قضايا وآراء

سلطة بدنا نعيش تحت الاحتلال

1300x600
1300x600

لا أحد يعلم الطريقة التي تريد أن تعيش فيها سلطة رام الله؛ هل تريد أن تفعل ذلك وفق معايير صفقة القرن أم وفق معايير أوسلو ودايتون أم وفق معاير التنسيق الأمني المقدس؛ أم كل ذلك في آن واحد؟

كيف ستترجم هذا البرنامج هل من خلال التفاوض العبثي باعتبار أن الحياة مفاوضات أم من خلال تكريس الانقسام والتضييق على قطاع غزة؛ أو التأكيد على حضورها بمصارعة الفصائل الفلسطينية بدل مصارعة الاحتلال وإصلاح مؤسساتها وعلى رأسها منظمة التحرير؟

 

برنامج سياسي لا يستجيب للتحديات 


فالبرنامج السياسي الذي تطرحه السلطة في رام الله وقياداتها إلى الآن لا يمثل استجابة للتحديات سواء الذاتية التي تعانيها أو البيئية التي تحيط بها؛ والأسوأ أن برنامجها وواقعها تحول إلى جزء من التحدي الذي يواجهه الشعب الفلسطيني؛ عاكسا بذلك أزمة خانقة مركبة تعانيها في بيئتها الداخلية أو المحلية الفلسطينية أو الخارجية والإقليمية الدولية؛ بشكل يمس شرعيتها ومرجعتيها الممثلة بحركة فتح.

ورغم التعدد الخادع لخيارات السلطة إلا أن النتيجة واحدة؛ وهي القبول بالعيش تحت الاحتلال بشكل يمكن الجيش الإسرائيلي أن يقيم الحواجز ويستهدف المارة بالقتل والاعتقال وهدم البيوت ومصادرة الأراضي والاستيلاء على العقارات في القدس واقتحام الأقصى؛ ملقيا جزءا مهما من هذه التبعات على عاتقها.

 

موت بطيء 


نموذج وان لقي قبولا لدى بعض القيادات في رام الله لأنه لا يحظى بقبول في الشارع الفلسطيني الذي يدفع ثمنا باهظا وبشكل يومي في الضفة الغربية لهذا البرنامج وبدون مردود حقيقي؛ فهو موت بطيء وتصفية كاملة لقضيتهم وحقوقهم ووجودهم على أرضهم.

 

إشكالية برنامج السلطة بأدواتها السياسية والإعلامية والأمنية تكمن بعزلتها المتفاقمة وضعف فاعلية خطابها الذي لا يتناسب مع التطورات اليومية الميدانية على الأرض


هكذا يمكن أن تعيش السلطة وبدون ذلك لا مستقبل لها في رام الله؛ هذا ما توحي به خيارات السلطة وسلوكها على الأرض؛ ولكن ماذا عن الشعب الفلسطيني؟ فالخيارات التي تتداولها السلطة في رام الله تقود ضمنا إلى القبول بالاحتلال وممارساته؛ في حين أن خيارات الشعب الفلسطيني والقوى المقاومة تتنوع خصوصا في الضفة الغربية؛ فالقدرات الكامنة لدى فلسطينيي الضفة كبيرة جدا تعكسها العمليات النوعية التي يشنها الفلسطينيون والتي تتزايد وتتنوع؛ راسمة بذلك مسارا موازيا يهدد بتجاوز السلطة ومسارها المأزوم.

مقابل القدرات الكامنة التي يعبر عنها مواطنو الضفة بين الحين والآخر، ينصب جل اهتمام السلطة في البحث عن أفضل السبل للتعايش مع ممارسات الاحتلال؛ نموذج يقودها ضمنا إلى خسارة الشعب الفلسطيني بالكامل وإلى عزلة عن واقع المجتمع الذي يرى في هذه الممارسات أذى كبيرا يعمق الفجوة مع سلطة رام الله.

 

سحابة صيف عابرة

الأهم من ذلك أن النموذج الذي تدافع عنه السلطة في الضفة وتريد أن تنقله إلى قطاع غزة لا يحمل أي إغراء للشعب الفلسطيني معمقا الفجوة بينها وبين المجتمع عامة ما يجعل حملاتها على القطاع سحابة صيف عابرة لا تقارن بالتحدي الذي تواجهه في علاقاتها المتوترة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ نجد انعكاسه الواضح في ممارسات جيش الاحتلال عبر التنسيق الأمني والتعاون الوثيق مع السلطة في رام الله والتي كان آخر فصوله ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية كصحيفة يديعوت أحرنوت والقناة الـ 13 الإسرائيلية من معلومات حول التعاون الذي قاد إلى استشهاد الفدائي عمر أبو ليلى؛ أمر لم تسارع السلطة إلى نفيه تاركة الفجوة في اتساع مضطرد عززها الغياب الكامل للسلطة عن الحدث؛ وتصريحات متكررة تؤكد على قدسية التنسيق الأمني.


مأزق تجلى في ردود فعل الشارع على حادثة سلفيت وما تبعها؛ إذ انتقل الموقف المتفجر في الضفة الغربية سريعا من قرية عبوين إلى نابلس باندلاع المواجهات مع المستوطنين بالقرب من قبر يوسف؛ ومن ثم الحي الشرقي في نابلس بعد استهداف الاحتلال الإسرائيلي شابين دون مبرر؛ وتنقلت المواجهات من منطقة إلى أخرى محولة الضفة إلى بركان يتطاير شررا؛ يشتبك فيه الفلسطينيون مع قوات الاحتلال مباشرة في كل مكان؛ في حين تكتفي السلطة بالتنسيق الأمني الذي في حده الأدنى يقود إلى انسحابها من الشوارع؛ وفي حده الأعلى يتضمن اتهامات بالتنسيق الكامل مع جهود الجيش الإسرائيلي للوصول إلى المقاومين واستهدافهم.

 

ليس أمام السلطة إلا إصلاح نفسها ومؤسساتها والعودة لمرجعتيها الثورية والانفتاح على القوى السياسية والمقاومة


إشكالية برنامج السلطة بأدواتها السياسية والإعلامية والأمنية تكمن بعزلتها المتفاقمة وضعف فاعلية خطابها الذي لا يتناسب مع التطورات اليومية الميدانية على الأرض؛ ومعاركها السياسية خصوصا مع قطاع غزة المحاصر؛ نموذج يتفاعل مع بيئتها ليعمق أزمة السلطة، خصوصا وهي مقبلة على استحقاقات بيولوجية وسياسية تعكسها في كثير من الأحيان سياسة التنسيق الأمني التي باتت ملاذا مهما للحفاظ على كينونتها ووجودها الهش.

لم يتبق الكثير من الخيارات أمام السلطة في رام الله تخرجها من مأزقها سوى خيار الاشتغال على إصلاح نفسها ومؤسساتها والعودة لمرجعتيها الثورية والانفتاح على القوى السياسية والمقاومة؛ فهي الخيار القادر على إنقاذها من موجة ثورية باتت ملامحها تتضح في الضفة الغربية يوما بعد يوم؛ فحياة السلطة ومن ورائها حركة "فتح" باتت مرتبطة أشد الارتباط بالحراك الداخلي في الضفة الغربية باعتباره المعيار الذي سيحدد المسار الجديد الآخذ في التشكل بعيدا عن أجندة السلطة وأزمتها الخانقة.   

التعليقات (0)