كتب

إيران.. مقارنة بين دوافع الشاه والإسلاميين لامتلاك النووي

المشروع النووي الإيراني جزء من أدوات إيران للدفاع عن نفسها في مواجهة الأطماع الدولية- (إنترنت)
المشروع النووي الإيراني جزء من أدوات إيران للدفاع عن نفسها في مواجهة الأطماع الدولية- (إنترنت)

الكتاب: إيران النووية.. البرنامج الإيراني النووي من النشأة إلى الأزمة فالحل
الكاتب: طالب إبراهيم
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق 2019

عدد الصفحات: 535 من القطع الكبير.

بدأ البرنامج النووي الإيراني في العهد الإمبراطوري كما أسلفنا، وبالتأكيد كانت هناك دوافع تخص الشاه لبناء برنامجه النووي، وهي تختلف شكلياً عن دوافع النظام الإسلامي، أقول تختلف شكلياً لأن روح الأمة المتحفزة والراغبة في الحصول على مكان لائق لها تحت الشمس يليق بعظمة تاريخها ومجدها، وهذه الروح لا تتغير.

تعود دوافع الشاه للقيام بهذه الخطوة الكبيرة إلى الأمور والمعطيات الآتية: 

التخوف من الجوار الذي كان قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي، ويتمثل هذا الجوار بالهند والباكستان، فالهند المقربة من السوفييت أجرت تجربتها النووية الأولى عام 1974، وكان الاتحاد السوفييتي يُكِنُّ العداء للشاه، الذي كان يدور في الفلك الأمريكي، لا بل إنَّ أمريكا مضت بعيداً بتسليح الشاه بحيث يصبح قادراً على إزعاج موسكو السوفييتية، وبالطبع فقد كان الشاه أكثر من مزعج لموسكو، وفي هذا السياق زُوّدت إيران بمقاتلات "ف 14" في منتصف السبعينيات من القرن الماضي في صفقة شهيرة في حين أن أقرب حلفاء واشنطن الأوروبيين لم ينالوا هذه الخطوة الأمريكية، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعول على الشاه في مسألتين حيويتين للأمن القومي الأمريكي وهما أمن منطقة الخليج والحد من التمدد الشيوعي إلى المياه الدافئة. 

يقول الكاتب طالب إبراهيم: "كان الشاه بطبيعته يكن العداء الشديد للقومية العربية، وللحركات اليسارية، وفي فترة الستينيات من القرن المنصرم كان المد القومي العربي في أوجِه، فقد كان العراق يمور يمنة ويسرة بحركات التحرر القومية العربية، واليسارية، ولم يكن حال باقي الدول العربية يختلف كثيراً، ففي مصر كان الزعيم جمال عبد الناصر قائداً للقومية العربية، وفي سوريا كان حزب البعث، القومي العربي والاشتراكي، قد أحكم قبضته على السلطة، ولم يكن أمام الشاه خيارات كثيرة، فقد كان مخيراً بين التحالف مع الملوك العرب الذين يكرههم ويكرهونه، لأسباب عديدة، أو التحالف مع إسرائيل، التي لا تخفي أطماعها بدولة توراتية تصل إلى حدود هذا الشاه، بيد أن الشاه اختار التعاون الوثيق مع إسرائيل وأمريكا، مع العمل على بناء قوة كبيرة من النواحي العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية"(ص 22 من الكتاب).. 

دوافع آية الله الخميني: الحرب العراقية-الإيرانية وضرورة التزود بالسلاح النووي

بعد ثلاث سنوات من اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، التي تكبد فيها الجيش الإيراني خسائر كبيرة، في مواجهة جيش عراقي مجهز بأحدث الوسائل الحربية، غيّر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية رأيه. فقد أعادت الحرب العراقية-الإيرانية الطويلة (1980 ـ 1988) طرح البرنامج النووي الإيراني مُجَدداً. فأمام الهجمات العراقية بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيماوية التي استخدمها نظام الرئيس صدام حسين المدعوم في ذلك الوقت من قبل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكة والإتحاد السوفييتي، تساءل الإيرانيون: لو كانوا يمتلكون القنبلة النووية، أو بداية السلاح النووي، لما استطاعوا ردع العراق من استخدام الغازات... ومنذ العام 1984، أصبحت الوكالة الدولية للطاقة النووية تشك في إيران، لجهة معاودة تفعيل برنامجها النووي لإنتاج أسلحة نووية.

هذا ما يوضحه لنا، الكاتب برونوتيترايس، المتخصص في مسائل الانتشار النووي، والباحث في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، في كتابه الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: "السوق السوداء للقنبلة"، حيث يكشف الطريق الذي سلكته إيران للتوصل إلى امتلاك التكنولوجيا لصنع القنبلة النووية، انطلاقا من السلسلة الباكستانية.

 


 
يقول الكاتب: "حصلت المناقشات الأولى بين إيران وباكستان بداية من عام 1984. وتم التوقيع على اتفاق مبدئي بين البلدين في عام 1985. وفي شباط 1986، تم تقديم السيد عبد القدير خان (للمهندس الباكستاني وأب القنبلة النووية الباكستانية، والشخصية المركزية في الشبكة السرية لبيع التكنولوجيا النووية، التي استفادت منها على وجه الخصوص إيران وليبيا وكوريا الشمالية في عقد التسعينيات) إلى أحد المسؤولين الرئيسيين في الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد إسلامي.

ويضيف المؤلف: إن العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان قام بزيارة لطهران في كانون الثاني 1987، بدعوة من الحكومة الإيرانية للمشاركة في ندوة علمية عالية المستوى في معهد أمير خبير. وكان الإيرانيون يريدون معرفة إن كانت المحطة النووية بوشاور يمكن أن تستخدم لصنع القنبلة النووية. غير أن عبد القدير خان اقترح عليهم أن يسلكوا طريقاً آخر للحصول على القنبلة، طرق تخصيب اليورانيوم.

وقد توجت هذه اللقاءات باتفاق رسمي للتعاون بين الحكومتين في عام1987، وصادق عليه شخصيا الجنرال الراحل ضياء الحق رئيس باكستان آنذاك. ومنذ شهر تشرين أول (أكتوبر) من السنة عينها، أرسلت الوكالة الإيرانية للطاقة النووية "متدربين" إلى إسلام أباد لفترات طويلة. وكان خان في قلب هذا المشروع.

ومع انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية في صيف عام 1988، أصبح الإيرانيون أكثر تحمساً لتخصيص من الآن فصاعداً مزيداً من الأموال لبرنامجهم النووي. وجاء رحيل الإمام الخميني الذي كانت له مواقف متناقضة حول المشروع النووي، ليزيل عقبة أمام تسريع البرنامج النووي الإيراني. وكان الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي انتخب في تموز 1989 رئيساً للبلاد من أكثر المتحمسين للبرنامج النووي الإيراني.

 



ويقول المؤلف برونو، إنه من الجانب الباكستاني تعمق التعاون مع طهران بفضل الدعم الذي قدمه الجنرال بيغ، الذي صعد إلى مركز القائد العام للقوات البرية في آب (أغسطس) 1988، عقب مقتل الجنرال ضياء الحق في حادث طائرة. وحاول الجنرال بيغ إقناع رئيسة الحكومة الباكستانية الراحلة بنازير بوتو التي استلمت السلطة في 2 كانون الأول (ديسمبر) 1988، بالسماح لتصدير التكنولوجيا النووية إلى الخارج ومن دون شك بعد موافقة الجنرال علي امتياز المستشار العسكري لبوتو، غير أن هذه الأخيرة رفضت ذلك. وهذا ما جعل القيادات العسكرية الباكستانية تتصرف من تلقاء نفسها، إذ وقعت هيئة أركان الجيش الباكستاني والحرس الثوري الإيراني اتفاقا مبدئيا للتعاون النووي الثنائي. وفي نهاية العام 1989، عقب انعقاد مؤتمر دولي في طهران، قال الرئيس رفسنجاني لبنازير بوتو المذهولة ـ لأنها لم تكن تعلم بأسرار الجنرال بيغ ـ أنه يدعم كليا تطبيق ذلك الاتفاق. وفي أواسط عام 1990، وأمام ضغط الرئيس رفسنجاني الذي أعطى موافقته للتعاون النووي بين إيران وباكستان، رفضت بنازير بوتو الموافقة على ذلك، فأجبرت على الاستقالة.

ويضيف المؤلف قائلا: "إنه مع تولي نواز شريف رئاسة الحكومة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1990، أُحِيطَ علماً بموضوع التعاون السري من قبل الجنرال بيغ، حيث كان نواز شريف معجبا بعبد القدير خان ومتحمسا للتعاون الاستراتيجي الكبير مع إيران... ومرة أخرى يتصرف الجنرال بمفرده ـ إذ يقترح على طهران عرضا شاملاً في ربيع 1991، يقضي مد إيران بمخططات الأسلحة ـ التي تمكن إيران من الوصول إلى صنع الأسلحة النووية ـ مقابل مبلغ خيالي يتراوح ما بين 10 إلى 12 مليار دولار حسب بعض المصادر. غير أن الرئيس الباكستاني غلام إسحاق خان مثله في ذلك مثل الرئيس ضياق الحق، كان لا يثق بإيران. وكانت القيادات الباكستانية محتارة بين التعمق في التعاون النووي مع طهران، وبين المحافظة على شراكتها الاستراتيجية مع الرياض.
 
وعلى الرغم من ذلك، فإن عبد القدير خان المحمي من قبل رئيس هيئة أركان جيش البر بقيادة الجنرال بيغ، استمر في تقديم خدماته لطهران من أجل أن تحصل على التكنولوجيا المعقدة لتخصيب اليورانيوم، حيث وفرت له الحكومة إلإيرانية فيلا فاخرة على شاطئ بحر قزوين في شمال إيران، إضافة إلى المخصصات المالية التي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. وطبقاٌ للاتفاق الموقع في عام 1994، قدم خان مخططات غاية في الدقة تتعلق بأجهزة الطرد المركزي للإيرانيين.

ويقول الكاتب عن العلاقات السرية بين باكستان وإيران في المجال النووي، لم تكن خافية عن أعين أجهزة الاستخبارات الغربية، لكن المشكلة انفجرت على مستوى عالمي، عندما عقد فريق من المعارضة الإيرانية مؤتمرا صحافيا في واشنطن يوم 14 آب (أغسطس) 2004، لكي يقدم صورا ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية تظهر منشآت نووية سرية في ناتنز وآراك. 

ويعتقد المؤلف أن هؤلاء المعارضين يعملون لصالح الاستخبارات الأمريكية، التي كانت تعلم منذ سنوات عن حقيقة تلك المحطات السرية، ولا سيما محطة ناتانز التي تقوم بتخصيب اليورانيوم بواسطة الطرادات المركزية. وكانت الحكومة الأمريكية تعلم قبل ثلاث سنوات عن تلك المحطات النووية، لكنها لم تكشف ذلك بصورة علنية، لأنها لم ترد إحراج حكومة برويز مشرف: لأنها تعرف جيدا أن باكستان هي المصدر الرئيس لبرنامج تخصيب اليورانيوم في إيران. 

وما يؤكد هذه الحقيقة أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين زاروا محطة ناتانز في تشرين أول (أكتوبر) 2003، اكتشفوا أن الطرادات المركزية الإيرانية هي نسخة طبق الأصل للطرادات المركزية الباكستانية. 

لقد عمل برونوتيرترايس لمدة أكثر من عشر سنوات على الملف النووي الإيراني، واستطاع أن يحصل على الوثائق السرية والحساسة جداً وعلى شهادات رئيسية مرتبطة بهذا الملف النووي الإيراني. ومع صدور كتابه:" السوق السوداء للقنبلة"، فإنه يزيل الغطاء عن أسرار منع الانتشار النووي. وفي هذا الكتاب الغني جداً بالمعلومات، يتجاوز الواقع أحيانًا القصص الخيالية، إذ يشرح كيف أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه" نجحت في اختراق "شبكة عبد القدير خان" بعد أن أغمضت أعينها عن عمليات تهريب المخططات النووية الباكستانية لتخصيب اليورانيوم إلى إيران. إنه يقوم بوصف دقيق لتشعب المركب النووي الباكستاني، ويحلل بمرونة خطر الإرهاب النووي.

 

إقرأ أيضا: امتلاك القنبلة النووية هدف جامع لكل السياسيين الإيرانيين

التعليقات (0)