كتب

ما الذي يعنيه أن تكون يهوديا في إسرائيل؟

اعتبار إسرائيل دولة يهودية يعني علنيا إقصاء المسلمين والمسيحيين والدروز-  (عربي21)
اعتبار إسرائيل دولة يهودية يعني علنيا إقصاء المسلمين والمسيحيين والدروز- (عربي21)

الكتاب: كيف توقفت عن كوني يهودياً
المؤلف: شلومو ساند
الترجمة: أماني العبدلي
الناشر:دار سطور للنشر والتوزيع، 2018


ما يقوله شلومو ساند، أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب، في كتابه هذا عن سبب أنه لم يعد يعتبر نفسه يهوديا هو في الحقيقة مقالة في رفض العنصرية، والتمييز، وغياب المنطق، وتبرير السلوك الاستعماري التي صارت كلها مكونات أساسية في التعريف المعتمد لليهودي من قبل "الدولة الإسرائيلية". وكما فعل في كتابيه السابقين الشهيرين "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل" يلاحق ساند المسلمات والسائد في الأفكار ليفككها ويعرضها للمساءلة من جديد من زوايا نظر مختلفة، وهي كتب مرتبطة على كل حال بفكرة محورية تقوم على تفنيد "أسطورة" وجود شعب يهودي بأصل عرقي واحد وتاريخ مشترك. وقد أثارت الكتب الثلاثة الكثير من الجدل والهجوم أيضا على ساند، المعروف بمعاداته للصهيونية، داخل إسرائيل وخارجها.

ورغم أن ساند من أنصار حل الدولتين ويرفض إنهاء وجود دولة إسرائيل فقد اتهم بالعداء للسامية ولإسرائيل وحتى بالنازية، وتلقى بالفعل العديد من التهديدات بالقتل. وفي حوار معه نشر في جريدة "العربي الجديد" في العام  2016 يعلق على ذلك بالقول: "طبعا، كان الهجوم علي متوقعا، خاصة بعد صدور كتابي (كيف توقفت عن كوني يهوديا) الذي شكل صدمة للكثيرين. فأنا أعد نفسي إسرائيليا من أصل يهودي، تماما، مثلما أن هناك فرنسيين من أصل يهودي، وأمريكيين من أصل فلسطيني. لهذا قلت إنني لست يهوديا، وأنا أعد نفسي علمانيا وملحدا. قلت هذا، لأن إسرائيل تعد نفسها دولة يهودية لا دولة لكل الإسرائيليين. أن تكون يهوديا في إسرائيل، فإن ذلك يمنحك وضعا امتيازيا، وأنا أرفض هذا الامتياز الذي تمنحه لي اليهودية".

من هو اليهودي؟

يشير ساند إلى أن دولته دولة إسرائيل لا تعرّفه كيهودي لأنه يتحدث بلغة يهودية أو يقرأ الكتب اليهودية أو يمارس أيا من الأنشطة الدينية اليهودية، إنما فقط لأنها بحثت في أصوله ووجدت أن أمه وجدته لأمه كانتا يهوديتان. و"مثلما أجبرت القومية العرقية الدينية التي ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر ـ الشاعر الألماني) هاينريش هاينه على التحول إلى المسيحية كي يعترف به كمواطن ألماني، كذلك رفضت القومية البولندية في ثلاثينيات القرن الماضي النظر إلى (والد ساند) كمواطن بولندي إلا بعد أن يصبح كاثوليكيا، وهكذا قرر الصهاينة أوائل القرن الحادي والعشرين، داخل إسرائيل وخارجها، أن يرفضوا تماما مبدأ الجنسية الإسرائيلية على الأساس المدني والمواطنة، وفقط اعترفوا بها على الأساس الديني، ولا يمكن اكتساب هذه الجنسية اليهودية إلا من خلال مسار العمل الديني الذي يقترب من المستحيل". 

 

رغم أن ساند من أنصار حل الدولتين ويرفض إنهاء وجود دولة إسرائيل فقد اتهم بالعداء للسامية ولإسرائيل وحتى بالنازية


ورغم أن القانون يعتبر فلسطينيي الـ 48 مواطنين إسرائيليين فإن سجلات وزارة الخارجية تعرفهم وبشكل حاسم بأنهم عرب وليس فقط إسرائيليين. يلفت ساند هنا إلى أن قرار الأمم المتحدة لعام 1947 الداعي إلى إنشاء "دولة يهودية" جنبا إلى جنب مع دولة عربية في فلسطين، وفي الواقع الذي سبقت الإشارة إليه، يعني أن 20% من المواطنين الإسرائيليين (العرب) الذين لا يتم تعريفهم في إطار القانون بأنهم يهودا يتم استثناؤهم صراحة من "عضوية الكيان المدني الذي تزعم الدولة الإسرائيلية بأنها ترعى مصالحه" ويضيف:" إن مثل هذا التقييد لن يكون نقيضا للديمقراطية فحسب، وإنما يهدد وجود إسرائيل بذاته في نهاية المطاف". 

اجتماع المتناقضات

يقول ساند إن تساؤلاته القلقة حول هويته اليهودية ـ العلمانية بدأت في العام 2001، عندما كان في زيارة لأحد أصدقائه الفرنسيين ففاجأته زوجة صديقه قائلة: "أخبرني، شلومو، لماذا زوجي هذا، الذي لم يضع قدما في الكنيس طوال حياته، ولم يحتفل بالمهرجانات اليهودية، أو يوقد الشموع أيام السبت، هو حتى لا يؤمن بالله، لماذا يعرف على أنه يهودي، في حين أن لا أحد يعرفني على أنني مسيحية أو كاثوليكية، نظرا لأنني توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة منذ عقود وأنا الآن علمانية تماما!". 

سيجيب ساند السيدة بأن "الهوية اليهودية، خلافا للهوية المسيحية، لا تتعلق بمسألة الإيمان بالله فحسب، فهي ليست شكلا معينا من أشكال العبادة. لقد ترك التاريخ بصماته على اليهود... لقد منح التاريخ اليهود في العصر الحديث هوية مميزة واعتبرهم ضحايا للتمييز العنصري، وهذه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتحترم لدى اعتبار هويتهم". 

يعترف ساند أن كل ما قاله لم يكن كافيا ليقنعه باستخدام وصف اليهودي ـ العلماني لصديقه وله شخصيا. لقد وجد ذلك أمرا مرفوضا وغير متوافق منطقيا على حد تعبيره. 

 

تم التركيز منذ سبعينيات القرن الماضي على فكرة أن دولة إسرائيل هي دولة "يهودية التوصيف لكنها ليست إسرائيلية"


يقول: "إن المندرجين تحت هذا المسمى لا يتشاركون اليوم آلامهم أو أفراحهم مع يهود علمانيين آخرين متواجدين حول العالم. وهم لا يتواصلون ببعضهم البعض، ولا يحلمون بلغة مميزة تجمعهم، بل يعبرون عن أنفسهم ويكسبون عيشهم ويصرخون ويؤمنون كل حسب لغته وثقافته الوطنية محل نشاطه". 

يستشهد ساند هنا بأسماء عدد من المفكرين والمبدعين والسينمائيين والعلماء ذوي الأصول اليهودية، مثل كارل ماركس، وسيغموند فرويد، والبرت آينشتاين، والمخرج السينمائي ستانلي كوبريك، والمؤرخ مارك بلاخ، وكثيرين غيرهم، ويقول أن أيا من هؤلاء "لم يخلق ثقافة علمانية مشتركة جامعة لجميع أحفاد اليهود، ولا حتى بين أغلبيتهم. وحتى دارس الانثروبولوجيا المبتدىء يمكن له أن يدرك بأن الثقافة والوعي لا يمكن أن يكون أصلهما هو مجرد عبارة عن مناقلة لإرث الأجداد.. لكنها تعتمد في بنائها وقبل كل شيء على تجربة مشتركة، وعلى صيغة التواصل الثقافي، وعلى التفاعلات والتناقضات الواقعية.. لا يوجد نمط معين للحياة اليومية له أن يربط بين الأفراد العلمانيين ذوي الأصول اليهودية.." فهم ساند، كما يقول، أن هويته اليهودية العلمانية قد بنيت على الماضي الذي عاشت فيه أصوله العائلية أو على ذاكرته التي أعيد بناؤها، ولم يكن للحاضر أو المستقبل دورا ملحوظا في تشكيل الهوية اليهودية الجماعية.

شعب من أصل متفرد

تحت عنوان "من هو اليهودي في إسرائيل؟" يجيب ساند ابتداء بأن ذلك يقتضي بالأساس وقبل كل شيء ألا تكون عربيا. ووفقا لأصول الشريعة اليهودية فإن اليهودي هو من ولد لأم يهودية، ونظرا لأن "قانون العودة" اليهودي أعطى تلقائيا لجميع هؤلاء اليهود في الخارج الحق في الهجرة إلى إسرائيل، والحصول على جنسيتها، فقد فتح أيضا بابا "لخطر" الاندماج بين الأعراق والأديان بسبب وقوع زيجات مختلطة، وهو أمر يهدد "الشرعية العرقية ـ الدينية للاستعمار الذي تستند إليه الصهيونية العلمانية، سيما وأنها تعرف اليهود على أنهم شعب من أصل متفرد" كل ذلك دفع الدولة العلمانية(إسرائيل) إلى حظر الزواج المدني، "ولم يؤذن سوى للنقابات الدينية أن تقوم بإتمام مراسم الزواج" فاليهودي داخل إسرائيل يتزوج فقط من يهودية. 

لقد تم التركيز منذ سبعينيات القرن الماضي على فكرة أن دولة إسرائيل هي دولة "يهودية التوصيف لكنها ليست إسرائيلية" ما يقود بشكل مباشر إلى إقصاء المسلمين والمسيحيين والدروز سكان البلاد الأصليين. يضرب ساند مثالا مبنيا على أساس المقارنة ليوضح حجم تطرف القوانين التي رسختها إسرائيل منذ الثمانينيات فيقول: "لوقررت الولايات المتحدة الأمريكية غدا أنها ليست دولة لجميع المواطنين الأمريكيين، بل إنها دولة لأولئك الأشخاص المتواجدين في جميع أنحاء العالم والمدون في هوياتهم بأنهم بروتستانتيون من أصول الأنجلو ـ ساكسون، فإنها ستشابه وبشكل مذهل الدولة اليهودية في إسرائيل. وعندها سيكون للأمريكيين الأفارقة، والاميركيين اللاتينيين، أو الاميركيين اليهود، حق المشاركة في انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ، لكن يجب أن يفهم ممثلوا تلك الدوائر ويعوا بيقين تام، بأنه يفترض بالولايات الاميركية أن تمثل الأنجلو- ساكسون للأبد". 

يضيف ساند أنه وفقا للقوانين الإسرائيلية فإن دولة إسرائيل تنتمي لغير الإسرائيليين أكثر من انتمائها لمواطنيها الذين يعيشون فيها. إسرائيل ترى في "اليهود الجدد" في العالم مثل الرئيس السابق للبنك الدولى بول ولفوتيز، ومايكل ليفي عضو مجلس اللوردات البريطاني، ودومينيك شتراوس ـ كان مدير إدارة صندوق النقد الدولي السابق، ممثلين للميراث الوطني أكثر مما يفعل "العرب الذين يعيشون فيها وولد أجداد أجدادهم على أراضيها"، والأدهى من ذلك أن يشعر أولئك الأشخاص "أصحاب الثروات من ذوي الأصول اليهودية من مختلف أنحاء العالم أن لهم الحق في التدخل في شؤون الحياة الإسرائيلية من خلال الاستثمار الضخم في وسائل الإعلام والأجهزة السياسية..". 

يلخص ساند معنى أن تكون يهوديا في إسرائيل باستعراض أمثلة على التمييز الفج تجاه الفلسطينيين والتجاوز على حقوقهم حتى وإن كانوا مواطنين إسرائيليين بحسب القانون. أن تكون يهوديا في إسرائيل يعني أن تكون قادرا على شراء أراض يمنع على غير اليهودي امتلاكها، "وحتى لو كنت تتكلم العبرية المتعثرة وتنوي البقاء في إسرائيل لبعض الوقت فيمكنك أن تكون مديرا لبنك إسرائيل الذي لا يسمح بتوظيف أكثر من أربعة موظفين عرب ـ إسرائيليين، على أن يشغلوا مناصب فرعية من أصل سبعمائة شخص. وليس إنشاء مستعمرات على أراض لا تعود لك هو كل ما يمكنك فعله فحسب، بل السفر إلى يهودا والسامرة عبر طرق ليس للسكان المحليين الذين يعيشون في بلدهم الحق في استخدامها.. لن يتم توقيفك عند حواجز الطرق، ولن تتعرض للتعذيب، ولن يتم استهدافك ولن ترى منزلك قد هدم عن طريق الخطأ.." فقد وضعت هذه الإجراءات والسياسات على مدى خمسين عاما لتطبق على العرب فقط.

في الصفحات الأخيرة من الكتاب يؤكد ساند من جديد على أن صفة اليهودي ـ العلماني تفتقر إلى المنطق، ويقول أنه صار على وعي كامل بأنها لم تكن يوما تنطبق عليه، لذلك يعبر عن شعوره بالأسف أنه أمضى وقتا طويلا حبيسا لفكرة موالاة إسرائيل التي يراها الآن، بسبب قوانينها، أشبه ما تكون ب"ناد حصري" أو "قبلة إثنية وهمية للمضطهدين وأنصارهم"، ويقول:" أود أن أستقيل وأن أتوقف عن اعتبار نفسي يهوديا" ذلك أنه صار واثقا من أن ماضيه التاريخي هو فقط الذي ينتمي إلى اليهودية، وأن حياته اليومية هي حياة إسرائيلية، وأن مستقبله والمستقبل الذي يتمناه لأولاده يجب أن يسترشد بمبادىء عالمية متفتحة.  
 

التعليقات (0)