قضايا وآراء

معركة إدلب: الامتحان التركي ـ الروسي

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

تشي التطورات العسكرية في منطقة إدلب خلال الأيام العشرة الماضية، بأن سير المعارك لا يسير وفق ما كانت تأمل به روسيا، على الرغم من نجاح النظام السوري في السيطرة على بلدات وقرى عديدة منذ بداية المعارك.

لكن هذه المناطق، التي سيطر عليها النظام في ريف حماة الشمالي (قلعة المضيق، الجنابرة، تل عثمان، التوينة، الشريعة، باب الطاقة، الكركات، الشيخ إدريس، التوية، المستريحة، وغيرها)، لا تشكل أهمية استراتيجية لفصائل المعارضة، باستثناء قلعة المضيق وكفر نبودة، اللتين تعتبران إحدى البوابات الرئيسية لدخول محافظة إدلب.

الدعم التركي

وقد كشفت قدرة الفصائل على استعادة كفر نبودة، الأهمية الكبيرة للمعركة في عموم إدلب بالنسبة لتركيا من الناحية الجيوعسكرية، فما كان يمكن للفصائل استرداد المدينة لولا دعم أنقرة الذي تمثل في مستويين:

الأول ـ توجه فصائل مسلحة من منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، إلى جبهات القتال، مثل "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم "أحرار الشام" و"جيش الأحرار" و"صقور الشام"، فضلا عن قوى أخرى مثل "الجيش الوطني" و"جيش الإسلام" وغيرهما.

الثاني ـ تزويد تركيا بعض الفصائل بمضادات دروع، ساهم في تكبيد قوات النظام خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.

الرسالة التركية واضحة، وهي أن معركة إدلب تختلف كثيرا عن المعارك السابقة التي خيضت في مناطق خفض التصعيد الأخرى (مناطق معينة من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية، مناطق في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا).

ورغم الدخول التركي غير المباشر على خط المعارك، ما يزال من الصعب التكهن بالمسار العسكري للمعركة، ويصعب أيضا معرفة الأهداف العسكرية لكل من دمشق وموسكو.

 

الرسالة التركية واضحة، وهي أن معركة إدلب تختلف كثيرا عن المعارك السابقة التي خيضت في مناطق خفض التصعيد الأخرى


هل، الهدف هو السيطرة على ريف حماة الشمالي فقط، بما فيها مدن هامة مثل اللطامنة ومورك وكفر زيتا، والسيطرة على آخر بقعة للمعارضة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي (كنابة)، أم أن الهدف يتعدى ذلك، للدخول في عمق محافظة إدلب، وحصر فصائل المعارضة على الحدود مع تركيا؟

بطبيعة الحال، ليس المقصود "جبهة فتح الشام، النصرة سابقا" والحركات الإرهابية الأخرى مثل "أنصار الدين" و"حراس الدين" و"الحزب التركستاني"، فالنظام لا يهتم لهذه القوى، لأن مصيرها في النهاية ذاهب إلى الزوال مثل "داعش" بسبب وجود قرار دولي في ذلك.

خشية النظام تكمن في وجود فصائل معارضة ذات أجندة وطنية، يمكنها في المستقبل أن تكون جزءا من الترتيبات الداخلية ضمن الحل الأممي للأزمة السورية.

ولذلك، لجأت روسيا إلى ثغرة عدم قدرة تركيا على تنفيذ بعض بنود اتفاق سوتشي، وعدم مقدرتها على إضعاف "هيئة تحرير الشام"، كحجة لإطلاق المعركة التي طالما انتظرها النظام وضغط من أجلها.

بناء على ذلك، ليس معروفا إلى الآن، هل الدخول العسكري التركي على الخط، هو بهدف القتال حتى النهاية للحفاظ على ريف حماة الشمالي، أم هو محاولة لإبراز المقدرات التركية من أجل التوصل إلى صفقة مع روسيا، تكون بمثابة تعديل لاتفاق سوتشي الموقع في أيلول (سبتمبر) الماضي.

خصوصية حماة

على مدار السنوات الماضية، لم يعمد النظام السوري ولا المعارضة للسيطرة على محافظة حماة، بقدر ما حاول كل طرف السيطرة على مناطق معينة فقط، والسبب في ذلك يعود إلى خصوصية المحافظة، وهذه إحدى مفارقات الجغرافيا العسكرية في الساحة السورية.

تعتبر محافظة حماة من أصغر المحافظات السورية، لكنها بالمقابل تعتبر أكثر محافظة لديها حدود إدارية مع محافظات أخرى (الرقة في الشمال الشرقي، حلب في الشمال، إدلب في الشمال الغربي، اللاذقية من الغرب، طرطوس من الغرب أيضا، حمص من الجنوب).

هذا الواقع الجغرافي، جعل طرفي النزاع لا يسعيان للسيطرة عليها، خشية من تعرضه لضربات من كل الجهات، لكن الأمر اختلف الآن، فكل المناطق المحيطة بحماة، باستثناء الشمال، هي بيد النظام، الأمر الذي يجعل من الصعب معرفة إلى أين ستنتهي المعركة.

الارتباك الروسي

الارتباك الروسي حيال المعركة لا يبدو خافيا، وإن لم تُظهر موسكو ذلك على مستوى خطابها السياسي، ويمكن الوقوف على عدة نقاط، كمؤشر لهذا الارتباك:

1 ـ دعوة روسيا قبل أسبوع إلى تطبيق هدنة عسكرية لمدة 72 ساعة، ومن المعروف في العلم العسكري أن الطرف الذي يطالب بالهدنة، إما أن يكون قد حقق انتصارات جغرافية كبيرة، بحيث سيطر على مساحات واسعة، وتأتي الهدنة هنا لإعطائه مزيدا من الوقت لترتيب سيطرته عليها، وهذا ما لم يتحقق في حماة، أو أن طالب الهدنة، هو بحاجة إليها لترتيب صفوفه، لعدم قدرته على إحراز تقدم عسكري ملفت وقوي من شأنه أن يغير في موازين المعركة، وهذا ما جرى تماما.

لقد فشل النظام ومعه القوة الروسية الجوية، من اختراق تلال "كبينة" وبلدة الكبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وفشل في اختراق الجيب الصغير في أقصى شمال سهل الغاب للدخول إلى إدلب، كما فشل في التقدم نحو اللطامنة ومورك في ريف حماة الشمالي، في وقت فشل أيضا في الوصول إلى بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي الغربي.

2 ـ استخدام روسيا والنظام الهجمات الجوية بكثافة عالية جدا، بديلا عن التلاحم الميداني، بسبب العدد البشري الكبير لفصائل المعارضة، وعدم قدرة النظام على تحمل خسائر كبيرة في صفوفه.

3 ـ الخطاب السياسي الروسي العام، الذي يكتفي بالحديث عن عدم امكانية التعايش مع المنظمات الإرهابية، من دون أن يطلق أي تصريح محدد حيال الأهداف العسكرية، على عكس ما جرى في الغوطة الشرقية والجنوب السوري، حين أعلنت روسيا آنذاك، أن هدفها يكمن في السيطرة على كامل تلك المنطقتين.

كل ذلك، يشير إلى أن الشريكين الروسي والتركي، يمارسان الآن كباشا عسكريا غير مباشر، ساحته منطقة إدلب، من دون أن تصل الأمور بينهم إلى نقطة الصفر، فكلا الطرفين بحاجة إلى بعضهما البعض، وأغلب الظن أن المعركة ستنتهي عند حد لا يؤدي إلى فك عرى التعاون بين العاصمتين.

*كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)