قضايا وآراء

كأس الأمم الأفريقية 2019 وكأس العالم 1978.. بين السيسي وفيديلا؟

شريف منصور
1300x600
1300x600
في 24 آذار/ مارس 1976، قاد الجنرال "خورخي فيديلا" انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيسة المنتخبة في "إيزابيل مارتينيز دي بيرون". وعاشت الأرجنتين أثناء حكمه سنوات عصيبة وصفتها المنظمات الحقوقية بالسوداء، حيث خلفت، وفق هذه المنظمات، مقتل ما بين 15 ألفا و30 ألف شخص، وتدهورت الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل كارثي. وقاد الجنرال فيديلا ما أُطلق عليه في الأرجنتين "الحرب القذرة" ضد معارضي حكمه العسكري، حيث كان يُخفي المعارضين ويقتلهم بعد إخضاعهم لعمليات تعذيب وحشية، ليتم إلقاؤهم من الطائرات والمروحيات في نهر "لابلاتا" والمحيط الأطلسي لإخفاء جثثهم. وتسببت ممارسات فيديلا القمعية في ظهور مصطلح "الإخفاء القسري" في خطاب المنظمات الحقوقية في أمريكا اللاتينية.

وبعد كل هذه الجرائم المروعة، حاول خورخي فيديلا تحسين صورته أمام العالم باستضافة بلاده لكأس العالم عام 1978، وظن أن تنظيم الأرجنتين لهذه البطولة العالمية سيعزز من مكانته ومكانة بلاده السياسية في العالم، وأنها ستساعده في التغطية على كل الجرائم التي ارتكبها هو ونظامه القمعي الاستبدادي. وأُجريت البطولة وفازت الأرجنتين بكأس العالم في حضور فيديلا وأركان سلطته بعد شبهة تواطؤ من البيرو، ولكن السحر انقلب على الساحر؛ لأن الصحافة العالمية التي جاءت إلى الأرجنتين لتغطية البطولة تعرفت على كوارث فيديلا وما يُعانيه الشعب، وتحدثت عن الحركة الاجتماعية المطالبة بحقوق وحرية "المختفين قسراً"، والتي تشكلت من أمهات المُغيبين، وتطورت وأصبحت معروفة عالمياً بـ"أمهات ساحة مايو"، حيث كانت الأمهات يجتمعن أسبوعياً وسط العاصمة بيونس آيرس أمام القصر الرئاسي؛ بوضع مناديل بيض على رؤوسهن، للمُطالبة بمعرفة مصير أبنائهن وأزواجهن المختفين.

ونشرت الصحافة العالمية الكثير من المقالات والتحقيقات التي فضحت أمام العالم ما ارتكبه فيديلا من قمع وتعذيب وقتل بحق شعبه. ونتيجة لذلك، رضخ فيديلا للضغوط الدولية، وتنازل عن الحكم عام 1981 لجنرال آخر، لتتولى الحكم حكومة منتخبة من الشعب عام 1983. وحوكم فيديلا بعد ذلك، ومات في سجنه ذليلاً، فكانت كأس العالم التي أرادها فيديلا لتحسين صورته أمام العالم وتعزيز مكانته؛ سبباً في الإطاحة به وتخليص البلاد من شروره.

وفي نفس السياق، سعى السيسي وسلطته العسكرية للفوز بتنظيم كأس أمم أفريقيا لهذا العام 2019، بعد سحبها من الكاميرون. وبعد منافسة شرسة مع جنوب أفريقيا، بالفعل فاز بتنظيمها، وستُجرى في حزيران/ يونيو المقبل. ورغم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة التي تمر بها مصر، وغرقها في الديون، إلا أن السيسي يحرص كل الحرص على إستضافة البطولة، رغم كلفتها العالية، بل ويوليها اهتماماً كبيراً، ويُسخّر لها كل إمكانات الدولة ومؤسساتها، من أجل تحسين صورته القبيحة وتعزيز مكانته السياسية في القارة الأفريقية، بعدما جاء بانقلاب عسكري عام 2013.. وليُغطي على كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها؛ هو وسلطته القمعية الاستبدادية، من تعذيب وقتل وإخفاء قسري واستباحة للدماء والأعراض، تماماً كما كان يريد فيديلا من كأس العالم 1978.

صحيح أن الظروف تغيرت، ولم يعد بوسع أي سلطة أن تُخفي جرائمها بعد ثورة الاتصالات التي نعيشها، مع بروز الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، فلسنا بحاجة إلى أن تأتي وسائل الإعلام العالمية إلى بلادنا لتنقل وتكشف فظائع وجرائم السيسي كما فعلت مع فيديلا، فجرائم السيسي معروفة ومُوثقة من قِبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ولا تخفى على أحد.. ولكن ربما تكون هذه البطولة التي يريدها السيسي لتلميع صورته وتعزيز مكانته فرصة لفضح السيسي وسلطته القمعية أكثر وأكثر، وعن قرب، من خلال وسائل الإعلام الأفريقية والعالمية؛ لأن الشعب يغلي ويبحث عن أي فرصة لنقل معاناته في ظل إعلام التدليس والكذب التابع للسيسي.

ولعل هذه البطولة تكون فرصة لإعادة الروح إلي ثورة الخامس والعشرين من يناير، من خلال هتافات الجماهير الغاضبة وابتكاراتها المذهلة، والتي يحاربها السيسي وسلطته منذ انقلابه، ليسمع العالم ويرى كيف يرفض الشعب هذه السلطة الباغية التي أفقرته وأذلته، وفرّطت في أرضه ومقدراته، وأخضعته لعدوه التاريخي والأساسي (إسرائيل)، وأسقطت البلاد في فخ الديون بلا أفق أو نهاية.

وقد عودنا الشعب المصري العظيم دائماً على الإبداع والابتكار، واستغلال الأحداث الكبيرة لقلب الطاولة على المستبدين المجرمين. فهل ينقلب السحر على الساحر؟ وما يريده السيسي لتلميع صورته وتعزيز مكانته يكون سبباً في الإطاحة به وتخليص البلاد والعباد من شروره ومصائبه؟ 
كل شيء ممكن، والشعب المصري لا يزال حياً، وكما ألهم العالم في ثورة الخامس والعشرين من يناير، فإن لديه القدرة علي كسر عنق المستبدين والطغاة وإلهام العالم مرة أخرى.

"ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمّرناهم وقومهم أجمعين، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون" (النمل).
التعليقات (1)
مصري جدا
الخميس، 21-03-2019 01:24 ص
الفاضل المحترم شريف منصور ،،، أزمة مصر ليست في السيسي وحده ،، بل هو أضعف حلقات الأزمة ،،،، الأزمة الحقيقية في غياب المنصة البديلة خاصة بعد ان اكلت بقايا المعارضة نفسها كالتي نقضت غزلها ،،، هب ان السيسي اختفى فجآة من المشهد لأي سبب ،، هل لديك تصور ماذا سيحدث ،، تكرار نفس سيناريو ما بعد ثورة 25 يناير لأن قيادات المعارضة هي هي مازالت موجودة الإسلامية منها والمدنية وهم شركاء الاخفاق والفشل ،، اتصور ان الخطوة الاهم على الإطلاق هو وجود منصة قيادة جديدة ،،، ومنها تخرج الافكار والتصورات والبرامج والاجراءات والتواصل والعلاقات وهنا من الممكن ان يغير العالم رؤيته للمشهد ويعيد حساباته وفقا لمصالحة التي بالطبع لن تكون وقتها مع السيسي ،،،