كتاب عربي 21

عن "ورشة البحرين" وحضورها.. ماذا يريدون؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

لا خلاف على أن "ورشة البحرين" هي جزء لا يتجزأ من "صفقة القرن" التي يتم الحديث عنها منذ العام الماضي، والتي يسمّيها الأمريكان "خطة ترامب".


لم ينكر الأمريكان ذلك، على لسان معدّي الطبخة، وهم فريق الصهينة في إدارة ترامب، والذين يتقدمهم صهره "كوشنر"، وصاحبه الآخر (غرينبلات).


والحال أن الطبخة برمتها هي من إعداد نتنياهو، وهو الذي أملاها على ترامب، وبالضرورة على تلميذه (كوشنر)، وهي عبارة عن محاكاة حرفية لما يُعرف بخطة "السلام الاقتصادي" التي أطلقها نتنياهو منذ سنوات بعيدة، وهي أيضا أقرب لترجمة شبه حرفية لخطة شارون المعروفة بـ"الحل الانتقالي بعيد المدى"، فيما سمّاها الهالك شيمون بيريز "الدولة المؤقتة".

 

"ورشة البحرين" يا سادة عبارة عن محطة أولى في اتجاه "صفقة القرن"، أو تصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم فرض "التوطين" في الأردن


هنا لا وجود للقدس ولا اللاجئين (حقهم في العودة الفعلية تنازل عنه عباس علنا، وتنازلت عنه المبادرة العربية ضمنا)، ولا وجود للسيادة، وما يتبقى عبارة عن حكم ذاتي على مناطق (أ)، و(ب) بحسب تصنيفات أوسلو، والتي تشكل مع قطاع غزة 40 في المئة تقريبا من مساحة الأرض التي احتلت عام 1967، أو ما يقرب من 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية.


"ورشة البحرين" يا سادة عبارة عن محطة أولى في اتجاه "صفقة القرن"، أو تصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم فرض "التوطين" في الأردن، بل الأمل بفرض مخطط "الوطن البديل". وهي تعكس تجاوزا لكل التوقعات في سياق التردي الرسمي العربي، إذ لم يخطر على بال عربي أو مسلم في يوم من الأيام، أن تُعرض صفقة عنوانها تصفية قضية الأمة بأموال الأمة. لأن عملية شراء قضية الأمة التاريخية بالمال ستتم من خلال أموال عربية.


ولكن كيف يبرر حضور "ورشة البحرين" موقفهم أمام شعوبهم وأمام الأمة؟ إنهم يبررونها ضمنيا أو من خلال أبواقهم و"ذبابهم الإلكتروني" بأولوية مواجهة إيران، وهذه قصة مضحكة في واقع الحال. 

 

من هو الجاهل الذي يعتقد أن القوى الإمبريالية لا تحبذ الفرقة والتناقض بين محاور الإقليم؟!فحين تواصل هذه المحاور اشتباكها، سيغدو "الكيان الصهيوني" هو المتماسك الوحيد الذي يطلب الجميع وده


يعلم جميع العقلاء الذين لا تستحوذ عليهم السطحية السياسية، وحكايات المؤامرة أن حصار إيران، وتشديد العقوبات الأمريكية عليها لا صلة له بمجاملة العرب الذين يواجهونها، بل هو ذو صلة بتركيعها لاستحقاقات "الصفقة" ذاتها؛ أولا بالتخلي عن برنامج الصواريخ، وثانيا بتغيير خطابها في الملف الفلسطيني وملحقاته، وهذا ليس تزكية لعدوانها الذي لن يزايد علينا أحد في رفضه، لا سيما أنها أكثر من خدم الصهاينة بالحريق الذي أشعلته في سوريا، والذي حرّكه مشروع التمدد الطائفي، وليس هاجس تحرير فلسطين.


لو ركعت إيران للمطلبين المذكورين وملحقاتهما، فستنتهي مشكلة الأمريكان معها، وإن استمر نفوذها في سوريا بعيدا عما يزعج الصهاينة، وبقيت مغامرتها في اليمن، وهيمنتها النسبية في العراق. أي أن مشاكلها مع العرب ستبقى، بل يجب أن تبقى بالنسبة للأمريكان لأنها مصدر مكاسب عظيمة؛ اقتصادية وسياسية، ومن هو الجاهل الذي يعتقد أن القوى الإمبريالية لا تحبذ الفرقة والتناقض بين محاور الإقليم؟! فحين تواصل هذه المحاور اشتباكها، سيغدو "الكيان الصهيوني" هو المتماسك الوحيد الذي يطلب الجميع وده.

 

إن "الورشة" تمثل جريمة بحق قضية الأمة المركزية مهما ساق حضورها (وفي مقدمتهم الدولة المستضيفة) من مبررات لموقفهم


هكذا تتبدى الحماقة العربية في ذروة تجلياتها، وستتجلى أكثر إذا تطور الموقف إلى حضور دول أخرى، لا سيما أن الرئيس الفلسطيني لم يطالب الدول العربية بعدم الحضور، رغم الوعد بأنه سيفعل ذلك في مؤتمرات "مكة".


يبقى القول إن "الورشة" تمثل جريمة بحق قضية الأمة المركزية مهما ساق حضورها (وفي مقدمتهم الدولة المستضيفة) من مبررات لموقفهم، لكن ذلك لن يعني بحال تصفية القضية، فهي باقية ولن يصفّيها أحد، مع التذكير بأن الجريمة الأكبر هي التي يتولى كبرها محمود عباس، بإصراره على تكريس سلطة في خدمة الاحتلال، وهذا بالذات هو ما يعيق ضرب الخطة في مهدها، حيث يعلم الجميع أن انتفاضة في الضفة وغزة، هي المسار الحقيقي لقلب الطاولة في وجه كل المتآمرين والمتواطئين، وهي ما سيضع حدا للانقسام، وليس الكلام الفارغ عن انتخابات في ظل الاحتلال، ولسلطة تم تصميمها لخدمته.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل