أفكَار

"أميتوا الباطل بعدم ذكره".. ما مدى توافقها مع أحكام الشريعة؟

إندونيسيا حطمت آلاف زجاجات الخمور قبل رمضان في ميدان عام- جيتي
إندونيسيا حطمت آلاف زجاجات الخمور قبل رمضان في ميدان عام- جيتي

يختلف المسلمون في كيفية التعامل مع الأفكار الشاذة، والأقوال المنحرفة، والممارسات والسلوكيات السيئة، بين من يرى إهمالها والتغافل عنها، وعدم ذكرها عملا بالمقولة السائرة "أميتوا الباطل بعدم ذكره"، وبين من يرى ضرورة فضح الباطل، بكشف وجوه مخالفته وانحرافه، وتحذير عامة المسلمين من شروره ومفاسده.

ووفقا لباحثين شرعيين فإن "الشريعة الإسلامية أوجبت إنكار المنكرات، بحسب الوسع والقدرة، مع ضرورة التقيد بالضوابط الشرعية، والتي يأتي في مقدمتها أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أعظم منه".

من جهته ذكر الباحث الشرعي المصري، الدكتور علي ونيس أنه "لا يعرف مقولة بهذا النص في كتب أهل العلم" موردا ما رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" عن عمر بن الخطاب أنه قال "إن لله عبادا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره"، وهو بنفس المعنى المذكور مروي في كتاب الخراج لأبي يوسف، لكن في إسناد الأول جهالة، وفي إسناد الثاني من لا يحتج به".

وقال ونيس في حديثه لـ"عربي21": "أما حكم هذه المقولة، فإن الباطل سواء كان قولا أو فعلا، إذا كان مغمورا غير مشتهر، ولم يسمع به إلا القليل فالأولى السكوت عنه، وتركه حتى لا يُشتهر، أما إذا ظهر واشتهر، واغتر به كثيرون فلا يجوز السكوت عنه، بل يجب فضحه وتعريته حتى يحذره الناس ويجتنبوه".

وأضاف "وهذا ما دلت عليه نصوص الشرع المطهر، بل يكون ذكره وبيانه حينئذ من الواجبات الشرعية التي تدخل تحت قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

وواصل ونيس شرح رأيه مبينا أن "الأصل في الإسلام هو وجوب النهي عن المنكر، للأدلة الشرعية الكثيرة الآمرة بذلك، ولما كان الهدف الأساسي والغرض الرئيسي من النهي عن المنكر هو إزالته بالكلية أو إضعافه قدر الطاقة، كان الواجب على الناهين عن المنكر مراعاة هذا المقصد".

وتابع "فإذا ترتب على إظهار هذا الباطل وتفنيده مضرة أعظم من المنفعة المرجوة من ذكره وتحذير الناس منه، كانت إماتته في هذه الحالة أوجب، وإن كان العكس فالعكس".

ويشار في هذا السياق إلى تجدد الجدل في الأردن، الأسبوع الماضي حول طريقة إنكار المنكرات، على خلفية بث مسلسل "جن" على شبكة "نتفلكس" والذي احتوى مشاهد مخلة بالآداب، ذات إيحاءات جنسية، وألفاظ وعبارات بذيئة  وصفته نقابة الفنانين الأردنيين بأنه "يتنافى مع قيمنا العربية والإسلامية، وينتهك حرمة المكان وعمقه التاريخي في مدينة البترا وسواها من أرض الأردن".

 

إقرأ أيضا: إشكالية الحاكمية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر

وأثار مسلسل "جن" على نطاق واسع ردود فعل غاضبة وساخطة، واعتبره مفتي عام المملكة، الدكتور محمد الخلايلة أنه "انحدار أخلاقي وقيمي لا يمثل عادات الأردنيين وأخلاقهم، وخروج على التعاليم الإسلامية.. وأن ما تم بثه من مشاهد لا أخلاقية يعتبر غريبا عن أخلاقيات الأردنيين والقيم الراسخة في مجتمعنا".  

وتعليقا على ذلك الجدل أوضح أستاذ الشريعة في جامعة البلقاء التطبيقية بالأردن، الدكتور جمال الباشا أن "المنكر عندما يكون ظاهرا ومنتشرا فيجب إنكاره وعدم السكوت عنه" مستشهدا بقوله تعالى (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دواد وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون* كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".

وتابع إجابته عبر صفحته على الفيسبوك "أما إذا كان المنكر مستترا فلا يكشف لعموم الناس، وإنما لمن يعنيه الأمر" لافتا أن "موضوع مسلسل "جن" مثار الجدل في غاية الظهور والإعلان وفيه بالون اختبار وتميهد لما بعده من الاستمرار في محاولات اختراق ثقافتنا وهويتنا الإسلامية والعربية، وفرض الثقافة الغربية الليبرالية علينا بالقوة".

بدوره قال الأستاذ المشارك في الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة الزرقاء الأردنية، الدكتور عبد المجيد دية "التعامل مع المنكرات يكون بحسب حجمها ومدى انتشارها وقوة تأثيرها، فإن كانت منتشرة ومشتهرة وبالغة التأثير فتكون مواجهتها بتنظيم الحملات المعدة لإنكارها علانية، وبتضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية".

وأضاف "وبعض أنواع المنكرات والمعاصي، كترويج المخدرات في أوساط الشباب، وتسهيل سبل الزنا والعلاقات غير المشروعة، تتطلب حملات توجيه وإرشاد وتثقيف، ضمن خطط مدروسة وبرامج توعوية دائمة تستهدف الفئات المعنية، لتحصينها من الوقوع في براثن تلك المستنقعات الموبوءة".

واستدرك قائلا لـ"عربي21": "لكن الحديث عن المنكرات ينبغي أن يكون واقعيا، بعيدا عن كل ألوان التضخيم والتهويل والمبالغات" منبها على أن "بعض المنكرات لا تعدو أن تكون حالات فردية معزولة، قليلة الانتشار، فلا ينبغي لأهل الصلاح والتقوى إكثار الحديث عنها، بل الانشغال بما يصلح النفوس، ويزكي القلوب".

وحذر دية في ختام حديثه من السكوت عن المنكرات المعلنة، التي تندرج في خانة "الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا" لأن مفاسدها وأضرارها كبيرة وعظيمة، خاصة إذا سُكت عنها وشاعت في المجتمع، فستفضي إلى تحويل مجتمعاتنا المحافظة، والمتمسكة بالقيم الدينية تدريجيا إلى مجتمعات متحللة، تتجرأ على فعل المنكرات والمعاصي علانية".

التعليقات (0)