قضايا وآراء

الخلافة الإسلامية.. الأمة كدولة والأمة كهوية

هشام الحمامي
1300x600
1300x600

95 عاما تمر هذا الشهر على إلغاء الخلافة الإسلامية (3 آذار/ مارس 1923م - 27 رجب 1342هـ). وهذا العام (2019م) يتزامن الشهر العربي مع الشهر الإفرنجي (رجب- آذار/ مارس). وتزامنا مع هذه الذكرى الوجيعة، لن نجد أعمق وأعذب وأوجع ما قيل وقتها ويقال كل يوم؛ أكثر من كلمات شاعر العروبة والإسلام أحمد شوقي، وسكب فيها كل ما في وجدانه من حزن وأسى على هذه الوجيعة، شعرا وفكرا وقال قصيدته الشهيرة (الاستانة تعزل وأنقرة تكلل) وفيها:

عادت أغاني العرس رجعَ نواح
ونُعيت بين معالم الأفراح

كُفّنت في ليلِ الزفاف بثوبه

ودُفنتِ عند تبلّج الإصباح 


ضجّت عليك مآذنٌ ومنابرٌ
وبكت عليك ممالكٌ ونَوَاحِ

الهندُ والهةٌ ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحَّاحٌ

والشام تسأل والعراق وفارس
أمحا من الأرض الخلافةَ ماحِ؟

وفي الوقت الذي قدم فيه شوقي هذا السؤال المروع، كان هناك رجل آخر يختار موضوع رسالته للدكتوراة عن "الخلافة" عام 1924م، في نفس عام إلغائها!! وهي الرسالة التي نشرت في كتاب سنة 1926م بمدينة ليون الفرنسية.. هذا الرجل هو الدكتور عبد الرازق السنهوري. والرسالة أشرف عليها أستاذا فرنسي (إدوارد لامبير)، والذي كان قد نصحه في البداية بالابتعاد عن هذا الموضوع لحساسيته في العقلية الأوروبية، خاصة بعد الانتصار الذي تحقق في الحرب العالمية الأولى 1918، والذى أدى إلى الإطاحة بالخلافة العثمانية وتوزيع ممتلكاتها على دول الحلفاء المنتصرين، وفي مقدمتهم فرنسا, إلا أن السنهوري، ولثقته الكاملة في مبادئ الإسلام في مجال النظم القانونية والسياسية والاجتماعية، أصر على أن يكون موضوعه للدكتوراة هو الخلافة الإسلامية (كان ذلك قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين 1928م ودعوتها المركزية إلى عودة الخلافة). كان السنهورى رحمه الله يؤمن إيمانا قاطعا بضرورة إعادة الخلافة في صورة منظمة دولية في المستقبل (تحمل راية الإسلام وتخلد مبادئه ونظمه، وتحمي وحدة أمته ومستقبلها، وتمكّنها من القيام بدورها في المشاركة في مستقبل العالم كأمة عظيمة خالدة موحدة). ولعل ميشيل عفلق التقط منه شعار البعث المشهور "أمة واحدة ذات رسالة خالدة".

 

إنها المرة الثانية التي يجد العالم الإسلامي نفسه دون خلافة". والمرة الأولى كانت بعد هجوم التتار على الخلافة العباسية في بغداد 1258م

فى مقدمة الكتاب يشير السنهورى إلى إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924، بقوله: "إنها المرة الثانية التي يجد العالم الإسلامي نفسه دون خلافة". والمرة الأولى كانت بعد هجوم التتار على الخلافة العباسية في بغداد 1258م. ثم يشير في موضع آخر إلى أن موضوع بحثه ليس الإسلام كدين وعقيدة، إنما بحثه ينصب على الشريعة باعتبارها علما وثقافة قانونية مليئة بالنظريات التي تثرى الفقه القانوني في العالم كله. "فأنا كمسلم -يقول- ملتزم بإخلاص شديد واحترام عميق للدين الإسلامي".

إثراء الشريعة للفقه القانوني في العالم كله أشار إليه الأستاذ الفرنسي المشرف على الرسالة قائلا: "دراسة السنهوري قدمت لمعهد القانون المقارن كتابا يفخر به في مجال الدراسات المقارنة، كما قدمت لعلم القانون المقارن والبحوث القانونية بصفة عامة؛ أكبر خدمة علمية بإبراز مبادئ الشريعة الإسلامية الأصيلة في ما يتعلق بنظام الدولة وأصول الحكم على حقيقتها التي يجهلها العلماء الأوربيون، أو يتجاهلونها نتيجة المحاذير السياسية ورواسب التعصب المنتسبة إلى المسيحية، وهي في حقيقتها مظهر من مظاهر الأطماع الاستعمارية".

يخلص السنهوري في دراسته الرائعة، والتي كان موضوعها الرئيس فكرة الخلافة كإطار سياسي جامع، إلى أن مبدأ الفصل بين السلطات هو أساس نظام الحكم الإسلامي، خاصة ما يتعلق بالسلطة التشريعية التي يجب أن تكون مستقلة استقلالاً تاماً عن الخليفة. فإجماع الأمة هو مصدر التشريع الإسلامي، والأمة هي التي تعبر عن الإرادة الإلهية بإجماعها، وليس الخليفة أو الحاكم بسلطته. وسيادة الأمة تؤدي بالضرورة إلى سيادة السلطة التشريعية، ويجب ألا يملكها فرد مهما تكن مكانته.. خليفة كان أو أميراً أو ملكا أو حاكماً، فهي لله تعالى، وهو سبحانه فوضها للأمة في مجموعها، والتي يجب أن يرتبط بها (الإجماع) في شكله الصحيح.

 

هذا الكلام العلمي الدقيق أشرف على إنتاجه عالم فرنسيا كبير؛ وصف الدكتور السنهوري بأنه "عالم مسلم ناشئ فذ"، وأكد على فائدة الكتاب للقراء العرب في أنه سيوضح الفرق بين المبادئ الإسلامية التي تقوم عليها نظرية الخلافة ونظام الحكم، وبين الممارسات التاريخية

هذا الكلام العلمي الدقيق أشرف على إنتاجه عالم فرنسيا كبير؛ وصف الدكتور السنهوري بأنه "عالم مسلم ناشئ فذ"، وأكد على فائدة الكتاب للقراء العرب في أنه سيوضح الفرق بين المبادئ الإسلامية التي تقوم عليها نظرية الخلافة ونظام الحكم، وبين الممارسات التاريخية التي ابتعدت عن تلك المبادئ في بعض الأوقات. وفوق ذلك، يستخلص من الأصول النظرية والتجارب التاريخية والواقع العصري للعالم الإسلامي خطة جديدة لإعادة بناء الخلافة في المستقبل في صورة منظمة دوليه شرقية إسلامية، كما قال الأستاذ المشرف على الرسالة.


سيكون هاما هنا أن نتذكر (والذكرى تنفع) ما كان بين هذا الكيان الإسلامي الكبير وبين أمريكا، ذلك أنه في نهايات القرن الثامن عشر (1785) تم الاستيلاء على سفينة أمريكية أمام سواحل ولاية الجزائر التابعة للخلافة الإسلامية؛ استولى عليها المجاهدون المسلمون في هذا البلد العزيز، ثم ما لبثوا أن استولوا على 11 سفينة أمريكية أخرى.. اتصلت أمريكا بولاية الجزائر وطلبت الهدنة التي وافقت عليها إسطنبول، في 5 أيلول/ سبتمبر 1795، وكتبت بها وثيقة من 22 بندا باللغة التركية وفيها: "تدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى ولاية الجزائر التابعة لدولة الخلافة العثمانية مبلغ 642 الف دولار ذهبي، وتدفع لها سنويا مبلغ 12 الف ليرة عثمانية ذهبية، وفي مقابل ذلك يطلق سراح الأسرى الأمريكيين الموجودين في الجزائر، ولا تتعرض ولاية الجزائر لأي سفينة أمريكية، لا في الأطلسي ولا في البحر الأبيض". يقولون إن هذه هي المعاهدة الوحيدة في تاريخ أمريكا التي توقعها بغير اللغة الإنجليزية، أيضا هي المعاهدة الوحيدة في تاريخ أمريكا التي تتعهد بها بدفع ضريبة مالية لدولة أجنبية.

 

جاء هذا الانخفاض بعد أن قال الرئيس التركي أردوغان إن تحرك الرئيس الأمريكي ترامب للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب 1967؛ يدفع المنطقة إلى حافة أزمة جديدة

لكن وكالة رويترز للأنباء طيّرت خبرا يوم السبت الماضي (23 آذار/ مارس)، ذكرت فيه أن الليرة التركية انخفضت بما يزيد عن 5 في المئة أمام الدولار الأمريكي يوم الجمعة، مسجلة أكبر هبوط ليوم واحد منذ أن استحكمت أزمة العملة في آب/ أغسطس الماضي. وجاء هذا الانخفاض بعد أن قال الرئيس التركي أردوغان إن تحرك الرئيس الأمريكي ترامب للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب 1967؛ يدفع المنطقة إلى حافة أزمة جديدة.

ألم يكن أمير الشعراء صادقا في حزنه وهو ينعى الخلافة: وبكت عليك ممالك ونواح؟

التعليقات (0)