طب وصحة

هل يمدد التخلي عن الهاتف المحمول سنوات حياتنا؟

ركزت معظم المناقشات حول الآثار الكيميائية الحيوية للهواتف على الدوبامين- جيتي
ركزت معظم المناقشات حول الآثار الكيميائية الحيوية للهواتف على الدوبامين- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا ذكرت فيه أن الوقت الذي نمضيه في استخدام هواتفنا قد يهدد صحتنا على المدى الطويل من خلال رفع مستويات هرمون الكورتيزول المرتبط بالإجهاد.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن اتخاذك قرارا بقضاء وقت أقل وأنت تحدق في هاتفك، يعتبر فكرة جيدة، حيث تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أن الوقت الذي نمضيه في استخدام هواتفنا الذكية يتداخل مع نومنا وتقديرنا لذاتنا وعلاقاتنا وذاكرتنا، فضلا عن مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات.

في الواقع، وإلى غاية الآن، ركزت معظم المناقشات حول الآثار الكيميائية الحيوية للهواتف على الدوبامين، وهي مادة كيميائية في الدماغ تساعدنا في تكوين العادات والإدمان. وعلى غرار آلات القمار، صُمّمت الهواتف الذكية والتطبيقات بوضوح لتحفيز إفراز الدوبامين، بهدف جعل التخلي عن استخدام أجهزتنا أمرا صعبا.

وأوضحت الصحيفة، أن هذا التلاعب بأنظمة الدوبامين هو السبب وراء اعتقاد العديد من الخبراء بأننا نطور إدمانا سلوكيا تجاه هواتفنا. مع ذلك، قد تكون تأثيرات هواتفنا على هرمون الكورتيزول أكثر إثارة للقلق.

 

تجدر الإشارة إلى أن الكورتيزول هو هرمون "الكرّ والفرّ" الأساسي لدينا، الذي يساعدنا على الاستجابة للتهديدات الجسدية الحادة والتغلب عليها. وقد تساهم تأثيرات هذا الهرمون في إنقاذ حياتنا في حال كنت تواجه خطرا جسديا. لكن أجسادنا تفرزه أيضا استجابة للضغوط العاطفية، بالتزامن مع ارتفاع معدل ضربات القلب الذي لا يعتبر إشارة جيدة، كأن تتحقق من هاتفك لتجد رسالة إلكترونية من رئيسك في العمل يعبر فيها عن غضبه.

 

اقرأ أيضا: 7 نصائح للتخلص من إدمان الهاتف الذكي

وفي حال حدوثه من حين لآخر فقط، قد لا يكون ارتفاع الكورتيزول الذي يتسبب فيه الهاتف أمرا مهما، لكن المواطن الأمريكي العادي يقضي أربع ساعات في اليوم يُحدّق في هاتفه ويتركه في متناول يده طوال الوقت تقريبا، وفقا لتطبيق تتبّع يدعى "مومنت". وتتمثل النتيجة، مثلما توصلت شركة "غوغل" في أحد التقارير، في أن "الأجهزة المحمولة المُحمّلة بتطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والأخبار" تخلق "شعورا دائما بالالتزام، ما يُولد، عن غير قصد، ضغوطا شخصية".

وأضافت الصحيفة نقلا عن أستاذ الطب النفسي السريري في مدرسة الطب بجامعة كونيتيكت ومؤسس مركز إدمان الإنترنت والتكنولوجيا، ديفيد جرينفيلد، أن "مستويات الكورتيزول لديك تكون مرتفعة حين يكون هاتفك على مرأى منك أو في مكان قريب، أو حين تسمع رنّته أو حتى تعتقد أنك تسمعها. ويعد ذلك استجابة للإجهاد ويجعلك تشعر بعدم الارتياح، وبالتالي، تكون الاستجابة الطبيعية للجسم الرغبة في التحقق من الهاتف للتخلص من التوتر".

لكن، على الرغم من أن القيام بذلك قد يهدئك لوقت قصير، إلا أنه من المرجح أن يزيد الأمور سوءا على المدى الطويل، حيث أنه في كل مرة تتحقق فيها من هاتفك، ستجد على الأغلب في انتظارك أمرا آخر يسبب لك التوتر، ما يؤدي إلى ارتفاع آخر في الكورتيزول وتوقا شديدا آخر للتحقق من هاتفك.

 

نتيجة لذلك، تؤدي هذه الحلقة المفرغة، حين تعزّز باستمرار، إلى مستويات مرتفعة بشكل مزمن من الكورتيزول، التي تم ربطها بارتفاع خطر ظهور مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك الاكتئاب والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني ومشاكل في الخصوبة، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم والنوبة القلبية والخرف والسكتة الدماغية.


وذكرت الصحيفة أن مستويات الكورتيزول المرتفعة تضعف القشرة أمام الجبهية، وهي منطقة مهمة في الدماغ لاتخاذ القرارات والتفكير العقلاني. في الواقع، يقلل ضعف هذه المنطقة من قدرتنا على ضبط النفس، والذي عندما يقترن برغبة قوية لتهدئة قلقنا، قد يقودنا إلى فعل أمور يمكن أن تكون قاتلة على غرار كتابة الرسائل القصيرة أثناء قيادة السيارة. ويمكن أن تتضخم تأثيرات التوتر بشكل أكبر إذا كان القلق دائما يعترينا من أن أمرا سيئا على وشك الحدوث سواء كان هجوما جسديا أو تعليقا مثيرا للغضب على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأفادت الصحيفة بأن الخبر السار هو أنه في حال تمكنا من كسر هذه الحلقة التي يقودها القلق، فباستطاعتنا خفض مستويات الكورتيزول لدينا، ما سيحسن بدوره من حكمنا على المدى القصير ويقلل من مخاطر إصابتنا بمشاكل صحية مرتبطة بالتوتر على المدى الطويل أيضا. في هذا الصدد، وكي تقلل من الإرهاق الذي يسببه لك هاتفك، ابدأ بإيقاف تشغيل كافة الإشعارات باستثناء تلك التي تريد تلقّيها بالفعل.

 

اقرأ أيضا: هل النظر إلى الشاشات يؤثر بالفعل على الصحة العقلية للمراهقين؟
 

ومن ثم، انتبه لما تشعر به عندما تستخدم التطبيقات الفردية، أيها التي تتحقق منها بسبب الشعور بالقلق، وأيها تجعلك تشعر بالتوتر؟ من هذا المنطلق، أخفيها في ملف بعيدا عن شاشة هاتفك الرئيسية، أو قم بحذفها لبضعة أيام ولاحظ ما الذي ستشعر به. فضلا عن ذلك، سيكون التخلي عن هاتفك وقت الغداء خطوة في الاتجاه الصحيح.

وفي الختام، قالت الصحيفة إنه لسوء الحظ، لا يبدو من السهل رسم حدود صحية مع أجهزة مصممة بشكل متعمد لهدم هذه الحدود. لكن، لن يجعلنا خفض مستويات التوتر لدينا نشعر بتحسن يوميا فقط، بل قد يطيل في الواقع حياتنا.

0
التعليقات (0)