صحافة دولية

نيويورك تايمز: كيف تستغل روسيا أخطاء أمريكا في سوريا؟

نيويورك تايمز: روسيا تستمتع بالأخطاء الأمريكية في سوريا وتستغل الفرصة- واس
نيويورك تايمز: روسيا تستمتع بالأخطاء الأمريكية في سوريا وتستغل الفرصة- واس

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها في موسكو أنتون ترويانوفسكي، يقول فيه إن مقدم الأخبار على محطة تلفزة روسية قال في نشرة أخبار الأحد الماضي، إن الأسابيع الأخيرة كانت كارثية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.

 

وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن مقدم البرامج التلفزيونية ديميتري كيسليوف، قوله في برنامجه الأسبوعي: "لقد قامت أمريكا بإدارة ظهرها لأوكرانيا، وسط تحقيق بهدف توجيه تهمة للرئيس، ثم تخلت عن الأكراد السوريين"، وأضاف كيسليوف: "لقد اختار الأكراد أنفسهم مرة أخرى الراعي الخطأ.. فأمريكا بالطبع شريك لا يعتمد عليه".

 

ويقول ترويانوفسكي إنه في الوقت الذي يترنح فيه الشرق الأوسط من سياسة ترامب المتقلبة، فإن روسيا تستغل فرصة جديدة لبناء مكانتها على أنها قوة عالمية ناهضة، وتصور نفسها على أنها قوة لتحقيق الاستقرار، مشيرا إلى أن انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، مصحوبا بالاجتياح التركي، سمح لروسيا بأداء دور صانع السلام المسؤول، ولتظهر تميزا على ما يراه الكثير أنه قيادة غير ثابتة من واشنطن.

 

وتجد الصحيفة أنه من السابق لأوانه معرفة إن كانت روسيا ستكون قادرة على إدارة التقلبات الجديدة في سوريا، بالإضافة إلى أنه ليس من الواضح بعد إن كانت جهود توجيه تهمة للرئيس الأمريكي ستساعد مصالح الكرملين في أوروبا الشرقية. 

 

ويستدرك التقرير بأنه في الوقت الذي هبط فيه فلاديمير بوتين في السعودية، يوم الاثنين، في زيارة رسمية لأحد أهم حلفاء أمريكا، فإنه أصبح واضحا أن تحركات ترامب في الأشهر الأخيرة ساعدته على إثبات أن موسكو، وليست واشنطن، هي اللاعب الذي يمكن الاعتماد عليه أكثر في العالم.

 

ويشير الكاتب إلى أن الكشف عن ضغوطات البيت الأبيض على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، لإجراء تحقيقات يمكنها أن تساعد ترامب في حملته للانتخابات الرئاسية الجديدة، وفر المزيد من الذخيرة للجدل الدائر لمدة طويلة في الكرملين حول مخاطر التعامل مع أمريكا. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن رئيس الوزراء الروسي، ديميتري مدفيدف، قوله الشهر الماضي: "أصبح المسؤولون الأوكرانيون، الذين كانوا يعولون على أمريكا لمساعدتهم، عبارة عن بيادق في يد الجمهوريين الذين يريدون تخريب فرص نائب الرئيس السابق جوزيف بايدين والديمقراطيين الذين يسعون لتوجيه تهم لترامب".

 

وأضاف مدفيدف في مقابلة تلفزيونية: "بالتأكيد لا أحسد السيد زيلينسكي.. لقد وجد نفسه بين سندان الحزب الديمقراطي ومطرقة الحزب الجمهوري".

 

ويفيد التقرير بأن روسيا وقفت في سوريا مع حليفها، الرئيس بشار الأسد، حتى عندما تغيرت الاستراتيجية الأمريكية، فالغارات الجوية الوحشية التي قامت بها روسيا ضد أعداء النظام السوري ساعدت على تغيير المسار في الحرب السورية، وأسست لموسكو لتكون لاعبا أساسيا في الشرق الأوسط.

 

ويقول ترويانوفسكي: "كأنه لتأكيد هذا، هبط بوتين يوم الاثنين في الرياض، في زيارة رسمية فريدة للسعودية، التي تعد أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة، ووصل بسيارته المصفحة، التي أحيطت بحرس الشرف السعودي على الخيول، لإجراء المباحثات مع الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، مركزا على أمن المنطقة وأسعار النفط والصفقات التجارية".

 

وتنقل الصحيفة عن السفير السعودي في بريطانيا، الأمير خالد بن بدر بن سلطان، قوله خلال حوار لمركز فكري يوم الاثنين: "لقد أصبحت روسيا لاعبا مهما في المنطقة، وسواء أحب الشخص ذلك أم لا فإن هذا حقيقة.. فالروس إلى درجة ما يفهمون الشرق بصورة أفضل مما يفعل الغرب".

 

ويلفت التقرير إلى أن الأكراد السوريين المتحالفين سابقا مع أمريكا في الحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا، أعلنوا يوم الأحد عن اتفاقية جديدة مع حكومة الأسد في دمشق، التي تدعمها روسيا، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقية جاءت بعد قيام ترامب فجأة بسحب القوات الأمريكية من المنطقة، وقيام تركيا باجتياح المناطق الكردية في سوريا.

ويقول الكاتب: "يبدو أن تركيا قد نسقت أفعالها إلى حد ما مع الروس، الذين تركوا الآن لإدارة أي اشتباك بين تركيا، التي تعد المقاتلين الأكراد السوريين إرهابيين، وبين قوات الأسد التي تتقدم الآن في المناطق الكردية.

وتذكر الصحيفة أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تحدث مع بوتين الأسبوع الماضي، قبل القيام بالاجتياح، مشيرة إلى قول المتحدث باسم الكرملين دمتري بيسكوف، يوم الاثنين، بأن خطوط الاتصال مفتوحة بين القوات التركية والروسية.

ويذهب التقرير إلى أن انسحاب ترامب يعد على المدى القصير مكسبا لروسيا؛ لأنه يوسع من نطاق الأراضي الواقعة تحت سيطرة الأسد، مستدركا بأن الوضع مستقبلا ستكون فيه اختبارات جديدة ومكافآت لأجهزة السياسة الخارجية والجيش، التي يقول المنتقدون بأنها تعمل فوق طاقتها أصلا.

ويرى ترويانوفسكي أن "يجب على روسيا أن تواجه الخطر الذي يشكله تنظيم الدولة ومؤيديه، الذين كان يحتجزهم الأكراد، فيما هناك خطر الآن من كونهم سيفرون، وقد فر بعض أقرباء مقاتلي تنظيم الدولة من الاحتجاز". 

وتورد الصحيفة نقلا عن بوتين، قوله الأسبوع الماضي بأن الآلاف من هؤلاء المقاتلين ينحدرون من أصول روسية، أو من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا، وهو ما يشكل خطرا لأنهم قد يسعون للعودة إلى بلدانهم.

وينقل التقرير عن رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهو مركز بحث يقوم بتقديم الاستشارة للكرملين، أندريه كورتانوف، قوله: "إن على روسيا أيضا أن تتوسط في اتفاق طويل الأمد بين دمشق والأكراد، في الوقت الذي تعمل فيه على منع وقوع قتال بين قوات أردوغان وقوات الأسد". 

وأضاف كورتانوف: "هناك الكثير من المآزق هنا، وليس من الواضح تماما كيف يمكن تحقيق هذا، لكنه سيكون إنجازا.. إن ذلك سيثبت نوعا من تفوق التكتيكات الروسية على الأمريكية، وهذا ما ستتم ملاحظته في المنطقة، وليس في المنطقة فحسب".  

ويؤكد الكاتب أنه حتى لو منحت التطورات في سوريا وأوكرانيا بوتين الانتصارات التكتيكية والدعائية، إلا أن سياسته الخارجية العدوانية في السنوات الأخيرة تعني أن صورة روسيا ستظل غالبا مشوهة في كثير من أنحاء العالم لفترة طويلة.

وتبين الصحيفة أنه في أوكرانيا بالرغم من عدم ارتياحها بسبب أفعال ترامب، إلا أن النظرة إلى روسيا لا تزال بأنها عدوانية ودولة احتلال، لافتة إلى أنه في غرب أوروبا وأمريكا صدم التدخل الروسي في الانتخابات وحملات الاغتيالات الكثير من الناخبين، فيما نظر العديد حول العالم برعب إلى الحملة الروسية الجوية في سوريا، التي تضمنت القصف المتعمد للمستشفيات.

ويستدرك التقرير بأن بوتين يبدو يراهن على تقوية الموقف الروسي عالميا، بالتناغم مع مصالح الدول الأخرى الخاصة في عالم تركت فيه تحركات إدارة ترامب كثير من حلفاء أمريكا التقليديين في حالة فزع. 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول بوتين في مقابلة مع شبكتين عربيتين وقناة "آر تي" العربية التي يديرها الكرملين، قوله: "لن تكون روسيا أبدا صديقة لبلد ضد آخر.. نحن نبني علاقات ثنائية تعتمد على الاتجاهات الإيجابية الناتجة عن اتصالاتنا، فنحن لا نبني تحالفات ضد أحد".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)