كتاب عربي 21

عن انتخابات تونس وقيس سعيّد.. وجريمة الثورة المضادة!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

يحق لكل المؤمنين بالثورات الشعبية العربية وأهمية التغيير في المنطقة، أن يفرحوا بانتخابات تونس التي فاز فيها حسب المؤشرات الأولية قيس سعيّد فوزا كاسحا. 


والاحتفال هنا ليس فقط بسبب خسارة كل مرشحي المنظومة القديمة في تونس، وليس فقط بسبب فوز مرشح مثّل خلال حملته الانتخابية كل شعارات الثورة والناس البسطاء الباحثين عن الأمل في البلاد العربية جميعها، ولكن أيضا لأن هذه البلد الجميلة الصغيرة بحجمها، استطاعت أن تكون نموذجا كبيرا لإمكانية نجاح المسار الديمقراطي في المنطقة العربية.

 

 

يمثل انتخاب سعيّد أيضا ضربة أو على الأقل رسالة قوية للأحزاب التقليدية التي فشلت جميعها بالوصول للدور الثاني من الرئاسيات

 


لقد قامت الثورات الشعبية العربية ابتداء من تونس، وها هي تزهر من تونس من جديد، وتثبت أنه يمكن للعرب أن ينجحوا ببناء حكم رشيد كغيرهم من شعوب العالم، ولذلك فإن العرب جميعا مدينون لتونس وشعبها، لأنها منحتهم الأمل بأنهم يمكن أن يحلموا، وأن يحققوا بعض أحلامهم، دون أن تتحول هذه الأحلام لكوابيس دموية تأكل الأخضر واليابس. 


دلالات الدورة الثانية من الرئاسيات

 

على الرغم من أن فوز قيس سعيّد كان متوقعا إلى حد ما بعد حصوله على نسبة كبيرة في الدورة الأولى للانتخابات وتأييد معظم الأحزاب له في الدورة الثانية، إلا أن فوزه الساحق بنسبة قد تصل إلى 76% بحسب شركات سبر الآراء يحمل دلالات عديدة، هذه أهمها:


•إن المشاركة الواسعة جدا في الانتخابات والتي تقترب من نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة السابقة، يعطي إشارة للنخب السياسية أن الشعب مستعد للمشاركة في الانتخابات إذا شعر بإمكانية التغيير، وإن تراجع نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل أيام من الدورة الثانية للرئاسيات لا يعني اليأس من العملية السياسية أو السلبية، ولكنه يأس من النخب والأحزاب التي شاركت في انتخابات البرلمان، فيما خرج الناس وخصوصا الشباب بأعداد كبيرة عندما شعروا أن أصواتهم قد يكون لها معنى إذا فاز قيس سعيّد.

 

 

يعتبر انتخاب سعيّد بهذه النسبة تأكيدا على مبادئ الثورة التونسية وغيرها من الثورات الشعبية العربية، لأن الرجل رفع شعارات هذه الثورة وصوت الناس له بناء عليها

 


•يشكل انتخاب قيس سعيّد بهذه النسبة الكاسحة ضربة للمنظومة القديمة في تونس، كما يشكل ضربة لما تبقى من "الدولة العميقة" والتجمعيين، وهو أشبه ما يكون باستفتاء شعبي على خسارة هذه المنظومة. ويعطي هذا الانتخاب الكاسح مصدر قوة كبيرة للرئيس القادم قد تساعده  في حربه على الفساد وعلى محاولات المنظومة القديمة تعطيل التغيير في البلاد، ولكن هذه القوة لن تكتمل إلا بوجود حكومة قوية مدعومة بأغلبية مريحة في البرلمان، تتمسك بأهداف الثورة، وتعاون الرئيس في مهامه، وتبتعد عن المحاصصة والمكايدة السياسية، وإذا حصل ذلك فإن الرئيس مع الحكومة قد يستطيعان تحقيق ما فشلت الحكومات السابقة بعد الثورة بتحقيقه.


•يمثل انتخاب سعيّد أيضا ضربة أو على الأقل رسالة قوية للأحزاب التقليدية التي فشلت جميعها بالوصول للدور الثاني من الرئاسيات. وإذا كانت حركة النهضة والحركات المنبثقة عن "نداء تونس" قد فشلت جميعها بالوصول للدور الثاني، فإن حركات يسارية تقليدية فشلت أيضا بتحقيق أي إنجاز يذكر في الانتخابات البرلمانية، ولذلك فإن حركة النهضة وبدرجة أكبر بقية الأحزاب مطالبة باستيعاب الدرس من هذه النتائج، ومحاسبة النفس بدلا من اتهام الشعب بالفشل والسلبية.


• يعتبر انتخاب سعيّد بهذه النسبة تأكيدا على مبادئ الثورة التونسية وغيرها من الثورات الشعبية العربية، لأن الرجل رفع شعارات هذه الثورة وصوت الناس له بناء عليها، وهو ما يؤكد أن المزاعم حول كفر الشعوب العربية بمبادئ التغيير والثورة هي مزاعم غير صحيحة، وأن الشعوب إذا منحت الفرصة فإنها ستكون قادرة على التقدم والانتقال الديمقراطي.

هزيمة الثورة المضادة.. وجريمتها!

 

إذا توسعنا للدائرة العربية في قراءة دلائل انتخاب قيس سعيّد رئيسا لتونس، فإن الدلالة الأهم هي توجيه ضربة قاضية للثورة المضادة في هذا البلد. لقد راهن محور "الثورة المضادة" سابقا على دفع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لإقصاء حركة النهضة وغيرها من التيارات المؤيدة للثورة ولكنها فشلت في ذلك، وها هي اليوم تفشل بعد انتخاب رئيس بعيد كل البعد عن محورها، وقريب من مبادئ الثورات الشعبية التي حاربتها بشراسة.

 

 

 

ومع انتخاب قيس سعيد ممثلا بمبادئه وليس بشخصه لتطلعات الثورة، فإن الشعب التونسي يقدم بهذه الانتصار أملا عظيما للشعوب العربية


ويأتي فشل الثورة المضادة في تونس بالتزامن مع خسارتها في عدة ملفات إقليمية أخرى، وهو ما يعني أنها في انحسار تدريجي قد يؤدي إلى أفولها بمقابل صعود تيارات وأهداف الثورات الشعبية من جديد.


وعلى أهمية الإشارة إلى هزيمة الثورة المضادة في تونس، فإن من الضروري أيضا التأكيد على الجريمة التي ارتكبتها بمحاربة تطلعات الشعوب العربية، والعمل على وأد الثورات بالسلاح والمال والانقلابات الدموية. لقد قامت الثورات العربية بأهداف مطلبية اجتماعية، ثم تطورت لتصبح تعبيرا عن رغبة الشعوب العميقة بالتغيير الشامل للنظام القديم، وبالتحول الديمقراطي الحقيقي، ولكن الثورات المضادة حاربت هذه المطالب بكل ما تستطيع.

 


لقد كانت أحلام الشعوب العربية في ثوراتها العظيمة تتلخص بامتلاك حقها باختيار ومحاسبة ومعاقبة من يحكمونها، كما حصل اليوم تماما في تونس، ولكن الثورة المضادة حولت هذه الأحلام لكوابيس دموية وحروب أهلية. كان يمكن للشعوب التي ثارت في عامي 2011 و2012 أن تنتخب رؤساءها وتعاقبهم بالانتخابات التي تليها إذا لم يلتزموا بتعهداتهم، ولكن الثورة المضادة أرادت الانقلابات بدلا من الانتخابات، وأرادت الدبابات بدلا من الصناديق. قد تكون الثورة المضادة نجحت بتعطيل المسار الديمقراطي من خلال جريمة دعم الانقلابات والحروب الأهلية في بعض دول "الربيع العربي"، ولكنها بدأت تخسر منذ سنوات في عدة ملفات، وستخسر معركتها كاملة بدون شك، ولو بعد حين!


ومع انتخاب قيس سعيد ممثلا بمبادئه وليس بشخصه لتطلعات الثورة، فإن الشعب التونسي يقدم بهذه الانتصار أملا عظيما للشعوب العربية، ويقدم اعتذارا رمزيا لمن ضحوا وما زالوا يضحون في دول عربية أخرى لتحقيق هذه التطلعات، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي دفع حياته ثمنا للدفاع عن حق الناس باختيار حكامهم، ومئات آلاف الضحايا في سوريا وليبيا واليمن ومصر، والمعتقلين الذين لا يزالون ينظرون من وراء قضبان السجون المعتمة بشغف إلى شمس الحرية في كل البلاد العربية.


5
التعليقات (5)
أم عمر من نفطه .تونس
الأحد، 20-10-2019 07:29 ص
نعم الآن اكتملت ثورتنا التي بدأناها منذ2011 والتفت عليها المنظومه القديمة الباءدةمنظومه القيادة. نعم اليوم الشعب يريد حسم أكره وانتفض من جديد وانتصر ورفع رائة تونس ضد الثورة المضادة
نوفل العسكري
الثلاثاء، 15-10-2019 08:33 م
لازال صعود قيس سعيّد إلى سدّّّة الرّئاسة مثار تحليلات متضاربة لما يكتنفه من غموض . فالرّجل لا تدعمه آلة حزبيّة تتكفّل بالتّعبئة و التّجنيد ، كما شذّ عن كلّ التّصنيفات الإيديولوجيّة التّقليديّة . يُتداول في تونس أنّ مجموعات شبابيّة غير متحزّبة وظّفت منذ سنة وسائط التّواصل الإجتماعي لتحشيد فئات واسعة من الشّعب لصالح سعيّد . ترافق ذلك مع إرادة متبرعمة لدى القوى الشّبابيّة في " كنس" الوجوه المعهودة من إدارة الشّأن العام . ختاما سيكون حتما للحدث التونسي تأثيرا في محيطه الإقليمي ، بالنّظر إلى عدوى الدّمقرطة و التّمدين العقلاني الإجتماع البشري .
adem
الإثنين، 14-10-2019 09:48 م
شكرا على التحليل اسمح لي أخي الفاضل شخصيا لم أقرأ و لم أسمع قيادة نهضوية واحدة تتهم الشعب بالسلبية و الفشل و إلّا لعاقبها الشعب في الاستحقاق التشريعي الأخير . هناك أمر مهمّ من الصّعب أن يفهمه عامّة النّاس ألا وهو حجم الآمال و الأحلام الّتي لا يمكن أن تتحقق بين عشية و ضحاها و في ظروف جدّ صعبة بعد عقود من الفساد و .......و هنا تقع المسؤولية على أبناء الثّورة لخوض معركة لا تقلّ أهمّية على الانتخابات الحالية ألا و هي معركة الوعي . انتهى العرس الانتخابي الآن إلى العمل .
مصري جدا
الإثنين، 14-10-2019 05:40 م
نجاح محمد على كنمط وأسلوب في مصر .. ونجاح قيس بن سعيد مستقل دون ظهير سياسي ولا حاضنة شعبية في تونس يوصل الرسالة الجديدة بامتياز . رسالة مفادها .. ان الشعوب كفرت بالطبقة السياسية التقليدية كما كفرت بانظمة الحكم العتيقة ... ان المرحلة تتطلب منصات قيادة جديدة قادرة على صناعة أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع ... اننا بحاجة للغة خطاب وإجراءات واقعية يفهمها العامة وتعبر عنهم بعيدا عن طلاسم النخبة ... انتا بحاجة لتعزيز ثقة الشعب في نفسه وأنه يستطيع الفعل المؤثر وانه حقق نجاحات... انه لا قداسة ولا عصمة لسلطة سياسية أو دينية والكل يخضع النقد والمحاسبة.
رائد عبيدو
الإثنين، 14-10-2019 02:26 م
"أحلام الشعوب العربية في ثوراتها العظيمة تتلخص بامتلاك حقها باختيار ومحاسبة ومعاقبة من يحكمونها"، فلماذا ينسب من منعوا الشعب المصري من معاقبة من ارتكب الخيانة العظمى، فلم يلغ اتفاقية كامب ديفد، ولم يقطع علاقات مصر بالصهاينة، ولم ينسحب من المبادرة العربية لبيع فلسطين، لماذا ينسبون أنفسهم إلى الثورة؟