كتاب عربي 21

وجه آخر من وجوه الحرب السورية

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

كثيرة هي الوجوه التي تتميز بها الحرب السورية، إن جاز وصفها بالحرب تبعا لكونها ثورة شعبية؛ بدأت سلمية، قبل أن "يعسكرها" النظام بقرار واضح منه، وبالطبع من أجل تسهيل وصمها بالإرهاب، والرد عليها على نحو دموي.

لعل أهم الوجوه الخاصة بالحرب السورية هي إجماع القوى الكبرى على حرمانها من الانتصار؛ كل منها لحسابات خاصة، فيما كان الموقف الأمريكي والغربي رهنا للرؤية الصهيونية التي أرادت سوريا ثقبا أسود يستنزف الجميع من دون إسقاط النظام، وهو ما كان بالفعل، وبالطبع نظرا لقدرة الأمريكان على الضغط على الجميع لتحديد المسارات الخاصة بها، ومواقف سائر الأطراف، وفي المقدمة حرمان الثورة من السلاح النوعي.

 

كان الموقف الأمريكي والغربي رهنا للرؤية الصهيونية التي أرادت سوريا ثقبا أسود يستنزف الجميع من دون إسقاط النظام، وهو ما كان بالفعل

ليس هذا تحليلا للثورة التي كتبنا عنها عشرات المقالات، وباتت قضيتها معروفة تماما، وإن أنكرها الشبيحة الذين يستعذبون حديث المؤامرة "الصهيوأمريكية"، حتى يبرروا وقفتهم اللاأخلاقية ضد شعب خرج إلى الشوارع في مواجهة طاغية طائفي، وليس لصالح الصهاينة ولا الأمريكان، بل كجزء من موجة الربيع العربي.

البعد الذي نعنيه هنا يتعلق بطبيعة النظام وحاضنته الشعبية الأهم، وما جرى لها خلال ثماني سنوات من الصراع.

نفتح قوسا كي نشير إلى أن ها هنا نظاما فريدا من نوعه، ولا وجود لمثيل له في أي مكان من هذا العالم. وهذا الكلام ليس للمبالغة أبدا، بل هو حقيقة يعرفها الجميع، وإن أنكروها عبر تفسيرات وتبريرات سخيفة لا تقنع أحدا، وربما عبر الإشارة إلى أنظمة مشابهة من حيث الفكرة، ولكنها ليست كذلك من حيث النسب، إذ يحدث أن تتحكم فئة بفئة أكثر منها عددا، ولكن ليس بهذا الفرق الرهيب.

ها هنا نظام أمني طائفي، تتحكم به أقلية لا تتجاوز نسبتها عُشر السكان، وهذا أمر لا وجود له في أي مكان في العالم. أما الكلام عن أنه ليس نظاما طائفيا، فهو أكثر من سخيف؛ لأن الكل يعلم أن الأقلية الطائفية هي من تتحكم بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، وهذه الأخيرة هي من تتحكم بالبلد، وهي من رعت عملية توريث البلد من الأب (حافظ الأسد) إلى الابن (بشار) كأنها مزرعة، وليست دولة تطلق على نفسها لقب جمهورية.

 

ها هنا نظام أمني طائفي، تتحكم به أقلية لا تتجاوز نسبتها عُشر السكان، وهذا أمر لا وجود له في أي مكان في العالم. أما الكلام عن أنه ليس نظاما طائفيا، فهو أكثر من سخيف

الحديث عن أسماء من الغالبية، بجانب الأقليات الأخرى في السلطة، بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية، فضلا عن الحكومة التي لا قيمة لها في نظام رئاسي؛ لا يعدو محاولة لتبرير وضع مفضوح، لأن الصغير الكبير في سوريا يعرف حقيقة سيطرة الطائفة العلوية على الحكم، والذي تجاوز في مرحلة بشار المؤسسة الأمنية والعسكرية ليطال سائر القطاعات الأخرى، وفي مقدمتها المجال الاقتصادي. وهذا ما أفرز ظاهرة رامي مخلوف وأضرابه، حتى أن رموز الطائفة الأمنيين صاروا يفرضوا شروطهم على المجال الاقتصادي ويحققون ثروات هائلة عبر ذلك، وهذا أمر طبيعي في هكذا حالات.

المقاربة التي أنتجت الحل الأمني بالنسبة للنظام في مواجهة الثورة لها بُعد طائفي، عنوانه أن انتصارها (الثورة) يعني سحق الطائفة، ما يعني أن خيارها الوحيد هو القتال حتى النهاية، لكن الوجه الآخر هو ما ذكرنا بشأن مواقف القوى الكبرى، والأهم منها موقف إيران التي ألقت بثقلها من أجل منع تغيير الوضع لأسباب طائفية، وهو ما صمتت عليه القوى الكبرى تبعا للقناعة الصهيونية إياها بشأن تحويل البلد إلى "ثقب أسود" يستنزف الجميع، وإن انطوى ذلك على موقف من عموم الربيع العربي وثوراته أيضا.

 

الوجه الآخر هو ما ذكرنا بشأن مواقف القوى الكبرى، والأهم منها موقف إيران التي ألقت بثقلها من أجل منع تغيير الوضع لأسباب طائفية، وهو ما صمتت عليه القوى الكبرى تبعا للقناعة الصهيونية

على هذه الخلفية خاضت الطائفة الحرب بكل ما ملكته من إمكانات، بجانب الدعم الإيراني، ولاحقا الروسي، مع مشاركة التحالف الأمريكي في الحرب على تنظيم الدولة.

في هذه الحرب خسرت الطائفة أعدادا هائلة من أبنائها ورموزها، ونحن هنا نتحدث عن قتلى بعشرات الآلاف، بجانب أعداد من المعوقين بطبيعة الحال؛ وهذه أرقام مرعبة بالنسبة لطائفة لا يزيد عددها عن مليوني شخص، أو أكثر قليلا إذا أخذنا في الاعتبار الزيادة السكانية خلال سنوات الحرب.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل كان ما جرى قدرا لا مفرّ منه، وهل كانت الطائفة فعلا برسم السحق لو استجاب النظام لمطالب الناس أو جزء منها بدل الرد بالحديد والنار؟

القول إن ذلك كان الخيار الوحيد هو كذبة حقيرة، فالشعب خرج إلى الشوارع يهتف "واحد واحدواحد.. الشعب السوري واحد"، ولو تمت الاستجابة، لكان بالإمكان التوصل إلى صيغة تحفظ حقوق الجميع، لكنها بالتأكيد لم تكن لتذر الأمر على ما كان عليه، من حيث سيطرة الأقلية (ترويج النظام لنفسه بأنه حامي الأقليات هو كذبة حقيرة أخرى)، وهو لن يعود إلى ما كان عليه بأي حال، لأن الحرب ستتواصل بأشكال شتى في زمن "العنف الرخيص"، وسيضطر رُعاة النظام إلى إيجاد صيغة جديدة أو المغامرة باستمرار الحرب ونزيفها المرعب على الجميع، حتى لو كانت خسارة غالبية الشعب أكبر، وقد كانت كذلك بالفعل.

التعليقات (4)
الشامي المكلوم
الثلاثاء، 16-07-2019 01:56 م
جرى تجهيل الطائفة النصيرية لسنين قبل أن تلعب دورها في سوريا منذ عام 1963. أفرغوها من المحتوى الفكري و الأخلاقي و الديني ... مرة يقولون أنهم مسلمون و مرة يقولون أنهم أتباع للدين الشيعي مع أنه لا صلاة عندهم و لا زكاة و لا صيام و لا حج كما ورد في دين الاسلام لا يؤمنون بالآخرة و البعث و يؤمنون بالاستنساخ . هذا المسخ للطائفة مع الامتيازات التي حصلت عليها في المخابرات و الجيش جعلها تستبد على غيرها من أطياف شعب سوريا . لا عجب ففي يوم من الأيام قال رفعت الأسد لجنود سرايا الدفاع: "اقتلوا، انهبوا، اغتصبوا ولن يحاسبكم أحد ولكن عندما يحين موعد افتداء القائد عليكم أن تفدوه بأرواحكم". توجهيات رفعت معمول بها حتى الآن .
عماد ماضي
الثلاثاء، 16-07-2019 05:31 ص
لا أختلف معك كثيرا عن الحرب في سوريا،وانا اقول انها حرب تديرها أطراف دولية و عربية متفقة الأهداف مرة ومختلفة الأهداف مرات ، لهذا السبب ضاعت صفة الثورة عنها وتشرد الشعب في انحاء الكرة الأرضية ، والان الشعب السوري لم يعد يستطيع أن يحدد اتجاه الحرب ولا نتائجها . إن النظام السوري وإن كان كما ذكرت من طائفة لا تمثل عشر السكان إلا أنه لا يختلف عن معظم الأنظمة العربية من حيث السلوك على الأقل ،فالفئة الحاكمة هي المستفيدة ولباقي الشعب الفتات .
من سدني
الإثنين، 15-07-2019 09:48 ص
هناك الكثير من المسؤليين في نظام النصيري بشار الاسد من السنه ولكن هم اكثر حقارة من اسيادهم والسبب ؛ ان النظام يختار من المنتسبين الى حزب البعث من هم خلفيات وضيعه وبعضهم فقراء ويتم رعايتهم من أولى مراحلهم في العمل لدى النظام وتقوم الجهات الامنيه (المخابرات ) بجمع معلومات عنه بعد ان يفتحوا له كل الأبواب إبتداءً من اللواط الى الزنا والتعدي على حرمات الناس ثم الى السرقه ونهب المال العام والغنى الفاحش و السريع وكل التجاوزات ثم الى المجون والمخدرات وكل الموبقات وهذه الأمور تحصل على مراحل وعندما يرى النظام حاجة ليظهر التنوع في انتماء المسؤليين ليبعد عنه تهمة الطاءفيه يأتي بمثل هولاء العملاء المحسوبين على اهل السنه ويعينهم في وزارات ومدراء ومناصب عاليه وحتماً بعد ان تكون دواءر المخابرات قد عرضت على هذا العميل كل افعاله وتجاوزاته ويتم العقد بين المخابرات والمسؤول السني ان ملفه الأمني مغلق عليه طالما هو يركع ولذالك ترى المسؤول من ابناء السنه في نظام الاسد اشد عداوة لاهله وعشيرته من النصيري القادم من جبال العهر والغدر والخيانه وبهذا يستسلم هذا المسؤل لقدره حيث لا باب للتوبة ولا مجال للتوبه. و لا تراجع وإصلاح عن كل ورطاته مع النظام وربما سيطر النظام على شرفه وعرضه ويتم تهديده وابتزازه بهذه الأمور.
ابو العبد الحلبي
الإثنين، 15-07-2019 08:50 ص
المقال ممتاز و لكن لي هذه الملاحظة البسيطة : يقدَر عدد من هلك من النصيريين جيشاً و شبيحة ب 200 ألف علماً بأنهم أصلاً كطائفة لا يتجاوز عددهم 2 مليون فتكون نسبة من ماتوا 10% من مجمل الطائفة. معظم الهلكى من الشباب الذكور ومن الفئات العمرية (18 – 30) و توجد قرى في مناطقهم فقدت شبابها بالكامل، و إن زرتها لا تجد فيها إلا الأطفال والنساء و العجائز . إن أضفنا إلا عدد الهلكى من قامت إيران بتشييعهم فهذا يعني أن النصيرية في طريقها إلى الانقراض في سوريا إلا إذا استوردوا نصيريين من بلاد أخرى مثل تركيا و لبنان.