ملفات وتقارير

السودان.. "إعلان الطوارئ" يبرز دور العسكر في السياسة

خبراء سودانيون يصفون إعلان الرئيس البشير لحالة الطوارئ بأنه "انقلاب أبيض" (الأناضول)
خبراء سودانيون يصفون إعلان الرئيس البشير لحالة الطوارئ بأنه "انقلاب أبيض" (الأناضول)

تطرح الإجراءات التي اتخذها الرئيس السوداني عمر البشير أمس "الجمعة" وفي مقدمتها إعلان حالة الطوارئ، تساؤلات تتصل بدور المؤسسة العسكرية ضمن سيناريوهات عملية الانتقال السياسي في السودان.

شرعية الثورة:


كانت ردة الفعل سريعة من قبل الشباب الثائر إزاء التغييرات التي أحدثها البشير، باعتبارها غير كافية، وأن مطلب "تسقط بس" ما يزال قائما والداعي إلى تنحي البشير وحكومته عن سدة الحكم.

 

إقرأ أيضا: البشير يعلن الطوارئ وحل الحكومة وتجميد تعديل الدستور

وقال نشطاء لـ "عربي 21": "إن تلك الإجراءات بخاصة إعلان حالة الطواري في كل أرجاء البلاد لأول مرة منذ الانقلاب العسكري عام 1989م، هي شبيهة بالخطوات التي اتخذها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك"، لكن فريقا آخر من الناشطين يؤكد بأنهم لا يمانعون في دور للجيش في العملية السياسية إذا كان انحيازا للشباب الثائر وضامنا لعملية الانتقال السياسي.

 

كما يسود بين بعض تيارات دعاة التغيير رؤية أخرى، تنظر إلى فرض حالة الطوارئ وملامح عسكرة الدولة، بأنها محاولة لإيجاد شرعية جديدة توفر استقرارا سياسيا، وربما رسالة إلى الخارج خصوصا المحور الخليجي الذي ساند ودعم وصول الجيش إلى السلطة في مصر. ويرى هؤلاء أن هذه الفرضية تراهن على الدعم الخليجي لتحسين حالة الاقتصاد المتدهور، بيد أن أصحاب هذه التحليل يرونها تقود إلى "وضع هش" لأن المعارضة بكافة مدارسها الفكرية قد تتوحد خلف الشباب الثائر في رفض هذا النوع من التسويات، إلا في حالة كانت بضمان كونها عملية انتقالية محددة الآجال.

بينما يقول الصحفيون الذين حضروا لقاءا مع مدير الأمن والمخابرات الفريق صلاح قبيل إعلان البشير قراراته المسائية بساعات، إن هدف إعلان الطوارئ يتعلق ببدء حملة ذات مصداقية لوقف تبديد الموارد والسيطرة على أسعار العملات، ومواجهة أكثر قوة لظاهرة الفساد، التي ربما تشمل جهات لديها نفوذ في السلطة، وأن اختبار تأثيرها على المستوى السياسي يتوقف على مدى فاعليتها.

قلق وارتباك:

وأظهر التشكيل الحكومي الجزئي الذي أذاعه القصر الرئاسي في وقت مبكر صباح اليوم الأحد، تعيين جميع حكام الولايات من كبار جنرالات الجيش وجهاز الأمن والمخابرات، ما أثار مخاوف لدى حزب المؤتمر الوطني الذي كان مهيمنا على حكومة الوفاق المحلولة، وذلك بعد أن أعلن البشير في خطاب مُتلفز بأنه صار رئيسا للبلاد على مسافة واحدة من كافة القوى السياسية.

 

إقرأ أيضا: البشير يعين وزير الدفاع نائبا أول له.. ورئيس حكومة جديد

وكان لافتا أن حملت إحدى وسائل الاعلام الالكترونية المقربة من حزب المؤتمر الوطني، نبأ تعيين الرئيس البشير لحكام الولايات، ووضعت عنوانا له "إعادة الإنقاذ لسيرتها الأولى"، ما يعني ضمنيا إعادة شكل الحكم في البلاد للفترة التي سيطر فيها مجلس عسكري على الحكم برئاسة البشير، وذلك بعد الانقلاب الذي أطلق عليه "ثورة الانقاذ" في حزيران (يونيو) 1989م، حيث جرى بعدها تكوين حزب المؤتمر الوطني عبر رافد رئيسي هو الحركة الاسلامية قبل انشقاقها الشهير العام 1999م باستمرار حزب المؤتمر الوطني في السلطة برئاسة البشير، وذهاب زعيم الحركة الراحل الدكتور حسن الترابي إلى تكوين حزب آخر هو المؤتمر الشعبي.

ويسود القلق والارتباك عضوية حزب المؤتمر الوطني وحلفائه في الحكومة التي قام بحلها الرئيس البشير أمس الجمعة، ما استدعى أن تنقل صحيفة الرأي العام السودانية الصادرة اليوم على عنوانها الرئيس "المانشيت" تصريحا لمساعد الرئيس السابق ونائبه في المؤتمر الوطني فيصل بأن البشير هو رئيس المؤتمر الوطني وسيقود الحوار من مظلة قومية.

ويقول الصحفيون الذين شهدوا لقاء مدير الأمن والمخابرات، إن هذا التصريح ينفي ما ذكره قوش في لقائه بوسائل الاعلام.

ويتيح الدستور، تعيين الولاة الذين هم أيضا بحكم مناصبهم رؤساء حزب المؤتمر الوطني في الولايات من صلاحيات الرئيس البشير، وبالتالي فإن رؤساء الحزب في الولايات هم الآن نواب حكام الولايات السابقون.

ويضع قانون الطوارئ نظريا معظم سلطات الحكم لدى السلطة التنفيذية، ما يعني حكام ولايات السودان المنتمين للمؤسسة العسكرية التي يقودها الرئيس البشير نفسه المكلف دستوريا بإعلانه على أساس ما يهدد السلامة واستقلال البلاد.

وعادة تتيح لائحة قانون الطوارئ، تحديدا لحقوق وحريات المواطنين مثل إلقاء القبض على المشتبه بهم لفترات قد تكون غير محددة دون توجيه اتهام، أو منع حق التجمع أو التجول في أوقات وأماكن محددة."

انقلاب أبيض

يرى المحلل السياسي علي عثمان سليمان في حديث لـ"عربي 21"، أن خطاب الرئيس البشير، يضع البلاد في مرحلة سياسية جديدة وهي اكتمال المفاصلة بين الإسلاميين وبين العسكر الذين قادوا انقلاب الإسلاميين في نهاية القرن الماضي، موضحا أن الخطوة بتحفظات قليلة هي فتح للملعب السياسي وتغيير للدورة التاريخية التي أضرت بالحياة السياسية السودانية، لكن ذلك رهين بمضي الرئيس في مفاصلته الجديدة بلا أي متاريس من تطورات الشارع أو مكايدات القوى السياسية أو عدم قبول حزبه (المؤتمر الوطني) بالانقلاب الأبيض الذي فعله البشير.

ويعتقد سليمان أن الخطوة ربما جاءت من أجل محافظة البشير على سلطته، أو على أيدولوجيته الفكرية أو على سلامته الشخصية، في إشارة إلى اتهامات بحق البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية فضلا عن مخاوف من ثارات المعارضة في الداخل، لكن سليمان يرى أن كل ذلك غير مهم "إذا نظرنا إلى أن البشير قدم خطابا سياسيا غير مكتمل الأركان ولكن يمكن وضعه في خانة المبادرة السياسية لحل الأزمة ويجب أن يتم التعامل معه سياسياً"، كما قال.

أما الباحث في العلوم السياسية الدكتور كباشي البكري، فهو يقول لـ"عربي 21": "إن إشارات الرئيس البشير جاءت مبكرة حول دور بارز للجيش في العملية السياسية، وأن البشير لوح منذ اندلاع هذه الاحتجاجات بعصى الجيش وعزف طبوله إيذانا بدور الجيش وعودته للحياة السياسية بصورة أكبر مما كان في السابق". 

ورأى البكري أن الإجراءات التي اتخذها البشير أمس تحمل إشارة واضحة إلى أن الجيش هو ضامن للحوار الوطني، وأن أيلولة الأمر الآن للجيش كمنقذ وكمخرج للوضع السياسي المتأزم، والمحافظة على قومية الجيش وحياديته. 

دور قديم متجدد

وشدّد الباحث السياسي الدكتور كباشي البكري على "أن دور المؤسسة العسكرية في السياسة بالسودان ليس جديدا"، مشيرا إلى أن السودان تعاقبت على حكمه منذ الاستقلال ثلاث حقب حكم مدنية وثلاثة أنظمة عسكرية، ولا تزال القوى السياسية في رحلة البحث المضنية في الوصول إلى معادلة تحقق استدامة السلام والاستقرار والتنمية والحكم الرشيد.

ويرى أن تجارب المؤسسة العسكرية السودانية في الحكم تطرح السؤال عما إذا كانت تلك الحكومات العسكرية هي حاكمة انطلاقا واستنادا على خلفيتها العسكرية البحتة المجردة من الولاء السياسي الحزبي والأفكار الأيدولجية المدنية أم ارتكزت في وجودها وفي فلسفة حكمها على الولاء السياسي للحزب؟".

ويشير البكري إلى أن الظروف الحالية تدفع بأهمية أستمرار المؤسسة العسكرية فى لعب الدور السياسى التاريخى للجيش السودانى في تحمل الأعباء الوطنية والرغبة في الإصلاح على أن يلتزم هذا الدور بالتجرد والخروج من الانتماء الضيق إلى رحاب الوطن الأوسع، خصوصا وأن الجيش يحظى بأعتبارية كبيرة وارتياح في الشارع غير المنتمي حزبيا.

 

إقرأ أيضا: الإعلان عن احتجاجات جديدة في السودان رغم قرارات البشير

التعليقات (0)