كتاب عربي 21

عن مأساة تعز بعد أربع سنوات من حرب التحالف العبثية

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

بقي يومان فقط وتختتم حرب التحالف العربي في اليمن سنتها الرابعة، دون أن تلوح في الأفق مؤشرات حقيقية للحسم العسكري الذي يرسم نهاية منتصرة للسلطة الشرعية على القوى الانقلابية.

لقد ضعفت السلطة الشرعية وذوت، وبقي منها بعض المواقع التي تحظى بقبول المتنفذ الإماراتي في عدن، ولم يعد الانتصار لها أحد أهداف هذا التحالف.

فقد تخلت السلطة الشرعية عن الكرامة التي تَغْلبُ عادة لدى من يديرون الدولة، والذين يتسمون بالجدية والإصرار على انتشال الدولة من وضعيتها المزرية، وبقيت معرضة للنفي المتواصل خارج البلاد رغم تحرير مناطق واسعة تصل إلى نحو ثلثي البلاد، كإحدى التجليات العبثية لهذه الحرب التي تبدّل حلفاؤها خلال الأربع السنوات الماضية؛ بصورة تدعو إلى الكثير من التأمل في المآلات الكارثية للحروب العبثية.

 

لقد ضعفت السلطة الشرعية وذوت، وبقي منها بعض المواقع التي تحظى بقبول المتنفذ الإماراتي في عدن، ولم يعد الانتصار لها أحد أهداف هذا التحالف

لذا يمكنني التأكيد بأن النصر في هذه الحرب يبدو أنه بعيد المنال؛ لأن التحالف وضع في طريقه الكثير من العوائق التي تشير إلى سوء المآل، ليس فقط للمعركة التي يخوضها هذا التحالف في اليمن، فسوء المآل يحيط بالرياض وأبو ظبي قدر إحاطته باليمن؛ لأن هاتين الدولتين تخوضان معارك داخلية وخارجية عديدة وفي وقت واحد. وجميع هذه المعارك تقريباً تشكل قطعاً كاملاً مع التاريخ والقيم الإنسانية والأخلاقية، وتفجر المشهد الداخلي لبلدي التحالف؛ إلى حد تصعب معه إزالة آثار هذا الانفجار على وحدة المجتمع، وشعوره بالمواطنة المتحررة من الإكراهات السلطوية الشمولية التي يمارسها الحكام الجدد في أبو ظبي والرياض.

تتجلى مأساوية الحرب العبثية للتحالف في محافظة تعز التي لم تتوقف فيها أصوات الرصاص. وقد آن الأوان لأن يتساءل أبناء محافظة تعز عن السبب وراء إطالة أمد مأساتهم، بينما كان من السهل وضع حداً لهذه المأساة.

ويخيب أملهم كذلك في إمكانية الحصول على الدعم العسكري والمادي والمعيشي لاستكمال تحرير بقية المحافظة وتجنب التهديدات؛ بالعودة مجددا إلى زمن الحصار الخانق الذي تعرضت له هذه المحافظة منذ عدة سنوات.

 

تتعرض تعز لاستهداف ممنهج من قبل التحالف الذي يبدو أنه يثأر لنفسه من هذه المحافظة التي مثلت قاعدة إمداد ثورية هائلة

تتعرض تعز لاستهداف ممنهج من قبل التحالف الذي يبدو أنه يثأر لنفسه من هذه المحافظة التي مثلت قاعدة إمداد ثورية هائلة؛ في فترة التحرر الوطني الذي مضى في ستينيات القرن المنصرم، في مسارين متوازين؛ أحدهما انتهى بالإطاحة بنظام الإمامة الزيدية الطائفية المتخلفة في شمال البلاد، والثاني انتهى بنيل الاستقلال من الاستعمار البريطاني في جنوبها.

 

وما فتئت عاصمة المحافظة تشهد دورات من القتال الذي يندلع كلما تعقدت الأمور واستفحلت سطوة الإرهاب المدعوم الإمارات. ويوم أمس، توقف الجيش والأمن عن استكمال مهمة تطهير المدينة القديمة في تعز من العناصر الإرهابية الدعومة من الإمارات، والتي كانت قد حصلت على أسلحة نوعية، بينها صواريخ محمولة على الكتف من نوع "تاو"، وهو سلاح فعال في المواجهات التي تشهدها مدينة تعز.

لا يبدو أن التحالف العربي الذي يحارب في اليمن في عجلة من أمره، فقد ساهم صعود الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا، منذ أكثر من عامين، في تأمين مساحة كبيرة للتحالف لكي يمضي في تحقيق الأهداف المشتركة لكل من أبو ظبي والرياض وواشنطن، وهي أهداف تتحقق على قاعدة الاستهانة الكاملة بدماء اليمنيين وكرامتهم، وتتوسل الذرائع الكاذبة ذاتها عن وجود حرب أخرى مع العرب والمسلمين.

 

أهداف تتحقق على قاعدة الاستهانة الكاملة بدماء اليمنيين وكرامتهم، وتتوسل الذرائع الكاذبة ذاتها عن وجود حرب أخرى مع العرب والمسلمين

بعد أربعة أعوام من الحرب وخمس سنوات على الانقلاب، كل شيء يتبدد في اليمن، ليس فقط الأهداف التي سوغت التدخل العسكري الضخم للتحالف العربي، بل التحالفات أيضاً.

وثمة مؤشرات بأن الهوة تزداد اتساعاً بين السعودية والإمارات اللتين لا تقفان على أرضية مشتركة أكثر من أي وقت مضى. ومع اتساع الهوة، تزداد مخاوف الرياض من السياسات التخريبية التي تمليها الإمارات على عملائها من التشكيلات العسكرية والمكونات السياسية الانفصالية.

المآلات العبثية للحرب تتجلى في الانهيار المريع والمخزي لتحالف صالح مع شركائه اللدودين، جماعة الحوثي. فبعد انقلابها على النظام الانتقالي في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، تحولت إلى أعداء واشتبكت بعنف وأفرغت في أربعة يام أحقاد عقود؛ لطالما غذتها (ولا تزال تغذيها) نزعةُ الاستحواذ على السلطة، تأسيساً على قناعات مشوهة للتاريخ، كما هي لمتطلبات اللحظة الراهنة التي لم تعد تحتمل تغييب وعي الناس وإرادتهم.

وبجرأة مبالغ فيها، يمارس الانفصاليون الطقوس الشكلية للدولة الجنوبية، تحت حراب الإمارات، كمشهد استقبال سفير روسيا الاتحادية الذي زار عدن مؤخراً، والتقى رئيس الوزراء معين عبد الملك سالم.

 

تبقى الأوضاع في المحافظات الجنوبية، وبالتحديد في محافظة عدن، مبعث قلق شديد، بالنظر إلى الانفلات الأمني ودورة العنف التي حصدت العشرات من الشخصيات المؤثرة

فقد اصطفت ثلة من الجنود الذين يحملون علم الدولة الجنوبية السابقة، ليحيوا السفير الروسي، في رسالة قصد بها تأكيد أن المجلس الانتقالي الجنوبي يضع اللمسات الأخيرة على إعلان الدولة الجنوبية، وسط تذمر هائل من سكان المحافظات الجنوبية الذين باتوا أكثر إيماناً بأهمية الوحدة اليمنية، وبضرورة إنهاء النفوذ الطارئ للتشكلات السياسية والعسكرية التي استزرعتها الإمارات في الحقل الجنوبي السائب.

وتبقى الأوضاع في المحافظات الجنوبية، وبالتحديد في محافظة عدن، مبعث قلق شديد، بالنظر إلى الانفلات الأمني ودورة العنف التي حصدت العشرات من الشخصيات المؤثرة، من دعاة وأئمة مساجد وضباط وسياسيين، في ظل تركيز لافت على دور التجمع اليمني للإصلاح؛ الذي يصعب تصور كيف استطاع أن يزج بنفسه في أتون المعركة التي قدر لها استعادة الدولة، وما يزال يقف على قدميه حتى الآن وسط المؤامرات والدسائس التي لم تتوقف، والتي تتجلى في الاستهداف المتعمد والمستمر لكل من له علاقة بثورة شباط/ فبراير، وبمشروع الدولة اليمنية الموحدة.

التعليقات (0)