معارك طرابلس تثير “حربا” بين التونسيين

تثير الحرب في ليبيا جدالات واسعة في تونس المجاورة. رسميا تلتزم تونس الحياد تجاه ما يجري في الجارة الشرقية، لكن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي اتصل برئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج في مكالمة هاتفية أعلن فيها رفض تونس لهجوم المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.

 

غير أن الإعلام والسياسيين والناشطين في صفحات التواصل الاجتماعي انقسموا حول ما يجري في ليبيا.. وتكاد الجدالات بينهم تصنع أجواء "حرب" حامية.. فبينما ينحاز الثوريون والإسلاميون عموما إلى صف الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في طرابلس، ينحاز غالب العلمانيين وأنصار الثورة المضادة والإعلام إلى صالح حفتر وقواته.

انحياز إعلامي لصالح حفتر

على صعيد المصطلحات والتسميات، وهي ليست بريئة في عالم الإعلام والسياسة، تكاد تتطابق مواقف وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في تونس في اعتبار المليشيات التي يقودها خليفة حفتر هي الجيش الوطني الليبي. ومن ثم فإن موقف معظم وسائل الإعلام التونسية منحاز لمليشيات حفتر وداعمة لهجومه على طرابلس، التي يراها كثير من الإعلاميين إجهازا على آخر ما بقي للإسلام السياسي من سيطرة في ليبيا كما يقولون.

ويذهب عدد من الإعلاميين التونسيين إلى أن القتال الجاري في ليبيا هو قتال بين جيش شرعي (جماعة حفتر) ضد مليشيات وجماعات إرهابية في غرب ليبيا (قوات الحكومة المعترف بها دوليا)، في تطابق تام مع موقف اللواء المتقاعد حفتر، الذي يبرر عدوانه على طرابلس بأنها حرب على الإرهاب وتحرير للعاصمة الليبية من سطوة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.

لطفي العماري المحلل في قناة "الحوار التونسي"، وهي قناة خاصة، ذهب بعيدا حين دعا الليبيين الموجودين في تونس إلى ترك مقاهي حي النصر والبحيرة، وهما من الأحياء الثرية في العاصمة تونس، واللحاق بقوات حفتر للقيام بواجبهم الوطني في تحرير طرابلس، على حد قوله.

وتنحاز معظم وسائل الإعلام التونسية، وأكثرها موروث عن مرحلة القمع والاستبداد، ضد الثورة التونسية وضد ثورات الربيع العربي، بما فيها ثورة 17 فبراير في ليبيا، التي يعتبرونها ثورات ربيع عبري، كما يقولون. ويشتبه في تلقي العديد من هؤلاء الإعلاميين أموالا من رجال أعمال تونسيين فاسدين أو من دول وجهات خليجية، إماراتية خاصة، معادية للثورات العربية.

حزب في الحكومة يؤيد.. و"النهضة" والحراك ينددان

السياسي محس مرزوق زعيم حزب "مشروع تونس"، وهو حزب مشارك في حكومة يوسف الشاهد، أعلن في بداية هجوم حفتر على طرابلس تأييده للهجوم ودعمه لحفتر في مساعيه للسيطرة على العاصمة الليبية. ويعتبر موقف مرزوق الموقف الوحيد داخل الأحزاب المشاركة في الحكومة الداعمة جهارا لحفتر. 

 

في المقابل أصدرت حركة "النهضة"، أكبر حزب في تونس، موقفا رافضا بشدة للهجوم على طرابلس، داعمة المقاومة فيها ضد العدوان، مؤيدة حكومة الوفاق الوطني في مواجهتها للغزاة، داعية الليبيين إلى التوصل لحل يوحد صفوفهم ويحل مشاكل البلاد بالحوار بدلا من اللجوء للسلاح.. كما أدان الهجوم على طرابلس حزب حراك تونس الإرادة الذي أسسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الهجوم واعتبره عدوانا لابد من وقفه.

 

برهان بسيس الناطق الرسمي السابق باسم حزب نداء تونس الذي أسسه رئيس الجمهورية الحالي الباجي قايد السبسي صور ما يجري في ليبيا من زاوية نظر القوى العلمانية و"الحداثية" التونسية، وكأن خليفة حفتر إنما يهاجم طرابلس للقضاء على حركة "النهضة" التونسية، التي يكرهها العلمانيون التونسيون.. قال بسيس ساخرا: "ما يحصل في ليبيا هو هجوم لقوات المشروع العصري بقيادة نداء تونس لتحرير طرابلس من ميليشيات النهضة".

 

غضب في الافتراضي

كثير من الناشطين التونسيين يبدون تأييدا حماسيا لثوار 17 فبراير في صد مليشيات حفتر عن العاصمة طرابلس. ولم يقف الأمر عند حد التأييد والتعاطف بل اتجه غضبهم إلى لوم الدبلوماسية التونسية لعدم تدخلها ودفاعها عن مصالح تونس في ليبيا وعدم مناصرة الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

ناشط معروف كتب يقول: "لو كنت الرئيس لأمرت الجيش بالتدخل الفوري في ليبيا ضد حفتر". وأضاف قائلا: "الأمن القومي لا يحدده كرونيكور (محلل) في تلفزة نوفمبرية" نسبة لانقلاب الرئيس التونسي المخلوع ابن علي في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 ضد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة. 

وعلق على هذه التدوينة ناشط آخر قائلا: "الحقيقة أن الكرونيكور النوفمبري ليس بعيدا عن هوى الرئيس، وأنهما معا لا يتجاوزان الخطوط الحمر التي يحددها السؤول الكبير" في إشارة إلى البنك الدولي.

ناشط غاضب انتقد الحكومة التونسية بحدة قائلا: "هذه سلطة جبانة فاسدة مخترقة من لوبي يتلقى الرز الإماراتي".. وأضاف: "لو كانت دولة تفهم المصلحة الوطنية الاستراتيجية لتدخلت لدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا وستلقى دعما من الشقيقة الجزائر ومن أطراف دولية مثل إيطاليا وحتى الولايات المتحدة".

ناشط رابع كتب يقول: إن الأمن القومي التونسي لا ينتهي عند حدودها الخارجية للبلاد بل يبدأ هناك، وأن على تونس أن تقف بقوة مع حكومة الوفاق وأن تتدخل لمنع اقتراب قوات حفتر من المناطق الرابطة بين الحدود التونسية والعاصمة الليبية طرابلس. وقال إن فرنسا تتدخل في مالي البعيدة جدا عنها وأن بوسع الدبلوماسية التونسية أن تقنع باريس بأن طرابلس أقرب إلى تونس من قرب باماكو إلى باريس.

الجيش أكثر وعيا من سياسيين كثر

بينما يتحدث الخطاب الدبلوماسي التونسي الرسمي عن الحياد، وهو ما يعتبره ناشطون كثر تعبيرا عن عجز دبلوماسي موروث عن الحقبة البورقيبية، باعتبار أن الدول الجادة لا تكون محايدة حين تتعرض مصالحها للخطر، فإن مواقف منسوبة لعسكريين تونسيين أبدت وعيا أكبر بالخطر الذي يمثله خليفة حفتر على المصالح التونسية.

فقد كتب الجنرال محمد صالح الحامدي رئيس أركان قوات البر سابقا في تونس مقالا في صفحته على الفايسبوك تحت عنوان "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" مستغربا انحياز بعض التونسيين لحفتر وقواته، إذ قال الحامدي: "عندما أرى وأسمع بعض التونسيين يباركون ما يقوم به خليفة حفتر في طرابلس، ويتمنون له النصر لغاية في قلوبهم، فإني لا أريد أن أناقشهم في هذا الموضوع، لأَنِّي على يقين بأنهم لا يسمعون، بحكم تحَيُّزهم، ولكني أرغب في أن أطرح عليهم بعض الأسئلة علَّها تزيل شيئا من الغشاوة عن بصيرتهم، آملا أن يعيدوا النظر في مواقفهم ويفكروا في مصلحة بلادهم قبل إشباع نزواتهم".

وتساءل الجنرال الحامدي: "هل أن حفتر صديق لتونس؟ هل من يحرِّك ويدعم حفتر خاصة من دول الإقليم يريد الخير لتونس؟.. لو افترضنا أنه نجح في الدخول لطرابلس، كم سيستغرق من الوقت حتى يستقر له الأمر؟ ألم يستغرق قرابة أربع سنوات ليسيطر وبصفة جزئية على الوضع في بنغازي؟".

وتابع الجنرال الحامدي متسائلا: "ما هي انعكاسات عدم استقرار الوضع في ليبيا على أمن تونس؟ سيقولون بأن الوضع الحالي غير مستقر ونحن نعاني من تبعات ذلك.. أقول هذا صحيح ولكن ما يأتينا من ليبيا في الوقت الحالي عمل مجموعات خارجة عن القانون ولا تدعمه السلطة في طرابلس، أما مع حفتر فإن الوضع سيكون مختلفا". 

وقال: "هل نسيتم ما عانيناه من نزوات القذافي؟ أنسيتم عملية قفصة على سبيل المثال لا الحصر؟.. من أكثر جنونا بالعظمة؟ القذافي أم حفتر؟ ألا تفقهون لغة الجسد؟! اللهم اهْدِ قومي فإنهم لا يعلمون".

 

إقرأ أيضا: التونسيون منقسمون بين "دعم حكومة السراج.. والتهليل لحفتر"