صحافة دولية

واشنطن بوست: ما هو مصير أطفال تنظيم الدولة؟

واشنطن بوست: تواجه حكومات الدول الأوروبية امتحانا فيما يتعلق بمصير مقاتلي تنظيم الدولة وعائلاتهم- جيتي
واشنطن بوست: تواجه حكومات الدول الأوروبية امتحانا فيما يتعلق بمصير مقاتلي تنظيم الدولة وعائلاتهم- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها مايكل برنباوم من مدينة رانتس في بلجيكا، تحت عنوان "آباؤهم انضموا إلى تنظيم الدولة ونشأوا في الخلافة فهل يمكنهم العودة إلى الوطن؟".

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الكاتب التقى فاتحة، التي جاء والداها من المغرب، وتنتظر أحفادها الستة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 أشهر إلى 7 أعوام العالقين في سوريا، ولا يعلمون متى سيسمح لهم بالعودة، ويسألون جدتهم متى ستأتي وتخرجهم ومتى سيعودون.

 

ويقول برنباوم إن عائلات من ذهب أبناؤها إلى سوريا تدفع لعودة الأطفال الذين لم يرونهم إلا في الصور، وهم ينظرون إليهم وهم في الصحراء، فالانسحاب الأمريكي القريب من سوريا، وانهيار تنظيم الدولة، قادا إلى حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، وجعلا مصير العائلات الأجنبية في مركز الاهتمام.

 

وتنقل الصحيفة عن فاتحة (46 عاما)، قولها: "ننتظرهم وكل شيء جاهز لهم"، فقد مات آباء الأطفال في سوريا، وتواجه بنت فاتحة وزوجة ابنها السجن في حال العودة، ولهذا تحضر فاتحة نفسها للعناية بهم، مشيرة إلى أن فاتحة تحدثت بشرط عدم الكشف عن اسم عائلتها؛ حتى تحمي أحفادها.

 

ويلفت التقرير إلى أن حكومات فرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية، التي انجذبت أعداد كبيرة من أبنائها نحو تنظيم الدولة، عندما توسعت مناطقه في العراق وسوريا، تواجه امتحانا فيما يتعلق بالمقاتلين الذين أسروا في المعارك الأخيرة، وكذلك أبناؤهم وزوجاتهم، مشيرا إلى أن معظم الدول تناقش موضوع الأطفال الصغار، الذين لا تتجاوز أعمارهم السادسة وحجم المسؤولية عنهم، وتناقش المحاكم فيما إن كان حق الجنسية يمتد للأطفال في حال عاد الأب أو الأم إلى أوطانهم.

 

ويفيد الكاتب بأن هناك نقاشا حول حق العائلات التي فر أبناؤها وبناتها إلى سوريا والعراق، بحضانة هؤلاء وإمكانية الثقة بهم، لافتا إلى أن الجماعات الكردية تقدر عدد أطفال المقاتلين الأجانب بحوالي 1300، وأعادت روسيا الأسبوع الماضي سبعة منهم، فيما تفكر فرنسا في السماح لـ100 من المقاتلين بالعودة مع عائلاتهم، حيث سيواجهون المحاكم.

 

وتذكر الصحيفة أن الرئيس دونالد ترامب دعا الدول الأوروبية للسماح لمواطنيها بالعودة ومحاكمتهم، وقال يوم الأحد: "البديل ليس جيدا وسنجبر على الإفراج عنهم"، وقال: "لا تريد الولايات المتحدة مشاهدة هؤلاء المقاتلين يتسللون إلى أوروبا التي من المفترض أن يعودوا إليها".

 

ويستدرك التقرير بأن الحكومات الأوروبية حسبت أن الجانب السلبي لعودتهم، الذي ربما كان الخطر يتفوق على الحاجة لعودة أبنائهم، مشيرا إلى أنه في حالة فاتحة فإن قاضيا قرر بأحقية عودة أحفادها وابنتها وزوجة ابنها لمواجهة المحاكمة في البلاد، وصدر حكم على المرأتين غيابيا لانتمائهما إلى حركة إرهابية، وستقضي كل واحدة منهما فترة خمسة أعوام في السجن حال وصولهما. 

 

وينوه برنباوم إلى أن القاضي أكد أن بقاء الأطفال في سوريا وفصلهم عن أمهاتهم يعني خرق حقهم الطبيعي، لافتا إلى أن الحكم قد صدر في 26 كانون الأول/ ديسمبر، وأدى إلى ردة فعل من القادة البلجيكيين، الذين يخططون لتقديم استئناف ضده يوم الأربعاء، وتتوقع السلطات أن أي سابقة من المحكمة ستؤثر على بقية العائلات، حيث يعتقد أن هناك 22 عائلة بلجيكية في المخيمات في سوريا، بالإضافة إلى 160 مقاتلا في مناطق القتال.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن وزيرة الهجرة ماغي دي بلوك، قولها: "لن نأخذ الأطفال بجريرة آبائهم"، وأضافت: "بالنسبة للآباء فإن الوضع مختلف لأنهم اختاروا، وعن قصد، التخلي عن بلدنا، بل القتال ضدنا"، وتابعت قائلة: "يجب أن يكون للتضامن حدود.. الحرية التي تستمتع فيها ببلدنا  وقدرتك على اتخاذك قراراتك بحرية تعني أنك تتحمل المسؤولية عنها".

 

وينقل التقرير عن وزير العدل البلجيكي كوين غينز، قوله في رد على تغريدات ترامب يوم الأحد، إن بلاده على اتصال مع فرنسا وبريطانيا وهولندا؛ لمناقشة تداعيات عودة المقاتلين من سوريا.

 

ويقول الكاتب إن "التعاطف في بلجيكا يذهب إلى مستوى معين، فهناك قلق، خاصة أن بلجيكا تعد الأعلى من ناحية المشاركين في تنظيم الدولة بالنسبة لعدد السكان، بالإضافة إلى أن الكثير من السكان يشعرون بالخوف ويتذكرون الهجمات على بروكسل في عام 2016، عندما استهدف بلجيكيون محطة قطار في هجوم قاتل، وحفلت أعمدة الصحف بالكثير من التحليلات التي قالت إن الأطفال الذين عاشوا في ظل الخلافة تشربوا أفكارها، وتعرضوا للأفكار المتطرفة، رغم عدم وجود أدلة تشير إلى هذا الأمر".

 

وتنقل الصحيفة عن عضو البرلمان الإقليمي المتحدثة باللغة الهولندية نادية سميناتي، قولها: "نريد حماية هؤلاء الأولاد وكذلك أبنائنا"، وأضافت: "هؤلاء الأطفال نشأوا في ظل قيم وأعراف مختلفة غير تلك التي تربى عليها أبناؤنا، ويجب ألا نكون سخيفين، وقد شاهدوا أبشع عالم". 

 

وبحسب التقرير، فإنه "عندما تريد فاتحة الترويح عن نفسها فإنها تشاهد شريط فيديو أرسلته لها ابنتها في الصيف، وحياتها قاتمة، وهناك زيارات من الشرطة للتأكد من عدم تربية الأولاد على الأفكار الراديكالية، أو مكالمة لمحاميها الذي يحاول دفع الحكومة البلجيكية لتنفيذ قرار المحكمة، بالإضافة إلى رحلة إلى بروكسل مع بقية الجدات من أجل الضغط على صناع السياسة التعامل مع قضية الأطفال بجدية، وتشعر بالقلق على مصيرهم بعدما أخذوا إلى سجن في دير الزور ونقلهم لمكان أكثر قسوة.

 

ويورد برنباوم، نقلا عن فاتحة، قولها إن واحدا من أحفادها يعاني من إسهال مزمن، وآخر يعاني من الربو، لكن لا يوجد علاج، وأضافت فاتحة: "الأمور تزداد سوءا".

 

وتنقل الصحيفة عن بشرى عبدالله، ابنة فاتحة، قولها في مقابلة عبر الإنترنت: "أقول للأطفال: لا تخافوا، لن يحدث لكم شيئا.. لكنهم ليسوا سذجا.. بعد كانون الأول/ ديسمبر شعرنا أننا سنعود في غضون شهر".

 

وتقول فاتحة للصحيفة إن مشكلاتها بدأت في عام 2009، عندما انفصلت عن زوجها، مشيرة إلى أن عائلتها لم تكن متزمتة دينيا، لكن ابنها نور الدين عبدالله انضم إلى جماعة اسمها "شريعة فور بيلجوم"، التي ربطت في عام 2015 و2016 بهجمات في بروكسل وباريس، وحلق نور الدين رأسه وأطلق لحيته، وتزوج من تايانا ويلدنت التي اعنتقت الإسلام، وقد انضمت بشرى وزوجها إلى منظمة "شريعة فور بيلجوم"، وفي عام 2013 عندما كان الجهاديون يتدفقون على سوريا للقتال، فإن بشرى وزوجها وشقيقها نور الدين ذهبوا إلى سوريا، وقتل الرجلان بعد عام من وصولهما، وتركا وراءهما امرأتين حاملين، وعادتا عام 2014.

 

ويشير التقرير إلى أن فاتحة كانت غاضبة لما حدث، لكنها تركتهما يعودان إلى حياتها، حيث عاشوا جميعا في شقة صغيرة، وفي عام 2015 اختفوا جميعا، وتعلق فاتحة قائلة: "شعرت بالطعنة في ظهري، وقلت إنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من حياتي"، لكنها قررت الحفاظ على خط اتصال معهما، وعندما وصلتا إلى الرقة تزوجتا مرة ثانية وقتل زوجيهما في الرقة.

 

ويلفت الكاتب إلى أن العائلات تواجه في الوقت الحالي مشكلة في البيروقراطية الحكومية والأمن والمحاكم. ونقاش في الرأي العام حول طبيعة الأطفال، وكيفية تكيفهم مع الواقع الجديد.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن المحلل النفسي جيريت لوتس من جامعة بروكسل الحرة، الذي ذهب في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي لتقييم الأطفال في المخيمات، وبينهم أحفاد فاتحة، قوله: "لقد دهشت عندما شاهدت أنهم في حالة جيدة.. عندما يتكيف الأطفال فإنهم يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، ويمكنهم أن يكونوا مع الآخرين".

 

ويستدرك التقرير بأن لوتس يقول إن المشكلة تتعلق بارتباط الأطفال مع أمهاتهم، "فلم ينفصلوا عنهن أبدا"، ويضيف أن أخذ الأولاد إلى بلجيكا دون أمهاتهم سيكون "كارثة نفسية"، مشيرا إلى أن عودتهم معا رغم أن النساء سيذهبن إلى السجن يمكن التحكم فيه.

 

وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن النساء تريد العودة إلى بلجيكا، لكنهن مستعدات للبقاء في سوريا إن كان الثمن هو البقاء مع أطفالهن.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)