كتاب عربي 21

حركة النهضة وتحديات الديمقراطية الداخلية

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

"يحلم الذين يتصورون حركة النهضة يمكن أن يحدث فيها انشقاق".. هذا ما صرح به عماد الخميري، الناطق الرسمي باسم الحركة، تعقيبا منه على تصريحات الخصوم، أيضا محاولة منه امتصاص الغضب الذي اجتاح مؤخرا جانبا من الكوادر القيادية أو الوسطى.

لقد سجلت في الأيام الأخيرة مواقف شديدة النقد موجهة ضد رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي والمكتب التنفيذي. وتعتبر هذه من الحالات النادرة التي يتجرأ فيها بعض الأعضاء بنشر انتقادات جريئة وعلنية، بعيدا عن الانضباط الذي طبع به الجميع خلال الأزمات السابقة. ماذا حصل؟

من المعضلات الكبرى التي تواجهها الأحزاب والحركات الاجتماعية تتمثل في التحكم في أعضائها، وكيفية اتخاذ القرار داخل هياكلها، وكلما اتسع حجم هذه الكيانات تعددت الطموحات الفردية، وبرزت التطلعات الشرعية للقواعد، مقابل رغبة القيادات التاريخية في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مختلف مفاصل التنظيم، والعمل بالخصوص على التحكم في آليات اتخاذ القرار، وفي المساحة التي تعطى لمشاركة البقية في وضع السياسات. وهو الأمر الذي يؤدي غالبا إلى فتح المجال أمام ما يسمى بصراع الإرادات وتنازع النفوذ، والدفع بالبعض نحو الانسحاب.

 

 

برزت التطلعات الشرعية للقواعد، مقابل رغبة القيادات التاريخية في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مختلف مفاصل التنظيم، والعمل بالخصوص على التحكم في آليات اتخاذ القرار

 

تولد الحركات الإسلامية في بداية نشأتها على صيغة جماعات دينية، ويطغى على العلاقة بين المؤسس والأنصار نزعة الشيخ والمريدين، حيث يتم إضفاء صفات الكمال، من تقوى وحكمة وعلم وغيرها من خصائص القيادة الراشدة؛ على شخص المؤسس. لكن بعد التأسيس والنمو تبدأ النوازع البشرية تفعل فعلها في الأفراد، ويتأكد أن الجميع، بمن في ذلك الشيخ المؤسس، يمكن أن يقعوا في الخطأ وسوء التقدير، وأن الحزب يختلف عن الثكنة العسكرية، وأن الشورى ضرورة حيوية، وأن التداول على المسؤوليات مطلب مشروع وضروري، وأن الشخصنة منافية للنمو والتقدم.

حركة النهضة ليست استثناء في هذا الأمر، وقد تعرضت في تاريخها لمثل هذه العوارض والأزمات، وكان مؤتمرها الأخير فرصة لإثارة هذه المسألة. إذ ظهر تيار واسع وقوي يدعو إلى توسيع الممارسة الديمقراطية داخل الحركة. وتمثل الطلب المحوري لهذا التيار في تمكين القواعد من حق ممارسة الانتخاب الحر لمختلف ممثليهم داخل الحزب، بمن في ذلك أعضاء المكتب التنفيذي.

 

تجدد الخلاف مرة أخرى عندما قام المكتب التنفيذي بإدخال تعديلات اعتبرت جوهرية على عدد من القوائم أدت إلى إبعاد بعضهم أو تغيير المنطقة التي رشحته خلافا لإرادة الناخبين

اعترض الشيخ الغنوشي على النقطة الأخيرة، بعد أن قبل مبدأ اختيار أعضاء مجلس الشورى وأعضاء قوائم الحركة بالمجالس التمثيلية، مثل البرلمان والبلديات، وهو ما فجر أزمة خطيرة يومها؛ عندما وضع رئيس الحركة المؤتمرين أمام اختيار صعب: إما استقالته من القيادة، أو تمكينه من حرية اختيار أعضاء المكتب التنفيذي؛ الذين هم (حسب رأيه) أشبه بالوزراء الذين سيساعدون رئيس الحكومة على تطبيق السياسة التي يختارها.


كانت تلك لحظات حرجة اختلطت فيها العاطفة بالمصلحة، وتعانق خلالها المختلفون بعد أن سالت دموع الجميع بمن ذلك الرئيس المؤسس. وفي النهاية تم القبول بأن يختار الشيخ أعضاء المكتب التنفيذي؛ الذي له الصلاحية أيضا في إبداء الرأي في القوائم الانتخابية قبل تمريرها. واليوم تجدد الخلاف مرة أخرى عندما قام المكتب التنفيذي بإدخال تعديلات اعتبرت جوهرية على عدد من القوائم أدت إلى إبعاد بعضهم أو تغيير المنطقة التي رشحته خلافا لإرادة الناخبين. وهو ما جعل المعترضين يوجهون اتهامات خطيرة إلى الشيخ الغنوشي وأنصاره، كما اعتبروا أن ما جرى من شأنه أن يمس من مصداقية الديمقراطية الداخلية.

 

 

 

إذ يُستبعد سيناريو الانقسام حاليا رغم غضب البعض وتهديدات البعض الآخر، لكن المؤكد أن الحركة تمر بحالة تململ شديد

هكذا بدت النهضة في وضع حرج قد يؤشر على احتمال حصول أزمة عميقة في صلبها، وهو ما تنفيه القيادة بشدة. وإذ يُستبعد سيناريو الانقسام حاليا رغم غضب البعض وتهديدات البعض الآخر، لكن المؤكد أن الحركة تمر بحالة تململ شديد. ويعود السبب إلى العوائق التي لا تزال تحول دون التقدم نحو تجسيد كامل لمبدأ الديمقراطية الداخلية، بعد الخطوات التي قطعت في هذا الاتجاه. فالجميع لا يزالون في انتظار كيف سيتعامل الغنوشي مع القانون الداخلي الذي يفرض عليه عدم الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة، وبالتالي فتح المجال أمام مبدأ التداول الديمقراطي، مع العلم أن هناك من كوادر النهضة التي لا تزال تعتقد بأن استمرار الغنوشي في القيادة "ضرورة" حركية ووطنية، وهي لا تزال تبحث عن الصيغة الملائمة لتمرير ذلك وتبريره.

بقطع النظر عن الملابسات الظرفية التي تمر بها حركة النهضة حاليا، ودون النظر إلى رغبة خصومها في أن يروها عرضة لنفس المآل الذي انتهت اليه بقية الأحزاب من حيث توالي الانشقاقات والتشرذم، فالمؤكد أن كوادر النهضة مسكونة بهاجس ما بعد الغنوشي الذي نجح في أن يطبع الحركة بشخصيته الأبوية في جميع مراحلها، وأن يتمكن من إبعاد كل الذين نافسوه على القيادة والزعامة.

 

التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 22-07-2019 02:57 م
ليست حركة النهضة وحدها ،،، بل هي كل التنظيمات الحديدية المغلقة ذات الخلفية الدينية او حتى الشيوعية ،،، ازمة الحريات عموما رغم أنهما أكثر من يتكلمون عن الحريات و الديمقراطيات والحكم المدني وتداول السلطة ،،، أزمة التنظيمات العقدية ان القيادي والمسؤول فيها غالبا لا يأتي بالانتخابات الحرة لكن بالتعيين او التزكية او التوجيه ،،، وغالبية القواعد أصحاب الأصوات لا تملك إلا التبعية دون إرادة ودون اجبار ايضا ظنا منهم انها قربة إلا الله في التنظيمات الدينية او قربة للفكر والمنهج والقائد الأخ الأكبر في التنظيمات الشيوعية ،،، حتى لو تمت انتخابات وجاءت خلافا لرؤية القادة يتم تعين أوصياء من القيادة العليا تلغي إرادة الناخبين وتبقى السيطرة والهيمنة لمنصة القيادة العليا للمزيد من الضبط والسيطرة ،،، وهذا متكرر ،،، وهناك أمثلة كثيرة ،، اذكر منها عندما خلا منصب ريس حزب الحرية والعدالة بتفرغ الدكتور مرسي رحمه الله رشحت جماعة الإخوان الدكتور سعد ا لكتاتني لمنصب رئاسة الحزب بالتوازي للترشح المنفرد للدكتور عصام العريان ،، وقتها أعلنت الجماعة ان الدكتور ا لكتاتني هو مرشح الجماعة وكان عصام العريان هو مرشح حزب الوفد ،، وكان الجديد ان الدكتور العريان حصل تقريبا على نحو 40 % من إجمالي الأصوات ،، 40 % من كبار القيادات الإخوانية قالت لا لاختيار الجماعة ولا لمرشح الجماعة ،،، هذا خلافا للجدل الذي وجد بين أروقة الجماعة وبين قياداتها الوسيطة والعليا في مدى صحة وسلامة ترشح الدكتور العريان ومدى صحة وسلامة التصويت له ،،، والأمثلة كثيرة ،،،