بورتريه

الأيغور .."طريق الحرير": جنتهم ونارهم (بورتريه)

رغم أن الصين تستهدف بالأساس أقلية الإيغور فهي تحتجز كذلك مسلمين من أقليات أخرى مثل القازاق- عربي21
رغم أن الصين تستهدف بالأساس أقلية الإيغور فهي تحتجز كذلك مسلمين من أقليات أخرى مثل القازاق- عربي21

بين التهميش وتحويلهم إلى أقلية في مناطقهم، وبين ادعاءات بكين بأنهم يحتاجون إلى "تأهيل وتربية"، تقف قومية الأيغور بين نارين.

نار يوقدها الغرب تشير إلى عمليات تعذيب وإجبار على التخلي عن معتقداتهم الدينية، ونار المصالح الاقتصادية بين الدول العربي والإسلامية مع الصين والتي دفعت عدد من الحكومات العربية إلى التوقيع على بيان يساند بكين في ممارساتها ضد الأيغور.

وقوعهم على طريق القوافل ضمن "طريق الحرير" وضعهم في دائرة الاهتمام والاستهداف، فكانت الجغرافية  سلاحا ذو حدين قسم ظهر الإقليم،  وحول ساكنيه إلى أقلية في مناطقهم لصالح قومية إلهان التي أحضرتها بكين من مناطق أخرى.

كان مصطلح الأيغور، الذي يعني الاتحاد أو التحالف، يطلق على أحد الشعوب التركية التي تعيش فيما يعرف اليوم باسم منغوليا.

واعتمد اقتصاد المنطقة على مدى قرون على الزراعة والتبادل التجاري مع المدن المزدهرة على الطريق الذي اشتهر باسم "طريق الحرير"، وهي مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمر عبر جنوب آسيا في الصين مع أنطاكية في تركيا بالإضافة إلى مواقع أخرى.

في عام 744 استطاع الأيغور بمساعدة قبائل تركية أخرى الإطاحة بالإمبراطورية "الجوك تركية" وأسسوا مملكتهم الخاصة بهم التي امتدت من بحر قزوين غربا حتى منشوريا شمال شرقي الصين، والكوريتان شرقا، واستمرت حتى عام 840.

بعد العديد من الحروب الأهلية والمجاعات سيطر القيرغيز على أراضي الدولة، ونتيجة للغزو القيرغيزي هاجر أغلب الأيغوريين من أراضي مملكتهم متجهين إلى ما يعرف الآن بشينغيانغ أو "تركستان الشرقية" وهناك أسسوا مملكة مع قبائل تركية أخرى استمرت حتى غزو جنكيز خان عام 1209.

اعتنق الإيغور الإسلام وغالبيتهم من المسلمين السنة، ويتحدثون اللغة الأيغورية، وهي لغة من اللغات الترکية ويستعملون الحروف العربية في كتابتها إلى الآن.

أسس الأيغور الذين دخلوا الإسلام دولة سميت "القارا خانات" وبعد ظهور السلاجقة واشتداد عودهم وازدياد قوتهم صارت المنافس الأقوى لدولة "القارا خانات" في تلك المناطق، تركستان وكازاخستان حاليا.

قُتل أكثر من مليون من الأيغور عام 1863، كما قتل أكثر من مليون منهم في المواجهات التي وقعت عام 1949 عندما استولى النظام الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ على الإقليم الذين جرى ضمه لجمهورية الصين الشعبية، وجرى تفريغ الإقليم من سكانه المسلمين وتوزيعهم على أقاليم أخرى، ودفعت السلطات إلى الأقليم بعرق الهان الذي أوشك أن يصبح أغلبية على حساب الأيغور السكان الأصليين.

كما تم التضييق عليهم في عباداتهم ومظاهرهم الإسلامية وهدم مساجدهم، وإزالة مدارسهم.

وتعتبر "تركستان الشرقية"، أو كما هي معروفة بالصين بمقاطعة تشينغيانغ، أكبر المقاطعات الصينية مساحة، ويعيش به 11 مليونا من الأيغور.

وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليونا منهم من الإيغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز الـ100 مليون، أي نحو 9.5% من مجموع سكان الصين.

وبعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 كثفت السلطات الصينية من حملة مطاردتها للمسلمين الأيغور، وتمكنت من جلب بعض الناشطين الأيغور خصوصا من باكستان وكازاخستان وقيرغيزستان في إطار ما يسمى "الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب".

وبدأت الصين في تصوير الإيغور على أنهم مساعدون ل"تنظيم القاعدة"، واتهمتهم أيضا بتلقي التدريب والمساعدات من الجماعات المسلحة في أفغانستان المجاورة، على الرغم من ضعف الأدلة العامة التي قدمت لدعم هذه الادعاءات.

وفي عام 2004 قام الأيغور بتأسيس حكومة في المنفى ل"تركستان الشرقية" كما تمت صياغة دستور للدولة.

وضمن نفس التوجه ألقى الجيش الأمريكي القبض على أكثر من 20 من الإيغور بعد غزوها لأفغانستان، وأودعوا في معتقل "غوانتنامو" لسنوات دون أن يوجه إليهم اتهام بجريمة، ومعظمهم أعيد توطينهم في أماكن أخرى أو نقلوا إليها.

كان عام 2009 الأكثر دموية في الإقليم فقد قتل قرابة 200 شخص خلال مصادمات عرقية في أوروميتشي، العاصمة الإدارية لإقليم شينجيانغ في يوليو/تموز من ذلك العام.

وكان الحدث الذي أشعل شرارة العنف هو مقتل اثنين من الإيغور في مصادمات مع الهان الصينيين في مصنع جنوبي الصين. وخرج  الإيغور في شوارع العاصمة أوروميتشي في مظاهرات منددة بالقتلة.

وتلقي السلطات بالتبعة على من تسميها ب"انفصالي" تشينجيانغ الموجودين خارج الصين في التدبير لإحداث الاضطرابات، مشيرين إلى القائدة الإيغورية المنفية، ربيعة قدير، مؤكدين أنها حرضت على العنف، في حين قالت ربيعة إنها ليست مسؤولة عن أي أعمال عنف.

بينما يؤكد الإيغوريون المنفيون أن الشرطة تطلق النار دون تمييز على المظاهرات السلمية، مضيفين أن هذا ما يؤدي دوما إلى العنف والقتل.

وطبقا لإحصاءات الأمم المتحدة، يعيش اليوم أكثر من مليون من الأيغور داخل جدران معتقلات تسميها السلطات الصينية "مراكز إعادة التأهيل"، ويراها الأيغور "استنساخا لمعسكرات الاعتقال النازية".

وتجبر السلطات المعتقلين على ممارسات تتعارض وعقيدتهم الدينية، كشرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، وترى من لا يشرب الخمر كشخص "متطرف". كما يُرغمون في مراكز الاحتجاز على حفظ دعاية الحزب الشيوعي، وانتقاد سلوكهم الديني السابق، وإنكار الإسلام.

ووفقا لتقارير غربية، يتعرض الأيغور لأنماط من التعذيب والمعاملة السيئة، وإلى مراقبة إلكترونية جماعية مفرطة، حيث يتم توقيفهم بشكل متكرر على حواجز الشرطة، وفحص محتويات هواتفهم المحمولة، وأخد عينات من حمضهم النووي، وتجاهل طلباتهم للسفر خارج البلاد لسنوات.

من جهتها، تقول ممثلة "هيومن رايتس ووتش"، صوفي ريتشاردسون، "ما يحصل في تشينغيانغ يفوق الحدود، ترتكب الحكومة الصينية انتهاكات بحجم لم نشهده منذ عقود، هذه معسكرات تديرها الحكومة والحزب الشيوعي، لم يتم إصدار أوامر اعتقال أو توجيه أي تهم".

وطالبت لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، الصين، بالإفراج فورا عن نحو مليون شخص من مسلمي الإيغور، محتجزين بشكل غير قانوني فيما يسمى بـ "معسكرات إعادة التثقيف السياسي".

وتضمن تقرير اللجنة انتقادات للتعريف "الفضفاض" الذي تتبناه الصين لـ "الإرهاب" و "الانفصالية".

وفي تموز/ يوليو الماضي، وقعت أكثر من 20 دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رسالة مشتركة تنتقد فيها معاملة الصين للإيغور وغيرهم من المسلمين.

ووجهت رسالة تنديد إلى الصين وقع عليها 22 سفيرا من بينها أستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان على رسالة موجهة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتقدوا فيها سياسات الصين في الإقليم.

في المقابل يتساءل كثيرون عن سر صمت حكومات الدول الإسلامية ووسائل الإعلام التابعة لها تجاه قضية الأيغور.

وكانت مجلة "فورين بوليسي" قد أكدت أن: "كثير من الحكومات المسلمة قامت بتقوية علاقاتها مع الصين، وربما قامت أيضا بدعم حملاتها ضد الأيغور. والإجابة تكمن في لغة المال، فالصين هي شريك اقتصادي رئيسي لكل الدول الإسلامية".

وأرسلت 37 دولة بينها روسيا والمملكة العربية السعودية رسالة إلى الأمم المتحدة، عبرت فيها عن تأييدها لسياسة الصين في إقليم شينجيانغ في تناقض واضح مع الانتقادات الغربية المتكررة لسياسة بكين في الإقليم.

كما أشادت بما وصفته بإنجازات الصين الملحوظة في مجال حقوق الإنسان.

وجاء في الرسالة "في مواجهة التحدي الخطير المتمثل في الإرهاب والتطرف اتخذت الصين سلسلة من إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف من بينها إقامة مراكز التعليم المهني والتدريب".

وإلى جانب السعودية وروسيا وقع الرسالة سفراء دول سوريا وباكستان وسلطنة عمان والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين.

لكن قطر وفقا لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية سحبت في أب / أغسطس الماضي  توقيعها على الرسالة المشتركة رغم المصالح الاقتصادية الكبيرة التي جمعها ببكين، حيث تعد ثالث أكبر شريك تجاري لها  بنحو 13 مليار دولار.

وفي رسالة سحب التوقيع إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان، قال مندوب الدوحة في جنيف، علي المنصوري: "نظرا لتركيزنا على التسوية والوساطة، فإنا نعتقد أن المشاركة في تأليف النص الوارد في الرسالة سيعرض أولويات سياستنا الخارجية الرئيسية للخطر، ولذلك نرغب في الحفاظ على موقف محايد ونعرض دورنا كوسيط".

ولم يعد القابضون على السلطة في بكين ينفون حقيقة وجود المعسكرات، ولكنهم يرفضون اتهامات التعذيب، حيث أصبحت تتحدث بدلا عن ذلك عن "مراكز التأهيل الوظيفي"، قائلة إن هذه المراكز تستخدم كـ "أحدث وسيلة" في "مكافحة الإرهاب".

وتشعر الأقليات السكانية القاطنة في الإقليم بالقهر الاقتصادي والسياسي والثقافي والاستغلال من قبل صيني الهان الذين يحكمون الإقليم. وفي المقابل فإن الحكومة الصينية تتهم مجموعات من الأيغور بأنها تسعى للانفصال عن الصين.

وتؤكد بكين أن المجموعات المسلحة من الإيغور تقوم بعمليات "عنف" من أجل "الانفصال" عن الصين الأم وإقامة "دولة مستقلة " .

كما يدفع الرئيس الصيني شي جين بينغ بفكرة "طريق الحرير الجديد"، تصبح شينجيانغ من خلاله عند تقاطع طرق للتجارة مع آسيا الوسطى، وذلك لأن شينجيانغ تقع على الحدود مع الهند وباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وروسيا ومنغوليا.

وخلال مرحلة الازدهار الاقتصادي الصيني، حظيت شينجيانغ باستثمارات كبيرة في المجالات الصناعية ومشروعات الطاقة، الأمر الذي انعكس نظريا على الإقليم بالكامل.

لكن العديد من الإيغور شكوا من أن الهان ينفردون بالوظائف وفرص العمل، وأن أراضيهم صودرت من أجل مشروعات إعادة البناء. ويؤكد المحللون أن ما لم يعالج الفقر والتهميش والتمييز باعتبارها العوامل المسؤولة عن وضع الإيغور، فإن النزاع لا يمكن حله.

ورغم أن الصين تستهدف بالأساس أقلية الإيغور، فهي تحتجز كذلك مسلمين من أقليات أخرى مثل القازاق، وإن كان الإيغور والقازاق -وكلاهما من الشعوب التركية- هم من يتحملون القدر الأكبر من سوء المعاملة؛ وذلك لأن السلطات الصينية ترى فيهم تهديدا لتماسك البلاد لإنشاء دولتهم الخاصة.

تبدو "طريق الحرير الجديد" هي مفتاح الأزمة في الإقليم، فالاقتصاد هو الوقود ولسوء الحظ فقد تحول الإيغور إلى فتيل يحترق تحت ضربات بكين "التثقيفية والتربوية" لإعادة تعبيد الطريق دون مطبات بالتخلص من الإيغور وطموحاتهم.

 

التعليقات (0)