قضايا وآراء

موسم اللعب بالروايات

غازي دحمان
1300x600
1300x600

هناك من يعمل على ابتزازنا، فإما أن نقول إن ما حدث طيلة السنوات الماضية كان من صنع القوى المتطرفة وأن عصابات الحكم العربية كانت رأس حربة في محاربة هذه القوى وإنقاذ البشرية من شرورها، أو يتهمنا بأننا من بقايا تلك القوى أو مؤيدون لها.

من الصعب على شهود رأوا بأعينهم كيف تشكلت المسارات وكيف جرى تركيب الوقائع والتلاعب بمعطيات مواقع ومسارح الجريمة؛ تصديق هذه الأكاذيب. داعش لم يظهر للوجود قبل 2014، والقاعدة، بفرعها "النصرة" لم تتدخل في سوريا قبل منتصف2012، ولم يكن لهما امتداد واسع وسطوة قبل 2015.

لم تشتعل الأحداث في الرقة أو الموصل أو إدلب أو سيناء بسبب هذه التنظيمات، التي لم تكن موجودة أصلا. وحتى بعد وجودها ظلت هذه التنظيمات في حالة عزلة عن الشعوب وقضاياها، بل إنها مارست التنكيل بكل من وقف مع الثورة ضد الأنظمة. ولا ندّعي أنها فعلت ذلك بالاتفاق مع عصابات الحكم، لكن لأن شرط وجودها وبقائها كان تصحير المجتمعات من القوى الثورية والمتنورة، وهي بذلك التقت مع عصابات الحكم. لذا، كان من الطبيعي أن يقوم داعش والنصرة بإعدام العشرات من كوادر الثورة، في الوقت الذي كان نظام الأسد يذبح الآلاف من الثوار في معتقلاته.

مناسبة هذا الحديث، تصدّر موضوع عودة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد برامج أغلب المرشحين للرئاسة في تونس، لوجود رؤية مشتركة مع نظام الأسد حول مكافحة الإرهاب والجريمة وفتح ملفات الإرهابيين، بحسب مرشحة الحزب "الدستوري الحر" عبير موسى!

 

تصدّر موضوع عودة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد برامج أغلب المرشحين للرئاسة في تونس، لوجود رؤية مشتركة مع نظام الأسد حول مكافحة الإرهاب والجريمة وفتح ملفات الإرهابيين

ويلاحظ منذ فترة أن بعض الأحزاب، في تونس، التي ترفع شعارات معادية لحركة النهضة وتدّعي "التقدمية"، تحاول لصق تهمة الإرهاب بضحايا نظام الأسد، بل وتعمل على تبرئة هذا النظام من كل ما ارتكبه من جرائم بحق السوريين، وتحاول إظهار عدائها للدواعش التوانسة عبر تأييدها لكل أفعال نظام الأسد بحق السوريين، والتغاضي عن جرائمه اليومية والمستمرة منذ اليوم الأول للثورة السورية، ورغم انكشاف العلاقة بين نظام الأسد والدواعش، وظهور حقيقة أن جزءا كبيرا من الدواعش، العرب على وجه التحديد، تخرجوا من سجون الأسد. كما أن الجزء الأكبر من هؤلاء تلقوا رعاية نظام الأسد ومساعدته في الوصول إلى العراق من 2003 حتى 2009، حينما كان أبو مصعب الزرقاوي يحظى باستقبال القادة الكبار في فروع الأجهزة الأمنية السورية، وكانت دمشق تشكل القاعدة اللوجستية لإمداده بالعناصر والدعم. وهذا ليس تحليلا، بل هي وقائع ضمّنها العراق في رسالة إلى الأمم المتحدة، حينما كان نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق، الذي أكد، خلال استقباله وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو في 13 آب/ أغسطس 2009، أن "تسعين في المئة من الإرهابيين من مختلف الجنسيات العربية تسللوا إلى العراق عبر الأراضي السورية".

عن أي جرائم إذا يتحدث مرشحو الرئاسة التونسية؟ نفهم أن النكاية السياسية بحركة النهضة قد تدفعهم للقيام ببروباغندا ضدها، لكن ليس على حساب الحقائق الساطعة، وليس عبر شطب حقوق ملايين الضحايا، وعن أية رؤية مشتركة مع نظام الأسد، حول مكافحة الإرهاب والجريمة، في حين أن تجربة نظام الأسد الإجرامية أصبحت نموذجا مرعبا في قتل وتهجير الملايين، ولا ينبغي لتونس الحديثة، التي قامت على تجربة ثورية رائعة، اقتفاء خطوات الأسد في تدميره للمجتمع السوري، ولا الدعاية لهذا النموذج الإجرامي، الذي لا يتمنى أحد لتونس أن تدار بهذه العقلية الإجرامية الفاسدة نفسها.

وبين الفترة والأخرى، تبرز بعض أبواق الأنظمة التي تتلطى في بعض المنابر، وتحاول التضليل علينا عبر التطرق لقضايا وهموم عربية كبرى، وخاصة ارتدادات مرحلة الربيع العربي، وما نتج عن ممارسات أنظمة الثورات المضادة، من تدمير وقتل وإخفاء، تحاول هذه الأبواق تقديم شهادات مزورة لما حصل، عبر تحميل التنظيمات المتشدّدة كل المساوئ المرتكبة في تلك المرحلة، مستغلة توفّر مناخ عالمي مضاد لتلك التنظيمات، ووجود استعداد لتقبل أي تهم ولصقها بها.

 

إنه موسم خروج مؤيدي أنظمة الاستبداد من أوكارهم التي تلطوا بها يوم هدرت الجماهير العربية" الشعب يريد إسقاط الاستبداد"، باتوا يعتقدون أن الثورات ماتت، ولا بأس من تزييف الحقائق وغسل الأيدي من دم الضحايا، ولكن عبر تجريم الضحايا

بالطبع، لا يمكن الدفاع عن سلوكيات هذه التنظيمات، ولا إنكار جرائمها، وعمليات القتل والإخفاء التي ارتكبتها، لكن ذلك لا يعني طمس جرائم عصابات الحكم، وخاصة في ملفات الإخفاء التي ستعاني منها الشعوب العربية، وخاصة في سوريا والعراق ومصر، لعقود قادمة، نتيجة عدم معرفة مصائر أبنائهم، وهم بمئات الآلاف، إن لم يكن أكثر من هذا الرقم.

إنه موسم خروج مؤيدي أنظمة الاستبداد من أوكارهم التي تلطوا بها يوم هدرت الجماهير العربية" الشعب يريد إسقاط الاستبداد"، باتوا يعتقدون أن الثورات ماتت، ولا بأس من تزييف الحقائق وغسل الأيدي من دم الضحايا، ولكن عبر تجريم الضحايا أنفسهم، أو من خلال الأدوات التي صنعوها لهذا الغرض. وتتجسد وقاحة هؤلاء بأنهم يكذبون على الشهود الأحياء.. نعم هناك داعش والقاعدة وسواهما من المتطرفين، لكن هؤلاء جميعهم يقعون في جبهة الثورة المضادة التي شكّلت عصابات الحكم طليعة قيادتها.

التعليقات (0)