قضايا وآراء

نحو آليات لوحدة اقتصادية إسلامية

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
تمثل الوحدة الاقتصادية بين الدول الإسلامية أملا ينشده كل مسلم في بقاع الأرض، فهي عنوان الاعتصام، ومؤشر القوة، وقوة الترابط في عالم باتت التكتلات الاقتصادية حاكمة له، وليس أدل على ذلك من وحدة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتكون من 51 ولاية، والاتحاد الأوروبي الذي يتكون من 28 دولة، فضلا عن العديد من التكتلات الاقتصادية العالمية.

ولكن ما يؤسف له؛ أن الناظر إلى العديد من الدول الإسلامية يجد أن مفهوم الوحدة بصفة عامة، والوحدة الاقتصادية بصفة خاصة، بات أمرا غريبا، وخاصة أننا نجد أن العديد من الدول الإسلامية تآمرت على بني جلدتها، ورضخت لعدوها الذي يبتزها ويستنزف ثرواتها. وليس ببعيد عنها حديث الرئيس الأمريكي ترامب عن السعودية مرارا وتكرارا، بصورة تبعث على الاشمئزاز.

إنه رغم ما يجمع العالم الإسلامي من وحدة روحية، فقد تحول هذا العالم (للأسف الشديد) إلى عوالم بفعل سايكس بيكو، وما أفرزته من حكام وصل بهم الحال في واقعنا المعاصر إلى ما يفوق الخيال من تآمر واستبداد. وفي إطار هذا الواقع، يمكن تقسيم عالمنا الإسلامي إلى عالم يدافع عن حقوق المظلومين ويمد يده للمضطهدين، ممثلا في تركيا، وعالم آخر متصهين أكثر من الصهاينة أنفسهم، لا يتنفس سوى التآمر. وبين هذا وذاك، عالم بعضه فعال، كماليزيا وإندونيسيا، وبعضه غير فعال، كالعديد من الدول الإسلامية الأخرى.

وفي ظل هذا التمزق والتشرذم، بل وتآمر الأخ على أخيه، تبدو الحاجة إلى إحياء مفهوم الأمة الواحدة من خلال الرابطة الاقتصادية، رغم صعوبة تحقيق ذلك نسبيا، في رأينا، على مستوى الحكومات في الوقت الحالي، ولكن يمكن أن يتحقق ذلك جزئيا من خلال القطاع الخاص والخيري، فما لا يدرك كله لا يترك جله، مع عدم فقدان الأمل بعودة العالم الإسلامي إلى الأمة الواحدة.

وتطبيق الوحدة الاقتصادية للأمة الواحدة؛ يتطلب بصفة خاصة الموازنة بين الواقعية والمثالية، فالواقعية تكشف أن الأصل في الوحدة الاقتصادية على مستوي الحكومات في الوقت الحالي بات ضربا من الخيال، في ظل التآمر والاختلاف. أما المثالية، فتعنى أن الأمل في تحقيق الوحدة الاقتصادية قائم بين المؤسسات الخاصة ومؤسسات القطاع الثالث وبعض الحكومات، بعيدا عن اليأس، وهي بذلك لا تتناقض مع الواقعية بملاحظة الواقع ومتغيراته.

إن وضع آليات عملية لوجود رابطة ووحدة اقتصادية يتطلب العمل على محور الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي معا، سعيا نحو المثالية ومراعاة الواقعية، من خلال تحقيق تكامل اقتصادي بين الدول التي تمتلك طاقة اقتصادية جيدة ولها مواقف ملموسة إيجابيا، مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا وباكستان، ويمكن إضافة الجزائر والسنغال وإيران إليها، لا سيما وأن عاملي اتساع الرقعة وعدد السكان يمثلان محورين أساسيين في تحقيق الاستقلال الاقتصادي. فمن خلال هذه الدول يمكن تكوين تكتل اقتصادي يؤسس لنظام المدفوعات المتعددة، بديلا عن التعامل بالدولار، كما يمكن توسيع ذلك التكتل ليتعامل كوحدة واحدة مع دول ذات مصالح متبادلة، مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، لا سيما في ظل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية العدائية مع الجميع.

وهذا التكتل أحوج ما يكون إلى تعزيز حرية التنقل بين الأفراد وحرية العمل، وتعزيز المزايا النسبية في كل دولة، ومنع الازدواج الضريبي، وتحقيق الربط بين بورصاتها، لا سيما إنشاء سوق فعال للصكوك الإسلامية، بل وإنشاء سوق منظم للسلع يتم التعامل من خلاله عاجلا وآجلا وفق النظام الإسلامي، ويتم التحوط فيه من خلال بيع السلم والاستصناع والبيع الآجل وبيع العربون، فضلا عن تعزيز البحث العلمي المشترك، والتبادل العلمي بين الجامعات، وإرسال البعوث العلمية.

أما القطاع الثالث، فيمكنه تحقيق وحدة اقتصادية ليس على مستوى هذا التكتل فقط، بل على مستوى العالم أجمع، بما فيه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من خلال الرابطة الاقتصادية بين المنظمات الإسلامية الأهلية الاقتصادية، كالغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال والجمعيات العلمية والمؤسسات الوقفية.

ويبقى بعد ذلك الدور الفعال لتركيا لتكون دولة محورية وبؤرة التقاء.. التقاء الخارج (الشعوب الإسلامية) مع الداخل (تركيا) من خلال بعدها الجغرافي والتاريخي ودفاعها عن قضايا الأمة، بجذب شعوب العوالم الإسلامية للتوجه باستثماراتها نحوها، لتدعيم اقتصادها وتحقيق أملها في بعث الإسلام من جديد وتحقيق مفهوم الأمة الاقتصادية شعبيا، بعيدا عن بعض الأدوار الحكومية السلبية. ولن يتأتى ذلك إلا بإرادة تركية جاذبة للاستثمارات، وإرادة فردية ومؤسسية من القطاع الخاص والقطاع الثالث لتدعيم هذا التوجه.
التعليقات (0)