حقوق وحريات

ضحايا التعذيب بتونس يخشون "إفلات المتهمين" من العقاب

الشرطة التونسية تونس - جيتي
الشرطة التونسية تونس - جيتي

نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن إمكانية إفلات المتورطين في أعمال التعذيب في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من العقاب، وهو السيناريو الذي يخشى وقوعه ضحايا التعذيب في تونس.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن جمال شقيق الراحل فيصل بركات -الذي توفي سنة 1999- صرّح بأن "المحاكمة بدأت منذ سنة، وما زلنا في المرحلة الأولى، حيث نحاول أن يمتثل أكبر عدد ممكن من المتهمين أمام القضاء. ولكن في الوقت الحالي، لم يتم جلب سوى أربعة متهمين فقط".

في الواقع، لم تتجاوز مدة جلسة الاستماع الخامسة والأخيرة أكثر من عشر دقائق مثل الجلسات السابقة. وقد أجّلت المحكمة جلسة الاستماع الأخيرة؛ نظرا لأن أحد المتهمين غيّر محاميه، الذي طلب بدوره مزيدا من الوقت لدراسة القضية.

وأضافت الصحيفة أن أقرباء وأصدقاء الضحية فيصل بركات تبادلوا نظرات مشككة عند سماع قرار القاضي، حيث يعتقدون أن الدفاع يسعى فقط إلى تمديد المحاكمة حتى الموافقة على القانون الذي يُجنب المتهمين دخول السجن.

 

اقرأ أيضا: شهادات مؤلمة لتونسيين عانوا في عهد بن علي (فيديو)

وتعتبر محاكمة وفاة بركات من أكثر القضايا رمزية ضمن عملية العدالة الانتقالية في تونس، البلد الوحيد الذي لم يتحول فيه ما يسمى الربيع العربي المندلع سنة 2011 إلى حمام دم.


وتجدر الإشارة إلى أن بركات، الذي كان يبلغ من العمر 25 سنة عند اعتقاله والمنتمي إلى حزب النهضة الإسلامي، تعرّض إلى التعذيب حتى الموت يوم اعتقاله في الثامن من شهر أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1991 في مركز شرطة مدينة نابل.

وأوردت الصحيفة أن نظام بن علي آنذاك زوّر تقرير تشريح الجثة، ثم ادعى أن بركات توفي في حادث مروري. منذ ذلك الحين، لم تتوقف عائلة الضحية عن بذل قصارى جهدها لوضع مقترفي هذه الجريمة في السجن، على الرغم من الصعوبات التي تعرضوا لها في هذه المهمة.

في بداية الجلسة، قرأ القاضي قائمة المدعى عليهم، البالغ عددهم 52 شخصا؛ للتحقق من الأشخاص الذي حضروا إلى الجلسة. وقد ارتسمت ابتسامة على وجه القاضي عند سماع اسم زين العابدين بن علي. والجدير بالذكر أن كمال مرجان، وزير الدفاع السابق وزعيم حزب المبادرة وحليف الحكومة الحالية، يعد من بين المتهمين في هذه القضية.

ونقلت الصحيفة عن غابريال ريتر، مديرة المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس، التي كانت متواجدة في قاعة المحكمة، أن "القضاة يتعرضون لضغط هائل من قبل نقابات الشرطة التي تقاطع المحاكمات. ولا يصدر القضاة أوامر بإلقاء القبض على المتهمين، وغالبا ما يؤجلون جلسات الاستماع بالاستناد على جملة من الحجج".

 

اقرأ أيضا: رئيس "المصالحة التونسية" لـ"عربي21": لن نرضخ للتهديدات

بناء على ذلك، اشتبه ضحايا التعذيب في أن استراتيجيات المماطلة والتعطيل التي تتبعها المحكمة والتي يسمح بها القضاة، تهدف إلى تمديد المحاكمات إلى حين الموافقة على قانون يجنب المتهمين من قضاء يوم واحد خلف القضبان. وخلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، قدمت الحكومة مشروع قانون من شأنه أن يجهض إجراءات المحاكمات عبر إنشاء لجنة بديلة تمكن المتهمين من الحصول على العفو التلقائي بمجرد طلب الغفران.

وأردفت الصحيفة بأن نجيب مراد، أحد ضحايا الاستبداد السياسي عهد الديكتاتور بن علي والعضو المنتخب في الجمعية التونسية سنة 2011 من قبل النهضة، صرّح بأنه "لا يعتقد أنه ستتم الموافقة على هذا القانون قبل الانتخابات المقرر تنظيمها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، حيث أن البرلمان لديه القليل من الوقت وأولويات أخرى". لم يعد نجيب مراد عضوا في حزب النهضة، وهو يتعارض بشكل علني مع سياسة الحزب، حيث أورد أن "اللجنة التنفيذية قررت التوصل إلى اتفاق مع النظام القديم، وكان الثمن هو التخلي عن حقوق الضحايا".

وذكرت الصحيفة أن بعض مسؤولي حزب النهضة، من بينهم راشد الغنوشي، عبروا عن تأييدهم لمبادرة الحكومة، وقد أثار هذا الموقف جدلا بين قواعد الحزب وضحايا القمع. من جهته، وحيال هذا الشأن، صرّح جمال بركات بأن "عدم دعم حزب النهضة لقضايا الضحايا كان أمرا مؤلما للغاية".

ونتيجة لذلك، من الممكن أن يكون الغلق مصير حوالي 200 ملف محاكمة، وهي قضايا تلقت تعليمات من قبل هيئة الحقيقة والكرامة التي أنهت مهامها يوم 31 أيار/ مايو 2019. وتلقت الهيئة أكثر من 60 ألف ملف من قبل ضحايا الاستبداد، ولكنها لم تنقل سوى أخطر القضايا إلى المحاكم مع محاولة تمكين البقية من الحصول على تعويضات مالية.

ونقلت الصحيفة عن جمال بركات قوله: "بالنسبة لنا، المال ليس العنصر الرئيسي في القضية، نحن نريد تحقيق العدالة. خلال كل ليلة بعد انتهاء دوامه، يثمل أخي ويسير في شوارع المدينة وهو يبكي ويصرخ: "بن علي قتل أخي"، هل تعتقد أن مشكلته يمكن أن يعالجها المال؟".

يعد حزب النهضة أول قوة في البرلمان وعضوا في الحكومة الائتلافية الحالية، ما يمنحه حق النقض التشريعي، خاصة بعد تفكك حزب نداء تونس. ولكن من غير الواضح على الإطلاق أنه قادر على الحفاظ على هذه المكانة المميزة بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.

وفي الختام، أوردت الصحيفة أن المشهد السياسي في تونس مربك للغاية، خاصة بعد الانهيار المدوي الذي شهده حزب نبيل القروي في استطلاعات الرأي وإقصائه المحتمل من السباق الرئاسي بعد الموافقة على قانون انتخابي جديد قبل أسبوعين. وفي الوقت نفسه، سيتم تأجيل جلسات الاستماع المتعلقة بقضايا ضحايا ديكتاتورية بن علي.

التعليقات (0)