صحافة دولية

برنامج أمريكي يسلط الضوء على تجسس إسرائيل الإلكتروني

الشركة ورد اسمها في التورط بالتجسس على هاتف خاشقجي- جيتي
الشركة ورد اسمها في التورط بالتجسس على هاتف خاشقجي- جيتي


نشر موقع قناة "سي بي إس نيوز" الأمريكية حوارا أجرته الكاتبة والصُحفيّة ليزلي ستال مع شاليف حوليو، الرئيس التنفيذي لشركة "إن إس أو" الإسرائيلية المتخصصة في برامج التجسس الإلكتروني، الذي ركّز في حديثه على موضوع مكافحة الإرهاب، ومقتل خاشقجي، والشؤون السعودية.

 وقال الموقع، في حواره الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه الشركة الإسرائيلية التي تقدّر قيمتها بحوالي مليار دولار، تزعم أنها قادرة على اختراق أي جهاز إلكتروني حول العالم، ولكنها قد تسيئ استخدام نفوذها في بعض الأحيان.  

 وذكر الموقع أن شركة "إن إس أو" رخّصت لوكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم استعمال برنامج التجسس الإلكتروني "بيغاسوس"، لتمكينهم من اختراق الهواتف المشفرة والتطبيقات التي يستخدمها المجرمون والإرهابيون. ولكن يمّثل هذا البرنامج وسيلة لمساعدة الحكومة على سحق الأطراف المعارضة، لذلك إن "بيغاسوس" متهم بانتهاك حقوق الإنسان، والمراقبة غير الأخلاقية، وحتى القتل الوحشي المعروف للناقد السعودي جمال خاشقجي.

 وأورد الموقع أن شركة "إن إس أو"، التي تتخذ من مدينة هرتسليا الإسرائيلية مقرا لها، تعمل في كنف السرية التامة، لكن المؤسس المشارك ومديرها التنفيذي شاليف حوليو أُجبر على الخروج عن صمته، على اثر اتهامه ببيع "بيغاسوس" إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم من سجلها المشين في مجال حقوق الإنسان.

 

اقرأ أيضا: سنودن ينتقد برنامج "بيغاسوس" الذي استخدم للتجسس على خاشقجي

 وخلال إحدى المقابلات، سألت الصُحفية ليزلي ستال المدير التنفيذي لشركة "إن إس أو" عما إذا كان هو من أشرف بنفسه على بيع برنامج "بيغاسوس" للسعوديين، الذين استغلوه للقضاء على خاشقجي مقابل 55 مليون دولار. وردا على هذا الاتهام، قال حوليو: "إن مقتل خاشقجي لأمر فظيع حقا، وما إن سمعت لأول مرة عن وجود اتهامات بأن تكنولوجيتنا استخدمت للتجسس على جمال خاشقجي وأقاربه، حتى فتحت بحثا فوريا في هذا الشأن. وأستطيع أن أعلمك بوضوح شديد، أنه لم تكن لنا أي علاقة بهذه الجريمة الرهيبة".

وأضافت الصحفية أن "بيغاسوس" برنامج ذو تكلفة عالية لأنه يتيح للسلطات فعل ما لم تستطع تحقيقه منذ فترة طويلة، من قبيل اختراق الهواتف الذكية عن بُعد، والكشف عن كامل محتواها، بالإضافة إلى مساعدة الباحثين والوكلاء على تتبع المواقع والتنصّت على المحادثات وتسجيلها.

وذكرت الصحفية أن "بيغاسوس" أداة تجسس حساسة، ويجب على شركة "إن إس أو" الحصول على موافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، قبل أن ترخّص هذا البرنامج لأي عميل، ناهيك عن السعودية. وفي إجابة عن السؤال المتعلّق بالأسباب التي دفعت إسرائيل لبيع هذه التكنولوجيا لأحد أعدائها المعروفين بانتهاكهم لحقوق الإنسان، أوضح حوليو أن "غايتهم الوحيدة من بيع البرنامج هي القضاء على الجريمة والإرهاب".

وأشارت الصحفية إلى أن الاستخبارات الأمريكية واجهت سابقا صعوبة في اختراق جهاز الأيفون الخاص بمطلق النار الذي شنّ الهجوم الإرهابي في سان بيرناردينو سنة 2015. وفي هذا الصدد، أورد حوليو أن "وكالات الاستخبارات طلبت منهم المساعدة، لأنها تواجه مشكلة مع الهواتف الذكية الجديدة، ولم يعد بإمكانها الحصول على معلومات استخبارية قيمة". وأضاف حوليو أن "بيغاسوس" قد ساعد حقا في إنقاذ أرواح عشرات الآلاف من الأشخاص.

من جهته، أكّد رئيس إحدى وكالة المخابرات الأوروبية الغربية أن برنامج "بيغاسوس" يمثّل نقطة تحوّل في نظام إحباط الهجمات التي يشنها الجهاديون الأوروبيون، وكذلك إيقاف عصابات تهريب المخدرات والبشر. ولكن كم مرة أُستعمل برنامج "بيغاسوس" لملاحقة منتقدي الحكومة؟

 في مقابلة له مع الصحفية ليزلي ستال، أجاب الكوميدي السعودي المعارض غانم الدوسري عن السؤال المتعلق بإمكانية زجه في السجن في حال كان متواجدا بالمملكة قائلا إن جثته قد تختفي على غرار ما حصل مع جمال خاشقجي وهذا مصير جميع منتقدي ولي العهد المتواجدين خارج السعودية.

 

اقرأ أيضا: إسرائيل تسمح ببيع نظام تجسس إلى "أنظمة مثيرة للجدل"

 

وأضاف الدوسري أنه تلقى، على غرار العديد من المعارضين السعوديين بالمنفى، رسائل إلكترونية مشبوهة تابعة لبرنامج "بيغاسوس"، تهدف للتجسس على هواتفهم والقبض عليهم. وأوضح الدوسري أن السعوديين يعتبرون كل من يطالب بالحرية ويخرج عن قيود نظامهم إرهابيا ومخربا يجب التخلص منه.

وفي حديثه عن كيفية تصرفه حين يعلم أن عميله لديه تعريف مختلف للإرهاب، أوضح شاليف حوليو أن "جميع عملائه لديهم تعريف واضح للإرهاب ويتمثل في قتل الأبرياء بهدف تغيير الأجندات السياسية"، مؤكدا أنه "لم يلتق أبدا عميلا يعتبر المعارضين إرهابيين".

 وفي مقابلة أخرى، أفاد رئيس مركز بحث "سيتيزن لاب" التابع لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان بجامعة تورنتو، رون ديبرت، بأنه من الصعب السيطرة على هذا النوع من التكنولوجيا، لكن باحثي المركز على غرار بيل ماركزاك توصلوا لطريقة تكشف عن تعرض الهواتف لبرنامج تجسس "بيغاسوس" وقد تم تطبيقها على هاتف غانم الدوسري والكثير من هواتف المعارضين السعوديين. وأوضح ديبرت أن شراء تكنولوجيا "بيغاسوس" يمكن الحكام المستبدين من القيام بعمليات تجسس عبر شبكة الإنترنت العالمية.

وردا على تعليق ستال بأن صناع هذه التكنولوجيا يعلمون الغرض الحقيقي من شراء برنامج التجسس "بيغاسوس"، أجاب بيل ماركزاك بأنهم لم يهتموا كثيرا بالبحث في هذا الموضوع.

 وحيال هذا الشأن، صرح شاليف حوليو بأنهم لم يعلموا الغرض الحقيقي من شراء تكنولوجيا التجسس "بيغاسوس" قبل التعرض لتهم سوء الاستخدام، مشيرا إلى أنهم لم يسجلوا خلال ثمان سنوات سوى ثلاث حالات سوء استخدام تم شطب مرتكبيها من قائمة عملاء الشركة، في حين ساهمت تكنولوجيا بيغاسوس في إنقاذ الملايين.

وبينت الصحفية أن تقارير "سيتيزن لاب" تتعارض مع هذه التصريحات، ذلك أنه تم تسجيل العديد من حالات التجسس الإلكتروني لبيغاسوس التي تستهدف النشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين في كثير من دول العالم، على غرار الإمارات والمكسيك.

في المقابل، ترى الرئيسة التنفيذية المشاركة لشركة "إن إس أو"، تامي  ششار، أن من لا يقوم بأنشطة إجرامية أو إرهابية ليس لديه دافع  للشعور بالخوف. وذكرت ششار، أن برنامج التجسس الإلكتروني "بيغاسوس" قد أُسُتخدم بدقة عالية، والهدف من هذه التكنولوجيا المتطوّرة هو مراقبة الإرهابيين في جميع أنحاء العالم.

وفيما يتعلّق بالانتقادات التي تعرّضت إليها الشركة والدعاوى القضائية العديدة التي رُفعت ضدها بسبب استخدام الحكومات العربية والأجنبية لهذا البرنامج بهدف تعقّب النشطاء الحقوقيين والصحفيين والمعارضين، أوضحت ششار أنه لم يقع إلى حد الآن تقديم أي أدلّة تثبت صحّة هذه الادعاءات. وأضافت ششار أن الشركة تستخدم ثلاثة مستويات من الفحص الدقيق حول عملائها المحتملين حتى تتفادى أي سوء استخدام لبرمجيّاتها. وفي المقام الأول، تتحرى وزارة الدفاع الإسرائيلية عن العملاء، ثم تتقصى لجنة أخلاقيات العمل الخاصة بالشركة حولهم.

وأوضحت ششار أن هناك اتفاقا تعاقديا يجمع بين شركة "إن إس أو" وعملائها يتعلّق بأهداف استخدام برمجياتها المتمثلة في محاربة الإرهاب والجريمة. وتعقد الشركة جلسات نقاش صارمة حول العميل المحتمل. ففي حال كانت حكومة البلاد، التي ترغب في اقتناء برامج إلكترونية متطوّرة للتجسس، تواجه تهديدات إرهابية كبيرة،  لكن في الآن ذاته، متهمة بالعديد من قضايا فساد، فإن المعضلة الأخلاقية هنا تكمن في تحديد الأولوية: مساعدة هذه الدولة على محاربة الإرهاب أو ترجيح احتمال إساءة استخدامها لهذه البرمجيّات.

وأوردت تامي ششار أن هناك مشاكل أخلاقية أخرى مرتبطة ببرنامج التجسس الإلكتروني "بيغاسوس". فعلى سبيل المثال، تخترق السلطات هواتف المحيطين بالأشخاص المستهدفين، على غرار أفراد عائلاتهم. وقد أفادت الأنباء بأن السلطات المكسيكية استخدمت "بيغاسوس" للقبض على أكبر تاجر مخدرات في البلاد، خواكين غوزمان، المعروف باسم إل تشابو، من خلال التنصت على هواتف عدد من الأشخاص الذين تواصل معهم.

من جهته، أوضح شاليف حوليو أن قرار اعتراض مكالمات أقارب المستهدفين ينبغي أن تتخذه وكالات الاستخبارات، حيث تساءل: "ماذا لو كان بإمكانك منع هجوم الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر؟ كان ينبغي عليك في هذه الحالة أن تعترض مكالمات نجل بن لادن البالغ من العمر 16 سنة؟ هل سيكون هذا الأمر شرعيًا أم لا؟".

وأفادت الصحفية بأن استهداف الدائرة الداخلية للأشخاص أضحت تمثّل مشكلة في قضية الصحفي السعودي، جمال خاشقجي. كان عمر عبد العزيز، الناشط السعودي المقيم في كندا، يرسل رسائل إلى خاشقجي إلى حين مقتله. وفي الوقت الحاضر، رفع عبد العزيز دعوى قضائية ضدّ شركة "إن إس أو" مدعيا أن السلطات السعودية قد استخدمت "بيغاسوس" لاختراق هاتفه بهدف التجسس على خاشقجي.

وفي الإجابة عن السؤال المتعلّق بالتحقيق الذي كشف عن التنصت على اتصالات المحيطين بالصحفي، بيّن حوليو أنه تحقق من أن برنامج التجسس لم يُستخدم لاستهداف جمال خاشقجي أو أقاربه. في المقابل، رفض حوليو الخوض في تفاصيل حول استخدام هذا البرنامج لتعقّب معارضين آخرين، على غرار عمر عبد العزيز، مكتفيا بالقول إن الشركة تملك صلاحيات لوقف نشاط نظام البرنامج على الفور في حال وقع التحقق من إساءة استخدامه. كما أعرب حوليو عن عدم رغبته في الحديث عن عملاء الشركة في إشارة إلى السلطات السعودية، مؤكدا أن الشركة تسعى إلى "خلق عالم أكثر أمانا".
التعليقات (0)

خبر عاجل