قضايا وآراء

حراك داخلي أردني لمواجهة صفقة القرن

1300x600
1300x600

كثف الملك عبد الله الثاني لقاءاته في الساحة الأردنية خلال الشهرين الفائتين لتشمل رؤساء وزراء سابقين وكتل نيابية بما فيها كتلة الإصلاح النيابية الممثلة للحركة الإسلامية إلى جانب الإعلاميين الأردنيين؛ حراك الملك عبد الله الثاني شمل لقاءات عامة في المدن الأردنية وعلى رأسها مدينة الزرقاء كما أطلق تصريحات قوية أثناء لقائه بقادة الجيش والأجهزة الأمنية موسعا بذلك دائرة لقاءاته لتشمل فعاليات شعبية واجتماعية مهمة.

 

حراك ملكي

لقاءات الملك عبد الله الثاني أكد فيها على موقفه من الوصاية الهاشمية على مدينة القدس ورفضه لمشروع الوطن البديل، وهي العناوين الأبرز في صفقة القرن، مؤكدا على حل الدولتين كسبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ذات الخطاب والموقف الذي تبناه في المحافل الدولية وفي لقاءاته مع المسؤولين العرب والغربيين.

حراك الملك عبد الله الثاني على الصعيد الإقليمي والدولي اتخذ مسارين؛ الأول ركز فيه على معالجة الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية بحثا عن مخرج من عنق الزجاجة الاقتصادي، وآخر سياسي يهدف إلى تدعيم الموقف الأردني تجاه الملف الفلسطيني؛ فانفتح على العراق وزار بغداد ووسع دائرة العلاقات الاردنية باتجاه تركيا، وسعى إلى إيجاد حل لأزمة مخيم الركبان السوري بالتعاون مع روسيا وأمريكا على أمل أن يسهم في تحقيق نقلة نوعية في العلاقة مع سوريا تفتح الباب لعودة اللاجئين وتعزز العلاقات التجارية عبر معبر نصيب؛ كما نشط في الساحة الأوروبية والدولية لتعزيز مكانة الأردن الاقتصادية والسياسية كان على رأسها مؤتمر لندن .

 

ازداد التركيز على الساحة الداخلية باعتبارها الجبهة الأساسية التي تعاني من اشكالات كبيرة


الخطوات المتبعة كان لها انعكاسات واضحة على الساحة الداخلية، إذ أكد عبد الله الثاني على ضرورة معالجة مشكلة البطالة وضرورة تعزيز الفرص الاستثمارية؛ ولم يغفل الإصلاح السياسي في حراكه الذي شمل دعوة لإجراء تعديلات على قانون الانتخاب؛ وبمرور الوقت ازداد التركيز على الساحة الداخلية باعتبارها الجبهة الأساسية التي تعاني من اشكالات كبيرة على رأسها التضخم والتراجع الاقتصادي والبطالة والحراك المطلبي فهي نقطة الضعف الأساسية في رسم ملامح السياسية الأردنية؛ ليرتد نحو بذل جهد لهندسة العلاقة بين مؤسسات الدولة عبر تغيرات شملت مناصب قيادية في الدولة.

 

دعم إقليمي 

أغلب القوى السياسية استجابت لحراك الملك الداخلي بما فيها الحركة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي وكتلة الإصلاح النيابية لتطرح مبادرة من عشر نقاط تؤكد من خلالها على ضرورة مواجهة التحديات الخارجية وعلى رأسها صفقة القرن لمخاطرها الوجودية على الأردن؛ والتقت مع الخطاب الملكي في كثير من مفاصله المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي والسياسي .

كان لحراك الملك عبد الله تأثير على تراجع الحراكات المطلبية والاحتجاجية، خصوصا في ساحة الدوار الرابع المقابلة لرئاسة الوزراء؛ فالحراك الأردني تبلور خلف عنوان جديد وهو مواجهة صفقة القرن وتداعياتها؛ وبتنا نشهد وقفات داعمة لموقف الملك في مدينة الرصيفة والزرقاء وإربد ووسط البلد في عمان "أمام المسجد الحسيني" وفي غيرها من المدن الأردنية.

 

 

الأردن دخل في مرحلة جديدة من حراكة السياسي ازداد فيه التركيز على التحديات الوجودية


الحراك الأردني أصبح أكثر تمحورا على الصعيد الرسمي والشعبي والمدني حول ضرورة مواجهة التحديات المترتبة على صفقة القرن ومقولاتها؛ التي ألقت ظلال مقلقة ومرعبة على المشهد الداخلي والإقليمي؛ فالأردن قلق من تصاعد الضغوط الاقتصادية والتحديات الأمنية والسياسية المرافقة للإعلان عن الصفقة؛ دافعا نحو إعادة توجيه نشاط الدولة والمجتمع باتجاه البحث عن أفضل السبل لمواجهتها من خلال تمتين جبهته الداخلية، خصوصا بعد أن حققا نجاحا ملموسا في مفاوضاته مع صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة وعلى رأسها الأوروبية.

الأردن دخل في مرحلة جديدة من حراكه السياسي ازداد فيه التركيز على التحديات الوجودية؛ مسألة تدفع للتساؤل عن قدرة الدولة والمجتمع ممثل بقواه السياسية والمدنية على مواجهة الضغوط المتوقعة إقليميا ودوليا على الأردن؛ والتي تترافق مع بيئة إقليمية ودولية تتسم بانعدام اليقين وسرعة التغيرات والتحولات كالحاصلة في الجزائر والسودان وليبيا.

رهان الأردن بات على جبهته الداخلية وعلى تفهم القوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع الدولي على حساسية موقعه ومكانته في الإقليم؛ وهي قراءة تحسن من فرصه لمواجهة الضغوط في المرحلة الحالية؛ وستزداد تحسنا في حال تحقيق مزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي الداخلي؛ إذ ستعطي مصداقية كبيرة لروايته ورؤيته للأزمات الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ كما أنها تعد المدخل الأساس لتوفير المرونة الكافية التي تسمح للدولة بالمناورة السياسية في حقبة ستكون الأشد تأثيرا على استقرار الإقليم بعد صعود اليمين الإسرائيلي وتأزم الأوضاع السياسية في الإقليم والساحة الفلسطينية بتأثير من صفقة القرن؛ إذ تؤسس لمرحلة من عدم الاستقرار والاضطراب وانعدام اليقين ليست بالقصيرة؛ ومن الصعب مواجهتها دون حراك وإصلاح وانفتاح داخلي يعزز من مكانته في الساحة الدولية مستثمرا في كل القوى الكامنة المتوفرة لديه والتي لن يزهد بها.

 

 

 

الإقليم متقلب ومليء بالمتغيرات السريعة القابلة لتغير المشهد وتخفيف الضغوط في المرحلة المقبلة


يطرح الحراك الداخلي الأردني في صيغته الجديدة تساؤلات مهمة؛ فهل ينجح الحراك الداخلي والخارجي لتخطي مرحلة تعد الأصعب والأخطر في تاريخه؛ أم أن الحراك الأردني الداخلي سيشهد تفككا وسيرتد ليتحول إلى حراك مطلبي مرة أخرى؟ هل سيتمكن الأردن من مواجهة التحديات المتولدة عن صفقة القرن والضغوط المرافقة لها إقليميا واقتصاديا أم أن مناعته ستضعف بمرور الوقت؟

في الختام ما يراهن عليه الأردنيون في المرحلة المقبلة، هو قدرتهم على الانفتاح وتحقيق جرعة جديدة من الإصلاح تعزز جبهتم الداخلية وقدرتهم على تحمل الضغوط الاقتصادية والإقليمية والتعامل معها؛ انفتاح ينسجم مع حراك الملك عبد الله الثاني الإقليمي والدولي؛ بيد أن الرهان الأردني لا يغفل عنصر الزمن وسرعة وتقلب المتغيرات؛ فالإقليم متقلب ومليء بالمتغيرات السريعة القابلة لتغير المشهد وتخفيف الضغوط في المرحلة المقبلة؛ فعنصر الزمن والمراهنة عليه يسير جنبا إلى جنب مع الجهد الأردني في المرحلة المقبلة؛ عنصر ستقود متغيراته إلى توليد تحالفات ورهانات جديدة في الإقليم، فالسيناريو في الأردن لا يقتصر على المناورة بين المحاور بل ويتضمن خيارات مستقبلية ممكنة منفتحة على كافة القوى الإقليمية يعكسها الحراك الداخلي بشكله الأولي الظاهر والباطن.    

 

التعليقات (0)