مقالات مختارة

مؤسسة «شاهد» الفلسطينية تشهد على تراجع جديد للعرب في الأمم المتحدة

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600

حكاية بسيطة قد تمر من دون أن ينتبه لها أحد، فقد تقدمت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» ومقرها بيروت، بطلب الحصول على عضوية مراقب في المجلس الاقتصادي والاجتماعي المعروف باسمه المختصر (إيكوسوك)، وخضع الطلب للتمحيص والتدقيق، كغيره من طلبات المنظمات غير الحكومية التي تسعى للحصول على هذا المنبر المهم، الذي يعطي تلك المنظمات فرصة لتقديم تقارير دورية عن موضوع اهتماماتها، التي يجب أن تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتمت الموافقة على الطلب من قبل لجنة الاعتماد.

لكن طلب منظمة «شاهد» تحول يوم 6 يونيو/ حزيران إلى اختبار للمواقف ومنازلة بين من يعمل على الالتزام بالمعايير الدولية في قبول المنظمات غير الحكومية، ومن يريد أن يلحق تهم التطرف والإرهاب بكل ما هو فلسطيني. وقد لعب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، لعبة لئيمة، بأن طلب التصويت ضد منح عضوية المراقب لمؤسسة «شاهد»، وإحالته مرة أخرى إلى لجنة اعتمادات المنظمات غير الحكومية، لتنتهي الجلسة بفوز المقترح الإسرائيلي من قبل المجلس المكون من 54 عضوا، حيث رفضت عضوية المنظمة 28 دولة، بينما صوتت ضده ولصالح قبول عضوية «شاهد» فورا 15 دولة، وامتنعت عن التصويت 5 دول وتغيبت 6 دول عن الجلسة.

ونود هنا أن ننبه إلى أن هناك تطورات خطيرة في منظمة الأمم المتحدة، فقد كان العرب يركنون في اعتماد القرارات إلى الأغلبية المضمونة والمكونة من المجموعة العربية والإسلامية، ومجموعة دول عدم الانحياز وغالبية الدول الأفريقية وبعض دول أمريكا اللاتينية. وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل لا تجدان إلى جانبهما إلا حفنة صغيرة من الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الهادي، بالإضافة إلى كندا وأستراليا. هذا الوضع بدأ يتغير، خاصة عندما راحت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة السابقة، تهدد كل من لا يقف إلى جانب الولايات المتحدة بعقوبات وخيمة. ودعنا نراجع هذه القضية التي قد تبدو غير ذات شأن من المنظور العام للقضية الفلسطينية، وما يجري الآن من مؤامرات دولية وعربية لتصفيتها، إلا أن المسألة أكبر من ذلك بكثير. فقد يأتي يوم ليس ببعيد، إذا لم تتنبه المجموعة العربية وبقيادة فلسطينية فاعلة، نرى فيه عودة إلى قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقدس، وحق العودة، وحق تقرير المصير، وعدم شرعية الاستيطان، وإعادة تفكيكها واحدة بعد الأخرى، عندما تضم إسرائيل والولايات المتحدة الأغلبية الجديدة في الأمم المتحدة المكونة من دول أوروبا الشرقية والدول الجزرية ومعظم دول أمريكا اللاتينية المتجهة نحو اليمين والعديد من الدول الإفريقية والآسيوية.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنظمات غير الحكومية

يعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي (إيكوسوك) أحد الأجهزة الستة التي تشكل معا المنظومة الدولية التي نطلق عليها الأمم المتحدة، والمكونة من مجلس الأمن والجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة. وقد أنيطت بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي مسؤولية مساندة الجمعية العامة في كل ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية مثل، التنمية ومحاربة الفقر وحقوق الإنسان والمساواة ومكافحة التمييز وغير ذلك. ونتيجة لتعاظم دور المنظمات غير الحكومية في كافة الميادين التي تعمل فيها الأمم المتحدة، أقر المجلس منح عدد من المنظمات غير الحكومية مركزا استشاريا يسمح لها بأن تشارك في النقاشات وأن تقدم التقارير وأن ترد على التساؤلات المتعلقة بولاية المنظمة في البلد الذي جاءت منه. وقد زاد عدد المنظمات غير الحكومية التي منحت العضوية الاستشارية في المجلس عن 1500 منظمة، تغطي كافة أنشطة الأمم المتحدة من حقوق الإنسان إلى البيئة، ومن محاربة الفقر إلى مناهضة التمييز، ومن رعاية الأطفال إلى رعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.

مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان

مؤسسة «شاهد» منظمة فلسطينية غير حكومية تعمل في لبنان أساسا، معنية بأوضاع الفلسطينيين في لبنان، ومراقبة احترام حقوقهم الإنسانية، وفق المعايير الدولية، وتدعو إلى سيادة القانون القائم على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وحشد التأييد القانوني من أجل الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه في تقرير المصير. وحسب مصادر المؤسسة تقوم «شاهد» بخمس مهام رئيسية وهي، مهمة التثقيف، والتدريب، والتشبيك وتقديم الاستشارات القانونية والدفاع عمن تنتهك حقوقهم الإنسانية.

قدمت «شاهد» طلب الحصول على صفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في الدورة العادية منذ عام 2016، وقدمت كل الأوراق والمستندات اللازمة، وأجابت عن جميع الأسئلة المكتوبة التي وجهت إليها عبر البريد الإلكتروني من طرف اللجنة. كما شاركت في اجتماعات اللجنة في نيويورك.

 

وفي الوقت الذي لم يوجه أي مندوب من لجنة الاعتمادات أسئلة للمؤسسة، قام مندوب إسرائيل بتوجيه عدد كبير من الأسئلة، حيث أجاب مندوب «شاهد» ببلاغة عن هذه الأسئلة، ثم طلب مندوب إسرائيل من ممثل (شاهد) الإجابة عن أسئلة مكتوبة وليست شفهية. وتكرر الطلب خلال سنوات 2017 و2018. وفي الدورة العادية في يناير/ كانون الثاني 2019 وبعدما أجاب ممثل شاهد مباشرة عن الأسئلة الواردة من طرف مندوب إسرائيل، أوصت لجنة المنظمات غير الحكومية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بمنح المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» العضوية الاستشارية.

 

ولما وصل الطلب إلى قاعة الـ»إيكوسوك» لاعتماد قرار اللجنة تحايل المندوب الإسرائيلي على آليات العمل وقال إن لديه معلومات أكيدة عن علاقة المنظمة بمنظمات إرهابية «من بينها حركتا «حماس» و»الجهاد» وطالب بالتصويت على عدم منح العضوية الاستشارية لمؤسسة شاهد، وإعادة الملف للجنة الاعتمادات. وقد تحدى المندوب الروسي في الـ»إيكوسوك» المندوب الإسرائيلي بأن يظهر هذه المعلومات الاستخبارية التي وصلت إلى السفير، ما بين الموافقة على عضوية في لجنة الاعتمادات ووصولها لقاعة المجلس للتصويت.

إن ما طرحه المندوب الإسرائيلي من لقاءات عادية بين أحد مسؤولي المنظمة واسمه محمود حنفي مع قيادات من حماس والجهاد لا يعدو كونه تبادل وجهات نظر في موضوع حقوق الإنسان للأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، ولا يعني أن منظمة تم تدقيق أوراق اعتمادها لها علاقة بالإرهاب. أما المندوب السعودي فقدم اعتراضا على مشروع القرار الإسرائيلي على اعتبار أن المؤسسة تم قبولها في لجنة المنظمات غير الحكومية، التي دققت في كل المستندات ثم أحالت الطلب إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي من غير المناسب عرض طلب المؤسسة على التصويت بعد ذلك، إلا أن المندوب الإسرائيلي مدعوما من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أصر على التصويت وكان التصويت، كما ذكرنا، لصالح عدم قبول العضوية الاستشارية حاليا وإعادة الملف إلى لجنة الاعتمادات.

الهند خيبتنا الجديدة

لقد جاء التصويت على رفض انضمام «شاهد» للعضوية الاستشارية لـ»إيكوسوك» مخيبا للآمال ونحن نرى دولا ما فتئت تصوت لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، ترتد عن مواقفها التاريخية مثل الهند والبرازيل ومالطا، وتقف إلى جانب إسرائيل في غيها وظلمها وانتهاكها المتواصل للقانون الدولي. الهند من بين الدول الثماني والعشرين التي صوتت لصالح عدم قبول عضوية «شاهد» الآن، وإعادة الملف إلى لجنة الاعتماد بناء على الطلب الإسرائيلي. وهذه هي المرة الأولى التي تأخذ الهند موقفا إلى جانب إسرائيل. فقد صدف وأن امتنعت عن التصويت في عدد من الحالات في مجلس حقوق الإنسان.

ولكن أن تنتقل الهند إلى الصف الآخر لتقف مع الظلم والقهر وانتهاك القانون فهذا أمر عجيب، خاصة أن منظمة «شاهد» قد تم قبولها من قبل لجنة الاعتمادات بعد التمحيص ولم يبق إلا مسألة تمرير الموضوع في جلسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي. الهند بدأت تباعد نفسها عن قضايا العدل والحق والحرية، وبدأت تتصرف بطريقة نفعية انتهازية، منذ انتخاب مودي لرئاسة الوزراء. اللوم يقع أولا على العرب فهناك ثمانية ملايين هندي يعملون في دول الخليج العربي، يحولون أكثر من 65 مليار دولار إلى الهند، نحن لا نؤيد تهديد الناس في أرزاقهم ولكن هذه ورقة بيد الدول العربية لو كانت معنية بالتأثير على مواقف الدول من القضية الفلسطينية، إذن لاستعملت قوتها الناعمة، من دون أن تتأثر العلاقات الودية.

لقد التقطت إسرائيل هذا التحول في الموقف الهندي فأصدرت مايا كدوش، نائبة رئيس البعثة الإسرائيلية في السفارة الإسرائيلية في الهند، رسالة على موقعها تقول: «شكرا للهند التي وقفت مع إسرائيل في الأمم المتحدة ورفضت حصول المنظمة الإرهابية شاهد». السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة رحب بهذا التطور النوعي في مواقف الدول، وحاول استثمار هذا الموقف باعتباره انتصارا لإسرائيل ورفضا لمنح العضوية لمنظمة إرهابية، مؤكدا على أن الأمم المتحدة بدأت تتغير لصالح إسرائيل.

نعم هناك تغير على مستوى العالم وعلى مستوى العالم العربي تستثمره إسرائيل لصالحها، لأنها سيدة من يتسلل عبر الشقوق وينتهز الفرص وينشر الفتنة ويزور الحقائق. وإذا لم ينتبه الفلسطينيون، ومساندوهم من الدول العربية والإسلامية، ومن محبي السلام والمدافعين عن القانون الدولي فقد يخسرون ما حققوه من إنجازات معنوية وقانونية مهمة على المستوى الدولي منذ منحت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 وضع المراقب في المنظمة الدولية.

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

0
التعليقات (0)