كتاب عربي 21

العلاقة بين السيسي وسرِّ التحنيط

أحمد عمر
1300x600
1300x600
شاعت في فترة من الزمن طرائف لها صيغة الحزورة: ما العلاقة بين النملة والفيل؟ أو بين الأرنب والجزر؟.. وقد ربط فيلسوف مصر بين وزن المواطن الزائد والأمن القومي، فجعل الأول سبباً للثاني، فإذا نزل وزن المصري تحسّن الأمن القومي! الرجل يظنُّ أن الشعب عساكر عنده في خط الجمبري.

حذّر رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي من الوزن الزائد وتأثيره على الأمن القومي المصري، خلال رسالة وجهها لخريجي الدفعة الأولى من كلية الطب للقوات المسلحة. الخبر ليس في جريدة ساخرة مثل الكلب، ولا برنامج ساخر مثل جو شو، الخبر حقيقي، فلم نعد نفرّق بين الحقيقي والكاذب حتى بالحلفان والقسم.

وأكّد سيادة المشير على أهمية مراقبة الأكل، وليس حدود سيناء، فهو يضربها بكل القوة الغاشمة، وأن يكون هناك ثقافة غذائية في مصر، قائلاً: "سينعكس ذلك على الأمن القومي المصري بشكل كبير". سيعامَل الأكل معاملة الإخوان المسلمين، وحماس، وربما يدخل في هذا الباب تبوير آلاف الأفدنة الزراعية بسبب انقطاع مياه النيل، فهو متواطئ مع الحبشة وغرضه تحسين صحة الشعب المصري الذي لن يجد ما يأكله.

وتابع: "عندما عملنا اختبار الأمراض السارية، في فحص حملة 100 مليون صحة، فوجئنا بعدد كبير جداً بأوزان زائدة". وكل الطغاة يراقبون الفكرة والرأي إلا السيسي "إكس لارج" سيراقب الفكرة واللقمة. الفكرة لا تدخل في الرأس من شدة الخوف، واللقمة لها سرعة الفهد، والمصري يلحق بها عبثاً.

وأبدى ثقافة صحية طبية عندما قال، وهو الطبيب الفيلسوف: "الزيادة في الوزن تعمل ضغط وسكر وحاجات كثيرة واعتنوا بأنفسكم، وطريق النجاح ليس سهلاً"، ولم يذكر الرز والسكر!

وطالب ملك الخواتم والريجيم الخريجين وكأنه" بُرَعي"، بالاهتمام بالعلم والقيم، والمحافظة على وزنهم دون زيادة، والابتعاد عن التدخين.

وكان السيسي استهل كلمته بالتأكيد على أن "المجاملة فساد"، ولم يعرف المحللون ما إذا كان يقصد بقوله؛ هل جملة صباح الخير يا جميل، فساد، فهي مجاملة؟! المجاملة مشتقة من الجمال، وهي كلمة لطيفة أمست مرذولة بدلالتها على الجمال الكاذب. ولم يشر إلى الرشوة ويحظرها.

ودعا المصريين وكأنه عمر بن عبد العزيز إلى "عدم مجاملة أي أحد حتى لو كان من طرفه". الرجل تجنّبَ ذكر الكرامة والحقوق والعشيرة والقرابة، وجميع من وظفهم من طرفه وأرومته في وظائف سيادية وفي سدّة الحكم، وذكر "الميكنة" طريقة مثلى في تحقيق تكافؤ الفرص. وهي غير الميجنة آلة العزف المعروفة.. الروبوتات ستشرف على إنجاز المقابلات والاختبارات. لن تنظر إلى ألوان الشعب المصري أو إلى عقائدها.

ولا يُعرف إن كان أحد من طرفه سيُرى في طابور الجمعية، ولم تعد جمعيات في مصر، فهو يبيع مصر بالمفرق.

ولم نعرف إن كانت المجاملة تزيد في الوزن، ولم يذكر السيسي المسافة الصحية في الابتعاد عن التدخين، كم تبلغ من الأمتار؟ والخلاصة أن السيسي يسرق كل شيء: التاريخ والجغرافيا والنحو والحساب.. من المعلوم من الدَّين العام على مصر بالضرورة أن من أسباب نقصان الأوزان سوى الطعام: القهر واليأس، وأن مصر تخوض حمية حرية وحمية كرامة قاسية، وأن وزن مصر يخسّ جداً. ومن تلك الخسّة التي تقهر المصري، انتظار السيسي مصافحة أوباما في طابور الجمعية، ومصافحة سفير مصر لرئيس البنك الدولي المخزية.

لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي مالئ الدنيا وحابس الناس عن الوزن الزائد، الوزن الزائد سيغرق المركبة التي اسمها مصر، وهو يريد أن "يعدّي بيها". وكانت مذيعة مصرية اسمها ريهام قد أقيلت من عملها لإهانتها الناس بسبب أوزانهم فشتمتهم وسخرت منهم، ثم اضطرت إلى الدفاع عن نفسها بأنها لم تفعل منكراً وإنما اقتدت بالسيسي، فلمَ الاستقواء عليها وحدها؟ السيسي هو الرائد والمعلّم.

تختلف طريقة السيسي أكس لارج عن طريقة الأسد في التجويع والتركيع، في أن برنامج  السيسي في الحمية بطيء. الدكتاتورية لها  أركان، وأهم ركن هو جعل الرعية بحاجة وعوز دوماً، لعلهما يؤمنان بالمثل القائل سمّن شعبك يأكلك، فيحرصان على التجويع. وتختلف طريقة السيسي عن طريقة الحاكم بأمر الله الذي كان يعادي من الطعام الملوخية، وهو طعام يمكن الاستغناء عنه، أما السيسي فيعادي الخبز واللحم والفول والشاي والسكر والزيت، ولا يحب سوى الرز، حتى إن المرء ليتساءل إن كان السيسي يريد شعب مصر هندوسياً في الأكل، وإن كان جعله هندوسياً في الدين بتعبيدهم العجل كما نرى. وكان عجل بني إسرائيل من الحليّ المسروقة من المصريين، أما عجل المصريين المعاصرين فهو من بني إسرائيل، وكانت آلهة العرب من التمر. لكن بلحة مصر لا تؤكل ولا تباع.

"إكس لارج" اسم فيلم لأحمد حلمي يكون فيه بديناً وينجح في تخسيس وزنه، وقد جعل السيسي اللحم حلماً في مصر لعتمة الشعب وإنجازاته صارت معروفة للقاصي النازح من الموت والداني من الموت؛ من بيع الجُزر، وسيناء التي يجري الحديث كثيراً عن بيعها، والنيل الذي مُنح لأثيوبيا مجاناً، والماء الذي سيهرب في أقنية إلى دولة مجاورة، ليست هي السودان طبعاً، وتيران وصنافير، وهدر آمال الأمة المصرية ومالها في تحلية مياه البحر عالي الكلفة.

الحكام يعدون شعوبهم بالمنّ والسلوى، أما هو فيعدهم بالفقر وشرب مياه الصرف الصحي. ولا خوف حتى هذه اللحظة على شعب مصر من موازين تنصب على الحواجز والكمائن لمعرفة أوزانهم، كما كان الستازي الألماني يقيس أنوف الألمان لمعرفة عنصرهم وعرقهم.

رؤساء الفروع الأمنية يبيعون أعضاء أبناء الشعب، أما الرؤساء فيبيعون أعضاء الوطن وكل حسب نفسه ووسعها: جزيرة، ميناء، مدينة، نهر، سيادة شرف..

لقد خسَّ وزن مصر كثيراً. 
التعليقات (0)