قضايا وآراء

مركزية "الزعيم" في النظام السياسي التركي

زهير عطوف
1300x600
1300x600
مع استمرار الحملات الانتخابية للأحزاب القوية داخل تركيا، من أجل الفوز بالمدن الرئيسية، بالخصوص مدينتي إسطنبول وأنقرة، يرى المتتبع للشأن التركي حضورا قويا لصور زعماء وقادة الأحزاب المتنافسة، خصوصا حزبي العدالة والتنمية التركي وحزب الجمهوري التركي. فما هو الدور الذي يلعبه الزعيم في النظام السياسي التركي؟

عندما يقرأ الإنسان تاريخ تركيا منذ التأسيس إلى غاية اليوم، يفهم أن شخصية الزعيم أو القائد كانت دائما أقوى من الأحزاب، بدءا بمرحلة الحزب الواحد، أي منذ التأسيس إلى غاية عام 1945. فلا تخفى تفاصيل الزعامة التاريخية لكمال أتاتورك، مرورا بعصمت إنونو (Ismet Inunü)، رئيس الدولة التركية بعد وفاة أتاتورك عام 1939، والذي ظل قرابة نصف قرن يعتبر إما الرجل الأول أو الثاني في النظام السياسي التركي. وهو الذي يرجع له فضل تجنيب تركيا مغبة المشاركة في الحرب العالمية الثانية رغم الضغوط الهائلة التي مورست عليه، بل أعلن بذكاء مشاركة تركيا في الحرب إلى جانب الحلفاء عام 1945، أي بعد تأكده من فوزهم، ليسجل مكاسب سياسية بذلك. وهو الذي سمح عام 1945 بتأسيس أول حزب معارض، وذلك رضوخا للمطالب الداخلية والخارجية.

 في عام 1950، أقيمت أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ تركيا، وفاز الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس (Adnan Mendres)، ليرتفع نجم مندريس عاليا منذ عام 1950 إلى أن يتم إعدامه عام 1960، بعد انقلاب عسكري على حكومته، كما تم حل حزبه. وتبقى ذكرى عدنان مندريس حية في قلوب الأتراك كأول رئيس وزراء يراجع قرارات أتاتورك ليحقق مطالب شعبية، كتغيير الأذان من اللغة التركية إلى اللغة العربية، وباعتماد توجه علماني أقل حدية من توجه الحزب الجمهوري التركي؛ توجه يعطي حريات أكبر لممارسة الشعائر الدينية في تركيا، خصوصا للجماعات الصوفية وغيرها.

أما من الجانب الاقتصادي، فعلى عكس تحكم الدولة في الاقتصاد في عهد الحزب الجمهوري التركي، انتهج الحزب الديمقراطي توجها ليبراليا باعتماد اقتصاد السوق. بعد إعدام مندريس، يأتي سليمان ديميريل (Süleyman Demirel)، زعيم حزب العدالة، والذي سيظل لأكثر من ثلاثين سنة يشغل دور إما رئيس الوزراء أورئيس الدولة أو رئيس الحزب (هناك أغنية كوميدية مشهورة في تركيا تظهر أن العالم كله تغير خلال ربع قرن من الزمن، بينما الأتراك لديهم سليمان ديميريل فقط).

بعد ذلك يأتي نجم الدين أربكان كزعيم تاريخي لأول حزب إسلامي يتموقع في أقصى اليمين، وتستمر مسيرته من عام 1969، بقيادة خمس أحزاب مختلفة، فكلما تم حل حزب يؤسس حزبا آخر، ويستمر في المسير. وهو بالمناسبة أستاذ رجب طيب أردوغان، وقد نجح هذا الأخير كعمدة لمدينة إسطنبول عام 1994 بترشحه تحت لواء حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان. وفي عام 1997، نجح حزب أربكان في تشكيل حكومة تم الانقلاب عليها وإسقاطها، ليؤسس أربكان حزبا آخر، وتستمر زعامته التاريخية بذلك لأكثر من ربع قرن.

أما مرحلة تورغوت أوزال "Turgut ozel"، والتي استمرت 13 سنة فقط، بموته عام 1993، فتخلد لمرحلة "نيوليبيرالية" ومرحلة مهمة في التصالح مع الثقافة الكردية.

وختاما، تأتي مرحلة الزعيم طيب رجب أردوغان، الذي قفز بتركيا إلى العالمية، ولا يضيره أن يكون القائد الأول للبلد لأكثر من 15 سنة من الزمن، ما دام يأتي بالإنجازات، وما دامت نهاية مرحلة كل زعيم تأتي بزعيم آخر يكمل المسير بتركيا قدما نحو الأمام.
التعليقات (0)