حول العالم

لهذا تنجح العائلات في إدارة الشركات الكبرى

المؤسسات العائلية تمثل أغلبية المؤسسات في العالم، حيث تتراوح نسبتها بين 60 و95 بالمائة
المؤسسات العائلية تمثل أغلبية المؤسسات في العالم، حيث تتراوح نسبتها بين 60 و95 بالمائة
نشر موقع "أتلنتيكو" الفرنسي حوارا مع الأستاذ بالكلية العليا للتجارة في باريس ميشيل ريمي، حول تصنيف بلومبرغ لأغنى العائلات. وبين هذا المختص أن نجاح العائلات في إدارة الشركات وقدرتها على تجاوز الأزمات، يعود إلى طريقة إدارتها التي تركز على الاستدامة والعلاقات الإنسانية.

وتساءل الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، حول سر بقاء الرأسمال العائلي وصموده في وجه تغييرات الأنماط الاقتصادية عبر السنوات، رغم أن كثيرين من خبراء الاقتصاد توقعوا انهيار هذا النموذج. وذكر ريمي أن المؤسسات العائلية تمثل أغلبية المؤسسات في العالم، حيث تتراوح نسبتها بين 60 و95 بالمائة، وهي تختلف بحسب التقديرات والدول. ويتمثل القاسم المشترك بينها جميعا في سيطرة فرد أو مجموعة من أفراد العائلة على اتخاذ القرار في الشركة، حيث يمارس هذا النفوذ عبر منصب الإدارة العامة أو عبر عضوية مجلس الإدارة.

وأوضح هذا الخبير أن هذه الشركات قد تكون أو لا تكون مدرجة في البورصة، وهي تتنوع بين مؤسسات كبرى ومتوسطة وصغرى، وهنالك عدة أمثلة معروفة في فرنسا، مثل شركات لوريال وريكار وبونديال، هيرميس، داسو، ويندل، بيجو، ميشلان، روتشيلد، كما أن هذا النوع من الشركات العائلية حاضرة بقوة في الولايات المتحدة، على غرار سلسلة محلات ول مارت، كارجيل ومارس، وهي تساهم في دفع عجلة الاقتصاد بشكل كبير.

ويذكر ريمي أن ثروة عائلة والتون على سبيل المثال، المالكة لسلسلة محلات ول مارت، ارتفعت بقيمة 39 مليار دولار منذ حزيران/ يونيو سنة 2018، وهو ما يعني أنها تزداد بمقدار 70 ألف دولار في كل دقيقة، و100 مليون دولار في اليوم.

وأضاف ريمي أن قوة أداء الشركات العائلية يعود إلى مجموعة من العوامل، أولها أن هذه العائلات تمتلك رؤية بعيدة المدى، حيث أنها تنظر إلى شركاتها على أنها إرث تاريخي ومشروع عائلي، ولذلك فهي ملتزمة تماما بديمومة هذا الموروث، ولا تبحث عن النتائج السريعة. وهذا التفكير هو ما يمكنها من الصمود في أوقات الأزمات، خاصة في القطاعات التي تحتاج إلى طول نفس مثل قطاع الصناعات الدوائية، الذي يعتمد بشكل كبير على البحوث والاكتشافات التي تستغرق سنوات.

ويقول ريمي إن مالكي الأسهم عندما ينتمون إلى نفس العائلة، فإنهم يشاركون بشكل جدي في الإدارة وفي اتخاذ قرارات الاستثمار، ولذلك فإنهم يحرصون على التصرف في الموارد المالية بشكل حكيم، ويقومون بتوزيع الأرباح بشكل متحفظ حتى يوفروا المال اللازم للاستثمارات المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، تعد الشركات العائلية راسخة في المجتمعات المحلية أو المناطق، ولديها سياسة إنسانية تجاه الموظفين، حيث أن رؤيتها بعيدة المدى تجعلها تتجنب تسريح العمال حتى في أوقات الأزمات، وهو ما يعزز الرابط المعنوي والوفاء بين الطرفين، ويمكنها من الحفاظ على الكفاءات وأصحاب الخبرات.

وأوضح ريمي أن رأس المال الحقيقي في كل شركة ليس فقط المال، بل أيضا القدرات البشرية والعلاقات الاجتماعية. وفي المؤسسات العائلية يساهم المالكون في تطوير رأس المال البشري والاجتماعي، من خلال انخراطهم الشخصي في العمل، والعلاقات التي تربطهم بموظفيهم، وهو ما يمكن من بناء رأس مال عاطفي وارتباط بالمؤسسة.

وأشار الموقع إلى أن العائلات المذكورة التي وردت أسماؤها في تصنيف أثرى المؤسسات العائلية في العالم، كلها أسست شركتها في القرن العشرين، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية استمرارها في هذه المكانة خلال القرن ال21، أم أننا سنشهد ظهور أسماء وسلالات جديدة مثل عائلة زوكربيرغ.

في المقابل، يرى ريمي أن رؤوس الأموال العائلية بعيدة للغاية عن الاضمحلال في الوقت الراهن، نظرا لأن هذا النموذج يمتلك مفاتيح النجاح، ويبقى العائق الوحيد هو انتقال الثروة من الآباء إلى الورثة، حيث أن هذه العملية تشهد عديد المشاكل، وهي لا تمر بسلاسة إلا في العائلات التي تمتلك وريثا واحدا.

ونبه ريمي إلى أن أوروبا تحتاج إلى تنظيم عملية انتقال وتقاسم الميراث بشكل قانوني سلس وواضح، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية. كما أن انتقال ملكية الشركة من جيل إلى آخر مثل لحظة فارقة في تاريخها، إذ أن كل عملية انتقال تصاحبها تغييرات عميقة في رأس المال وإدارة الشركة، وهي تصبح مهددة حتى في استمراريتها في حال فشل هذه العملية.

ويقول ريمي إنه لا توجد استراتيجية موحدة في اختيار الورثة الذين سوف يترأسون الشركات العائلية، وأحيانا تشهد هذه المرحلة مظلمة وتصرفات غير عادلة، عند القيام بالبحث عن أفضل شخصية في العائلة قادرة على تحمل مسؤولية القيادة.

أما حول مستقبل أسماء مثل مارك زوكربيرغ أو أمثاله، يرى ريمي أن هيمنة الشركات الكبرى في عالم التكنولوجيا جوجل وأبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت، قد وصلت إلى حدود لا يمكن للشركات التقليدية مضاهاتها، فهي الآن تقوم بعملية احتكار تامة للسوق، ومن الصعب أن تجد بلدا لا تهيمن فيه هذه الشركات بشكل مطلق، باستثناء الصين التي قاومت هذا الأمر لدوافع سياسية. وقد وصلت أهمية هذه الشركات، إلى درجة أن مالكيها باتوا يحظون باستقبال رسمي يشبه استقبال رؤساء الدول، عند قيامهم بزيارات خارجية.

0
التعليقات (0)