلساً، لا يوجد لديه ما يقوله أو يفعله، إلا تهديدات بمفاجآت للسيسي؛ هي من باب "تحلية البضاعة"، انطلق إلى آفاق أوسع، فسافر إلى لندن ليزور مقار كبريات الصحف، ويحاضر في صحفييها، على نحو لا بد وأن يدفع النظام الحاكم في مصر للقلق، وهو يسأل: ماذا هناك؟!

الأمر يتجاوز حدود المهنة، وقد أجرت قنوات تلفزيونية دولية مقابلات معه كـ"بي بي سي"، وصحف معروفة مثل "لوموند" الفرنسية، إلى جانب صحف إسبانية وأمريكية، وهذا حدود المهنة مع شخص أثار الجدل ولفت الانتباه، وبدا كما لو كان يؤذن للثورة، وجاء من خلف المشهد السياسي في مصر، وكشف للجميع أن الأوضاع ليست مستقرة وأنها ليست قبضة السيسي، وأن أزمة النظام الحاكم لم تنته بقدرته على استخدام القمع، وهزيمة التيار الأقوى ممثلا في الجماعات الدينية، وطي ملف قضية الشرعية بوفاة الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي!

الجديد:

لكن الجديد، هو الاستقبال في دور الصحف، وليست "الغارديان" و"نيوزويك" بالصحف الصغيرة، حتى يصبح من الجائز أن نمر مرور الكرام على ما فعلت. ثم إن محمد علي لم يكتف بهذا، وإنما عقد مؤتمراً صحفياً في لندن شاهدنا حضورا جيداً لمندوبين لوسائل إعلام بريطانية، بشكل لا تخفي العين دلالته، وبما يمثل تقديراً لمحمد علي يفوق أكثر أحلامه جنونا.

منذ ظهوره أقلق محمد علي النظام الحاكم في مصر، وقد لخص السيسي خطورته في أمرين: الأول إنه "يلعب في الثقة" التي بناها في سنوات، وهو يقصد ثقة بسطاء الناس فيه، وتنزيههم له عن الفساد. فقد يكون فاشلاً، لكن يكفيه شرف الاجتهاد وإن أخطأ، والبلاد في ظروف اقتصادية قاسية، وقد استلمها (كما يوحي دائما) "خرابة". وقديماً قيل: على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح!

والثاني يتمثل في أنه يهز الثقة في الجيش، أو للدقة بعض هيئاته، ويفتح عيون الهيئات الأخرى على ما تفعله هذه الهيئات. والجيش مؤسسة مغلقة، كما يقول السيسي الذي يقدم نفسه على أنه مندوب الجيش واختياره للحكم، وممثله الأوحد، وهز الثقة فيه، أو داخله في قياداته، يمثل خطورة كبرى على مستقبل السيسي في الحكم!

وقد تفاقم هذا القلق من محمد علي بعد جولته الخارجية، على النحو الذي علمته من "مصادري"، وإن أصبح الاصطلاح "مصادري" مبتذلاً لسوء استخدامه، والذي انتقل من صحفيين يوحون للعامة أنهم يعلمون بما لا يعرفه أحد، إلى العامة عبر وسائل التواصل، ويتم بهذه النغمة (مصادري) ترويج الأكاذيب على النحو الذي طالعناه بكثافة في فترة محمد علي، بدأت بأن السيسي هرب، وانتهت بأن انقلابا عسكريا في الدُرج.. ألم تنظر إلى جلسة وزير الدفاع أمام السيسي؟!.. إنها يا إلهي تشبه إلى حد كبير جلسة عبد الفتاح السيسي في خطاب مرسي الأخير قبل الانقلاب!

وقع في يدي:

لنتجاوز المصطلح "مصادري". لقد وقع في يدي ما يفيد بحالة القلق هذه، فالدبلوماسية المصرية في الولايات المتحدة الأمريكية في حالة فزع مقيم، وهي تترقب زيارة محمد علي لها، وحشدت كل عملائها من أجل التوصل لمعلومات عن خط سيره، ومن سيلتقيه، ووزعت ألبوم صور بمصريين يقيمون في الولايات المتحدة، عبر رابط يحمل صورا لمن استقبلوا نشطاء مصريين في السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل إسراء عبد الفتاح وغيرها. ومن الواضح أن اللقاءات كانت في مرحلة ما بعد الثورة، أو في مرحلة الاستعداد للانقلاب العسكري، وهو رابط لحزب الدستور نشر عن هذه اللقاءات، والمطلوب التوصل إلى من سيستقبلون محمد علي.

ومع أن المذكور ومن خلال خط سيره في لندن؛ لم يبدُ مهتماً بلقاء الجالية المصرية هناك، فقد كان يعرف طريقه، وهو مختلف عن طريق آخرين سبقوه في هذا المجال!

ولا ننكر أن زيارات كثيرة لوفود مصرية تقف مع الشرعية (أو ترفض الانقلاب بشكل عام) إلى العواصم الغربية، اكتفت بلقاء الداعين، وعقد مؤتمرات لا يحضرها إلا أبناء الجالية المصرية المؤيدين لهذه القضية، واللقاء بشخصيات رسمية كانت قليلة للغاية، فلم يحدث هذا الاستقبال الحافل في دور الصحف الأجنبية إلا لمحمد علي، وهذا مكمن قلق النظام الحاكم، وأذرعه الدبلوماسية!

وإذا كانت الأذرع الإعلامية في القاهرة قد قالت بأن هذه الجولة للعواصم الغربية يقف خلفها الاخوان، فإن الأذرع الدبلوماسية كان لها رأي آخر، فهي في رسائلها مع "العملاء"، إن صح التعبير، تقول إن قطر هي الراعية الرسمية لهذه الجولة! فهل الهدف هنا وهناك هو لتأكيد حجم الخطر الداهم على النظام، ولتأكيد جدية الموقف، أم أن من يقولون هذا يصدقون أنفسهم؟!

ودعاية الإخوان معلنة، أم دعاية قطر فقد تمت في رسائل أرسلت من الأذرع الدبلوماسية عبر التطبيقات المختلفة، فالقلق وربما الثقة المفرطة في العملاء أسقط نظرية "الاحتياط واجب"!

أسباب القلق:

والسؤال: هل هو قلق في غير محله؟!

يدرك النظام الحاكم في مصر، أنه قطع الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية في عملية اختيار البديل، والذي لا بد من وجوده، حتى وإن لم يُستخدم، أو ظل سنوات عديدة في الثلاجة في انتظار "استعماله". لقد أنقذت واشنطن الضابط خليفة حفتر من براثن القذافي، وحمته من حكم الإعدام، وصنعته على عينها لأكثر من ثلاثين سنة، وها هي تستخدمه الآن، عندما وجدت الفرصة سانحة.

نماذج كثيرة في بلدان عدة، مثلت بدائل لأنظمة قائمة و"لوقت الحاجة"، حتى وإن كانت هذه الأنظمة موالية تماما لها. فرغم وجود عميلها المثالي برويز مشرف، فقد دفعت ببنازير بوتو، لأنها رأت أن مشرف انتهى شعبياً.

ويظل السيسي هو الخيار الأمثل للخارج بدوائره الإقليمية والدولية، لكن وضعه غير مستقر، وقد يتفجر الموقف. والأوضاع البائسة تؤهل لثورة، ولو قامت فسوف تتجاوز كل الخيارات العاقلة، إذن لا بد من بديل، قد لا يُستعمل أبداً مثل الدكتور محمد البرادعي، وقد لا يكون عميلا، فيكفي أن يكون عاقلاً.

والسيسي لم يمكّن واشنطن من هذه السياسة، فدمر كل البدائل، فماذا لو سقط رغم الرغبة الأمريكية في استمراره؟!

محمد علي لا يمكن أن يكون هو البديل، مع أنه أقرب لروح المرحلة، فلم يعد القذافي هو الغريب؛ الذي يدفع لغرابة سلوكه وممارساته إلى وصفه بـ"المجنون"، فعندما يهبط المستوى إلى أن يكون ترامب هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فلا تسأل عن شيء.. وفي أي مرحلة في السابق كان "حميدتي" السودان يمكن أن يمثل بديلا محتملاً بأي درجة؟!

المقاول الفنان محمد علي ليس البديل المناسب لبلد بحجم مصر، لكنه قد يكون "بديلا بالفكرة" أو وكيلا لبدلاء محتملين. وهو ليس محسوباً على التيار الإسلامي، وفي المقابل لا يُضمر له عداوة، ثم إن البسطاء أوّبوا معه.. إن حضوره قد يكون جيداً في المرحلة التمهيدية وليس أبعد من هذا.

وحجم الهجوم عليه بعد رحلته إلى لندن هو تخوف من بعض المعارضين أن يكون بديلاً، فاتت هؤلاء تجربة مصر السابقة، فكل وقت له أذان، والأذان في زمن القمع يختلف كلية عنه في زمن الحرية!

وفي عهد مبارك، تعلقت معظم القوى السياسية في ثياب البرادعي وألقت عليه بكل أمالها العريضة، لكن بعد الثورة لم يكن خياراً لأحد، ولم يتمسك به أنصاره السابقون مرشحاً رئاسياً، فقد كان الخيار المناسب عندما كانت هناك ضرورة له لوظيفته الدولية السابقة ولاسمه المعروف، لكن عندما كانت الإرادة خالصة للشعب اختلف الأمر.

ليس هذا وقت جمع الغنائم.
التعليقات (7)
مصري جدا
الإثنين، 25-11-2019 01:26 م
محمد على هو النموذج اللائق بمعارضة حكم السيسي بعد موت الحياة السياسية ودخول الأحزاب بين الطاعة الحكومي بفعل الاجهزة الامنية.... . محمد على .. جزء من منظومة الفساد لكن ربما جاء في الوقت المناسب للنظام المناسب ... محمد على ... فتحت له الأبواب المغلقة في أوربا لانه غير محسوب على الإسلام السياسي ولا الحركة المدنية .. ومن الممكن ان يكون أحد الوكلاء الجدد في مصر .. محمد على .. استطاع أن يحرك الجماهير ويرعب السيسي شخصيا .. لذا تحول لبطل متمرد من داخل القصر ... مصر بحاجة إلى التنوع بين محمد على المقاول ومحمد على باشا ..
hamasa
السبت، 23-11-2019 08:50 م
للتأكيد على فساد قادة الجيش عندما كنت فى بداية التجنيد كان أول أمر لنا عندما نعود الى بيوتنا بعد تدريب 45 يوما قضيناها فى مركز التدريب على كل مجند أن يأتى ب 10 قوالب طوب و 2 كيلو أسمنت و2كيلو رمل وكنت أظن أن ذلك اختبار لقدرتنا على التحمل بحمل هذه الأثقال بالسير بها داخل الصحراء فى حلوان وما أن وصلنا الى الكتيبة أفرغ كل مجند حمولته ثم نودى أين البنائين وأين النجارين وأين ... وأين ... وكانت المفاجأة أن المجندين أنشأو مبنى ضخم دون عناء يذكر . ثم طالب قائد الكتيبة ( الوحدة ) لداعى لذكر اسمه لدواعى أمنية بتكلفة المبنى بالكامل ممن هم أعلى منه سلطة وطلب مبلغ ضخم جدا رغم أن من قام بالتكلفة هم المجندون
عبدالرحمان
السبت، 23-11-2019 09:02 ص
نعم أستاذ عزوز ،قرأت المقال و من أوجه مختلفة لأن خطك لا يفهمه إلا الغواص في قلب اللغة و العارفون بما بين و داخل السطور و رأيت و سمعت من حضرتك الكثير من المداخلات و أجدك تنتمي إلى أصحاب اللسانيات و إني أجدك رجل شهم و تحب الخير لبلدك و لا أزكي على الله أحد.. أستاذ عزوز ،أنت و من مثلك من المحللين السياسيين تضعون نصب أعينكم الأمور من وجهة نظر أحادية التوجه و هذا هو الخطأ في حد ذاته.. الغرب و فوقه الأمريكان يدرسون دخول بنت متحجبة أو مسلم ملتحي بلدهم من كل الزوايا و حتى المأكل و المشرب فما بالك بتسيير دول ؟ محمد علي ليس إلا ورقة في شجرة نبتت في أرض الواقع و هو ليس بالتأكيد المخلص و لكن قطرة من بحر الحقيقة و التي للأسف الشديد لا يستغلها العامة لأن الخوف من لقمة العيش هي أسمى اهتماماتهم.. لا تأخذ القضية كنزاع شخصي أستاذ عزوز لأن غايتي عامة لأن الذي يحدث في مصر يمس مباشرة كل الدول العربية و على المحللين أن يدرسوا قضايا الأمة بنظرة مختلفة توسعية شاملة و خاصة من الناحية العقائدية لأن مشكلة الغرب و توحشهم أمامنا ليس بدافع إقتصادي بل دافعهم إديولوجي بحث و إلا لماذا كل دول الجنوب تعاني الفقر و التخلف على جميع الأصعدة و هم يعيشون في بحبوحة حضارية.. أستاذ عزوز ، العالم المسلم إذا أراد دراسة أمر ما في الشؤون الفقهية أو أي شيء آخر فهو بالضرورة سيبحث في المذاهب الأربعة ليجد ضالته و إلا سوف يكون غير أمين في مسعاه و هكذا يفعل كل متخصص في مجاله ليظهر الحقيقة على وجهها الطبيعي أما و أن نعيش الخبر أو الحدث و ندرسه بتوجيهات فهذا نقص في الأمانة العلمية أو الأكاديمية.. و عتابي لك لا ينطلق من دافع شخصي أستاذ بل هو محاولة إيصال فكرة أن الآخر ليس بالضرورة موافق أو لا يجد في تحليلك ضالته و كما هو معروف ،الكلام العام مثل الشخص الذي يتكلم مع نفسه يعني اللغة الخشبية بالمعنى الشعبي.. فرجاءا أن تكون واسع القلب و تقبل نصيحتي فوالله لمصر أقرب إلى قلبي من بلدي الأصلي لأني على يقين أن مجد الأمة و ازدهارها يعلو بتحرر القاهرة من الخونة ..تحياتي
حمدى مرجان
السبت، 23-11-2019 07:47 ص
استاذنا الفاضل : كان محمد علي في اسبانيا خائفا في هذه الاونة الاخيرة من جراء تسليمه كما ذكر " الشوال " او اغتياله كما كانت تردد كلاب الحراسة . فبعد الخوف بدأت هذه الجولة الاوربية والمؤتمرات الصحقية ، فالغطاء ليس عاديا وان بدا كذلك . اختفاء صغير السيسي من المشهد او اخفاءه له ايضا علاقة بالموضوع وبما يحدث بربط هذا الموضوع بذاك يصبح عندنا شئ لا نراه ولكنه يتحرك في اتجاهنا وليس العكس ، فلننتظر قليلا قبل اصدار الاحكام
سليم عزوز
السبت، 23-11-2019 07:32 ص
الاستاذ عبد الرحمان هل قرأت المقال؟؟..هل أنت على يقين من أنك قرأت المقال؟. هل قرأته فعلا؟ هل تعليقك هو للرد على هذا المقال وعلى كاتبه؟