صحافة دولية

WP: مودي يستعرض القوة الهندوسية على مسلمي كشمير

هل تتراجع الهند عن إجراءاتها الأخيرة في كشمير؟ - جيتي
هل تتراجع الهند عن إجراءاتها الأخيرة في كشمير؟ - جيتي

قال الكاتب كابيل كوميردي إن كشمير ذات الأغلبية المسلمة تعيش حالة سريالية من عدم الوجود بعد القرار الهندي الأخير بإلغاء استقلالها وتعطيل الاتصالات والإنترنت فيها، وفرض حظر التجول على الناس هناك.


وعلى صفحات "واشنطن بوست" تابع الكاتب بأن قبضة الهند لم تكن يوما بهذا الإحكام في كشمير، وأن رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي يسعى إلى تشكيل رؤيته عن "أمة هندية متجانسة" و"جنة هندوسية" في شبة القارة الهندية، ويعتبر كشمير إنذارا ونموذجا بنفس الوقت؛ فكل من يشذ عن هذه الرؤية سيتم جلبه عنوة إلى "بين الطاعة".


وذكّر الكاتب بأنه في عهد مودي كوزير أول في ولاية كوجرات الهندية، شهدت الولاية أسوأ حمام دم في تاريخ الهند الحديث. كان ذلك في عام 2002 عندما تعرض ما لا يقل عن ألف مسلم – بحسب أكثر التقديرات تحفظاً – للذبح على يد الهندوس الذين ظلوا يجولون شوارع الولاية شاهرين سيوفهم لعدة أسابيع. حينها، اتهم بعض الناس مودي بحض الهندوس على ذبح المسلمين بينما اتهمه البعض الآخر بغض الطرف عن الجرائم المرتكبة، الأمر الذي حوله إلى شخصية منبوذة في أعين الكثيرين، حيث شبهه الهنود الليبراليون بهتلر، ورفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول إليها، وقاطعته بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.

 

اقرأ أيضا: عمران خان: "الفاشية الهندوسية" ستهزم في كشمير

وتابع بأنه بالرغم من ذلك، فقد تمكن مودي من توسيع وتعزيز قاعدته الشعبية في الهند بين الهندوس، الذين يشكلون الأغلبية الدينية التي طالما شعرت بالامتعاض لتعرضها للغزو من قبل المسلمين الذين حكموها لقرون، إلا أن هذا الامتعاض ما لبث لعقود أن استتر خلف شعارات كانت ترفعها النخب العلمانية في الهند.


ولفت إلى أن صحوة مودي حصلت أثناء تلقيه التدريب داخل معسكرات راشتريا سوايامسيفاك سانغ (آر إس إس)، وهي مجموعة شبه عسكرية يمينية متطرفة ولدت في محضنها السياسة القومية الهندوسية.

 

وتدرّس المجموعة "المتطوعين" الشباب في مخيماتها عن ما تعتبره مجمع الأشرار الذين خربوا الهند وعاثوا فيها فساداً لزمن طويل بدءاً من "الغزاة المسلمين" في العصور الوسطى مروراً بـ"المتساهلين والمتواطئين" من أمثال موهانداس غاندي وحزب المؤتمر الذي كان يقوده وانتهاءً بالقوميين المسلمين "الذين قطعوا أوصال الهند لكي يقيموا دولة باكستان وهم يسعون لفصل كشمير والهروب بها".


وتاليا المقال كاملا:


على مدى أسبوعين، عاشت كشمير، الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة، في حالة سريالية من عدم الوجود. فمنذ القرار الرئاسي الذي ألغى الولاية، وأبطل استقلالها الذاتي وقسمها إلى منطقتين اثنتين تداران فيدرالياً، تم إغلاق الإنترنيت، وعُطلت شبكات الهواتف الخلوية، وحتى خطوط الهاتف الأرضية كذلك، وفُرض على الناس حظر التجول. وفي بعض القرى وُضع أمام كل واحد من منازلها جندي يراقبه. وبذلك انقطع ثمانية ملايين نسمة عن العالم بشكل تام، بل تم قطع الناس في نفس الولاية بعضهم عن بعض. بدأت الصيدليات تعاني من شح في الأدوية، والمنازل من شح في المواد الغذائية، وازدحمت المستشفيات بالجرحى الذين أصيبوا أثناء التظاهر. في تلك الأثناء يصر رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي على أن كل الذي يجري إنما هو لصالح كشمير. لم تكن قبضة الهند على كشمير بهذا الإحكام من قبل، وإن لم تكن سيطرتها على الكشميريين من قبل بهذا المستوى من الابتذال.

يأتي استيلاء مودي المفاجئ على كشمير تحقيقاً لشوق أيديولوجي قديم بإخضاع الغالبية المسلمة من السكان إلى رؤيته لأمة هندية متجانسة. كما أنها وسيلة لإعلام بقية الهند – والتي تتكون من اتحاد مربك بين تشكيلة من الولايات المتنوعة – بأنه لا يوجد من يمكن أن يُعفى من جنة السلطة الهندوسية التي يسعى لإقامتها في شبه القارة الهندية. وبذلك تعتبر كشمير إنذاراً ونموذجاً في نفس الوقت: فكل ولاية تشذ عن تلك الرؤية سيتم جلبها عنوة إلى بيت الطاعة وتجبر على الخضوع لإرادة دلهي باسم "الوحدة".

إن أولئك الذين يؤمنون بأنه من غير الوارد أن يأتي مثل هذا اليوم، لأن مؤسسات الهند الديمقراطية وقوانينها التي توفر الحماية للأقليات ستفرض نفسها لا محالة، لم يكن يخطر ببالهم أن شخصاً مثل مودي يمكن أن يقود البلاد في يوم من الأيام. فقد كان مودي ذات مرة يبدو محكوماً عليه بأن يتلاشى ويصبح ذكره مجرد طرفة يتندر بها البعض. ولكنه حينما كان حديث عهد في منصبه كوزير أول في ولاية كوجرات، فقد شهدت الولاية في عهده أسوأ حمام دم في تاريخ الهند الحديث. كان ذلك في عام 2002 عندما تعرض ما لا يقل عن ألف مسلم – بحسب أكثر التقديرات تحفظاً – للذبح على يد الهندوس الذين ظلوا يجولون شوارع الولاية شاهرين سيوفهم لعدة أسابيع. حينها، اتهم بعض الناس مودي بحض الهندوس على ذبح المسلمين بينما اتهمه البعض الآخر بغض الطرف عن الجرائم المرتكبة، الأمر الذي حوله إلى شخصية منبوذة في أعين الكثيرين، حيث شبهه الهنود اللبراليون بهتلر، ورفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول إليها، وقاطعته بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.

بالرغم من ذلك، فقد تمكن مودي من توسيع وتعزيز قاعدته الشعبية في الهند بين الهندوس، الذين يشكلون الأغلبية الدينية التي طالما شعرت بالامتعاض لتعرضها للغزو من قبل المسلمين الذين حكموها لقرون، إلا أن هذا الامتعاض ما لبث لعقود يستتر خلف شعارات كانت ترفعها النخب العلمانية في الهند. لقد استخدم ثلاث أدوات قوية ليضمن صعوده. كانت أداته الأولى هي السادية (التلذذ بتعذيب الضحايا)، حيث كان يومئ إلى أنه سيكون بإمكان الهندوس المتطرفين في عهده إطلاق العنان لشهوة سفك الدم المكبوتة في نفوسهم. فعلى سبيل المثال: بعد قتل رجل مسلم كان رهن الاعتقال لدى الشرطة، وقف مودي أمام حشد من أنصاره في مهرجان خطابي عام 2007 ليقول: "إذا كانت بنادق إيه كيه 57 قد وجدت داخل مقر إقامة شخص ما... فهل يتوجب علي ألا أقتله؟"، فرد الجمهور هاتفاً: "اقتلوهم، اقتلوهم!". وأما الأداة الثانية فكانت الشماتة (الفرح بما يتعرض له الآخرون من مصائب أو كوارث)، من خلال الابتهاج بعذابات الأقليات المستضعفة. ومن أمثلة ذلك ما حدث في مهرجان نظم في وقت مبكر من عام 2002، حينما قال مودي بعد أن أطال التفكير بشأن مصير المسلمين الذين ألجئوا إلى النزوح من ديارهم على إثر أعمال الشغب التي شهدتها ولاية كوجرات متسائلاً: "ما الذي يجب أن نفعله؟ إقامة مخيمات إغاثة لهم؟ هل نريد إقامة مراكز لإنتاج الأطفال؟"، فانفجر الجمهور ضاحكاً. ثم قال: "يجب أن نعطي درساً لأولئك الذين يزيدون عدد السكان بمعدلات مخيفة". كان الأثر النهائي لذلك هو إثارة الشعور بالشفقة على الذات لدى الهندوس ومنحهم رخصة ليعتبروا أنفسهم الضحية الحقيقية. ثم قال داخل البرلمان إن الهند ظلت أمة أسيرة لما يزيد على ألف عام زاعماً أن ثمة قوى تتربص به لتقتله.

منذ أن انتخب مودي رئيساً للوزراء في عام 2014، تم تعظيم التعصب باعتباره سلوكاً صحياً للاعتزاز بالهوية وتأكيد الذات. وبات إعدام المسلمين – الذين يشيطنون باعتبارهم جهاديين كل همهم إغواء نساء الهندوس وتحويلهم إلى الإسلام – على يد عصابات الهندوس "المحزونين" رياضة شائعة تمخض عنها نشر عشرات مقاطع الفيديو لجرائم بشعة عبر مجموعات واتساب يديرها قوميون هندوس. وفي الصيف الماضي قام وزير في حكومة مودي بتكريم ثمانية رجال أدينوا بإعدام رجل مسلم خارج القانون. في مثل هذا العالم، يستحيل أن تحتفظ كشمير باستقلالها الذاتي، وهو المكان الحصين ضد رغبات أغلبية يسعدها أن ترى إرادتها تتحقق عبر العنف.

وكان من نتائج إعادة انتخاب مودي هذا العام تشجيع مؤيديه، الذين يحرضهم بمهارة فائقة على السخط. قلما يقر رئيس الوزراء بما يرتكب من جرائم قتل ضد الأقليات، ويندر أن يصدر عنه تنديد بأي من تلك الجرائم. ولم يحصل ولو لمرة واحدة أن ذكر بالاسم مسلماً تعرض للذبح على يد الأصوليين الهندوس. ليس ذلك من باب المصادفة، بل هو سلوك يقع على مسافة قصيرة من الانتقال من السماح للمتحمسين الهندوس بإخضاع جيرانهم المسلمين إلى القيام بنفسه بإخضاعهم، مستخدماً سلطان الدولة كما فعل مؤخراً في كشمير.

حصلت صحوة مودي أثناء تلقيه التدريب داخل معسكرات راشتريا سوايامسيفاك سانغ (آر إس إس)، وهي مجموعة شبه عسكرية يمينية متطرفة ولدت في محضنها السياسة القومية الهندوسية. تدرّس مجموعة آر إس إس "المتطوعين" الشباب في مخيماتها عن ما تعتبره مجمع الأشرار الذين خربوا الهند وعاثوا فيها فساداً لزمن طويل بدءاً من الغزاة المسلمين في العصور الوسطى مروراً بالمتساهلين والمتواطئين من أمثال موهانداس غاندي وحزب المؤتمر الذي كان يقوده وانتهاءً بالقوميين المسلمين الذين قطعوا أوصال الهند لكي يقيموا دولة باكستان والذين يسعون لفصل كشمير والهروب بها، ثم تحضهم على النهوض ونفض العجز عن كاهلهم كأتباع للديانة الهندوسية. كان أثر ذلك على عقل الشاب مودي كبيراً جداً لدرجة أنه بات يعتبر الـ "آر إس إس" عائلته، فتخلى عن زوجته وأمه، وأصبح متجولاً في أرجاء الهند داعية للقضية القومية الهندوسية.

من خلال استيلائه على كشمير، استجاب مودي لأنصار القومية الهندوسية وأقام نفسه فيهم زعيماً بوصفه أب ما يفتخرون بتسميته "الهند الجديدة". لطالما كانت كشمير على رأس قائمة أمانيهم، والتي من ضمنها الرغبة في إنشاء معبد في أيوديا، حيث كان يوجد مسجد لأكثر من خمسمائة عام قبل أن ينقض عليه القوميون الهندوس ويحولونه إلى ركام في عام 1992، ومنها إلغاء الامتيازات البسيطة الممنوحة للأقليات (مثل الدعم الذي يقدم للحجاج المسلمين إلى مكة)، ووضع حد من خلال القانون لتحول الهندوس إلى الإسلام، وإجازة تشريع إضافي لمنع الغرام والزواج بين الأفراد من أديان مختلفة، وخاصة عندما تكون الفتاة هندوسية والشاب مسلماً، وأخيراً إعادة كتابة الدستور لإعلان الهند رسمياً دولة هندوسية.

ولكن، هل بإمكان الهند، المجتمع الأكثر تنوعاً على وجه الأرض، النجاة والبقاء على قيد الحياة في وجه صعود للأغلبية من هذا النوع؟

كان الشيخ عبدالله، الزعيم الاشتراكي المحبوب الذي دافع عن انضمام كشمير إلى الهند، قد حدد الخيارات المطروحة أمام الكشميريين، وذلك في خطابه الحماسي الذي ألقاه أمام أول مجلس منتخب في كشمير عام 1951، قائلاً إن التزام الهند بالديمقراطية العلمانية التي تقوم على العدالة والحرية والمساواة تبطل ادعاء مسلمي كشمير بأنهم لن ينعموا بالأمن في الهند. وقال عبدالله إن دستور الهند قد نقض إلى الأبد وبشكل كاف مفهوم الدولة الدينية، والتي تعيد الناس إلى القرون الوسطى. وندد عبدالله بالباكستان باعتبارها دولة شبه دينية شنت حرباً للاستيلاء على كشمير في عام 1948، وباعتبارها دولة إقطاعية حيث يشكل اللجوء إلى الدين فيها مقاربة عاطفية خاطئة. إلا أن رفضه للباكستان كان بمثابة التذكير للهند بأن العلمانية كانت شرطاً غير قابل للتفاوض من أجل ضمان ولاء كشمير للهند. وقال إن الكشميريين لن يقبلوا أبداً بمبدأ يسعى إلى تغليب مصالح دين بعينه على غيره أو مجموعة مجتمعية بعينها على غيرها. في حينه، كانت تلك العبارة تستهدف باكستان، أما الآن فهي تنطبق على الهند.

كان الانفصاليون في كشمير يبررون توجههم من خلال اعتبار الهند "دولة هندوسية"، وكانت حجتهم تلك تُرفض باعتبارها شوفينية، وكانت الهند تَعتبر أن المكان الطبيعي لكشمير هو ضمن الهند لأن دين الكشميريين ليس عائقاً أمام تمتعهم بحق المواطنة الكاملة في الدولة الهندية. أما الآن، فستبدو حجة الانفصاليين ضد الهند مقنعة بقدر ما كانت حجة عبدالله مقنعة ضد الباكستان. لم تعد واردة في حالة مودي – القومي الديني - تلك الحجة التي رفع رايتها أسلافه لإقناع الانفصاليين الكشميريين بالمشاركة في الانتخابات باسم "القومية الجامعة". ما من شك في أن الهند التي لم تعد علمانية قد خسرت إلى الأبد حجتها في التمسك بكشمير. وما من شك أيضاً في أن الهدوء الذي فرض بالقوة على المنطقة يخفي من ورائه غضباً بالغاً لن يلبث أن ينفجر. ولا ريب أنه ما لم يتم إيقاف العبث الذي يمارسه مودي في كشمير باسم "الاندماج"، فإننا سنشهد بداية نهاية الوحدة الهندية.

التعليقات (0)

خبر عاجل