قضايا وآراء

الحرافيش.. بعيون ثورية

مسعود حامد
1300x600
1300x600
أعلنت فرقة المسحراتية المسرحية عن وجودها بقوة من خلال أول عمل مسرحي لها على الأراضي التركية، وهو بعنوان "الحرافيش"، وقام بتكييفه وإخراجه حسام الغمري، وقام ببطولته الفنانان الكبيران محمد شومان وهشام عبد الله مع عدد لامع من الممثلين الذين أتيحت لهم الفرصة فتألقوا على حداثة تجاربهم الفنية.

وكما ظهر أول جزء من "ملحمة الحرافيش" في العدد الأول لمجلة "أكتوبر" في 31 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1971، ارتضت فرقة المسحراتية أن تكون باكورة أعمال مسرحية مأخوذة نفس للروائي العالمي نجيب محفوظ.

ورغم أن المسرحية بنفس الاسم تم تمثيلها في قصر ثقافة بيلا، لنفس المؤلف حسام الغمري وإخراج حسن عباس، منذ عقد ونصف تقريبا، ورغم أن الرواية قُتلت استلهاما عبر الفيلم الروائي والمسلسل التلفزيوني، فإن موضوعها الذي يحكي فلسفة الحكم وعلاقة الشعوب بالحكام، جعل منها نبعا لا ينضب. وبالفعل كانت المسرحية مشحونة بسؤال الواقع الذي أحدثه الربيع العربي والثورات المضادة، لا سيما أن "الحرافيش"، وهم الفقراء والدراويش وبعض الطبقة الدنيا من الحارة واللصوص، والتجار والفتوة، هم الفئة المستهدفة لتغيير وعيها من كلا الطرفين الثورة التي يمثلها عاشور الناجي الذي أدى دوره بكفاءة هشام عبدالله، والثورة المضادة التي يمثلها عمه الفاسد محمد شومان الذي أبهج العمل المسرحي بموهبته المبهرة.

اكتفى الغمري، مكيفا ومخرجا، بتناول حكايتين اثنتين، وهما عاشور الناجي وشمس الدين. وتحكي المسرحية قصة شيخ وجد طفلا على قارعة طريق سماه عاشورا، وعلمه الكتابة وحفظه القرآن، وحب المساكين، وحينما كبر ثار وصارع الفتوة من أجل الحرافيش، وانتصر لهم، لكن قامت ضده ثورة من التجار، وتم طعنه من الخلف، ثم خلفه شمس الدين الذي ثأر لأبيه وهزم الفتوة ثانية وسلمه للقانون.

اجتازت المسرحية بنجاح عاملي الزمان والمكان، فخشبة المسرح لا تتحمل تعاقبا للأزمنة كما في الرواية ولا تعددا للأماكن، لكن التصميم والإضاءة للفنان مدحت السيد، مع الديكور الواقعي للفنانة مريم غلاييني، مع الإخراج الجيد؛ قد أقنع المشاهدين تماما. وقد تناغم الممثلون محمد عبداللطيف وأيمن الباجوري ومحمود السعداوي ومعتز الشريف وريم جبنون ورزان أمين وجيهان كايا وعرفات محمد، وعدد من النجوم الصاعدين، لتكوين مشهد مسرحي بديع، غير أن ما استوقفني كثيرا لدرجة الانتشاء؛ فهي الأغاني التي ألّفها شاعر العامية أحمد حمدي ووزعها الموسيقي خالد قطرميز. وكذلك فرقة أبيلا الاستعراضية بقيادة التي صممها الفنان عدنان دويك، وإن تم إقحام بعض الأغاني بدون مبرر درامي، فقط لمجرد التكرار والإمتاع.

المخرج ومكيف النص حسام الغمري استبدل البعد الوجودي الموجود في رواية نجيب محفوظ ببعد صوفي، من خلال تلك الأناشيد الصوفية الممتعة، ربما لملاءمة تطلعات الممول وتناغما مع الحالة العربية العامة في إسطنبول، لدرجة أن إحدى الداعرات كان لبسها في غاية الحشمة والوقار. وهو ما يؤكد تدخلات "السياسة والتوجه والتمويل" في ما هو فني محض.

ولكن يحسب للمنتج الفني أسامة زين الجرأة والمغامرة لأجل ميلاد مسرح منير في بلاد الغربة. شكرا لفرقة المسحراتية التي أمتعتنا.
التعليقات (0)