قضايا وآراء

السفيرة آن.. وشهادتها المنقوصة

قطب العربي
1300x600
1300x600

لم تكد تمر 24 ساعة بعد حديث السيدة آن باترسون، السفيرة الأمريكية السابقة في مصر (ما بين انطلاقة ثورة يناير وحتى فض اعتصام رابعة) حتى فجعتنا أخبار مقتل 15 ضابطا ومجندا، هم كل أفراد أحد المواقع العسكرية في سيناء، على يد مسلحي داعش، في تأكيد عملي لحديثها عن فشل الجيش في مواجهة ألف متمرد في سيناء، رغم كل ما تلقاه من معونات عسكرية جاوزت 35 مليار دولار (حسب تصريحات السفيرة السابقة التي لم تنتفض أذرع نظام السيسي للرد عليها حتى الآن).

كلمات السفيرة السابقة خلال حديثها في أحد المراكز البحثية الأمريكية (التقدم الأمريكي – الجمعة 15 شباط/ فبراير) عن دور الجيش، سواء في مواجهته الفاشلة لدواعش سيناء الذين قدرتهم بألف متمرد، أو في مواجهته العنيفة للحكم الديمقراطي، وإطاحته بالرئيس مرسي في انقلاب عسكري، ربما كانت هي الأصدق في جملة حديثها الذي افتقد الكثير من الصراحة، وتجاهل الكثير من الوقائع الأخرى التي كانت باترسون نفسها طرفا فيها وشاهدا عليها، لكنها لم تذكرها لأنها تمثل إدانة لموقف حكومتها من الانقلاب العسكري في مصر، وقبول تلك الحكومة بهذا الانقلاب الذي نسف التقدم الديمقراطي الذي جلبته ثورة يناير.

 

حاولت آن باترسون أن تقول كلاما يحتمل معاني متعددة، لكن ذلك كان مجرد حيلة منها للهرب من ذكر كل الحقائق التي كانت شاهدة عليها، والتي مثلت تحركات وخطوات الثورة المضادة ضد الحكم المدني

بتركيبتها الدبلوماسية حاولت آن باترسون أن تقول كلاما يحتمل معاني متعددة، لكن ذلك كان مجرد حيلة منها للهرب من ذكر كل الحقائق التي كانت شاهدة عليها، والتي مثلت تحركات وخطوات الثورة المضادة ضد الحكم المدني. وقد تمت بعض تلك التحركات بعلم باترسون، أو حتى بإشارة منها مثل لقائها بمقر حزب الوفد يوم 2 كانون الأول/ ديسمبر 2012 بكل من حمدين صباحي والسيد البدوي ومحمد البرادعي، والذي تسرب منه أنها رسمت لهم خطة عمل تبدأ بنزول 100 ألف متظاهر أمام الاتحادية واعتصامهم لمدة ثلاثة أيام، ليعقب ذلك تدخل الجيش لإنهاء حكم الإخوان، كما أنها لم تذكر شيئا عن لقائها قبيل ساعات من وقوع الانقلاب برئيس أركان القوات المسلحة صدقي صبحي. ورغم إعلانها أنها التقت بالسيسي 32 مرة حين كان وزيرا للدفاع، إلا أنها لم تذكر شيئا عن تفاصيل تلك اللقاءات.

آن باترسون كانت عين الإدارة الأمريكية وذراعها في مصر، وهي التي كانت تنقل لإدارة أوباما تفاصيل الحالة المصرية لحظة بلحظة، وهي حالة لم تكن مستجدة عليها، فقد سبق لها الخدمة في بعض الدول التي مرت بعمليات تحول ديمقراطي مشابه. ورغم أن تصريحاتها في اول حديث لها منذ خمس سنوات بدت دبلوماسية إلى حد كبير، إلا أنها قالت بعض الحقائق ومنها أن الجيش هو الذي أطاح بالرئيس مرسي، وهو ما يعني عدم تصديق الأمريكان لكذبة الثلاثين مليون متظاهر، ولكنها إدعت في السياق ذاته أن الجيش هو الذي أطاح بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي مساواة غير عادلة وغير صحيحة في المشهدين، ففي 25 يناير كان الشعب هو الحاضر بقوة، وهو الذي أصر على رحيل مبارك، ولم يجد المجلس العسكري أمامه من بد سوى الاتفاق مع مبارك على الرحيل الآمن، على أمل إعادته للحكم بعد هدوء الأوضاع، ولكن قوة الدفع الثوري حالت دون تحقيق ذلك الوعد، ومع ذلك وفرت القوات المسلحة إقامة مريحة لمبارك، سواء في شرم الشيخ أو في المركز الطبي العالمي.

 

قالت بعض الحقائق ومنها أن الجيش هو الذي أطاح بالرئيس مرسي، وهو ما يعني عدم تصديق الأمريكان لكذبة الثلاثين مليون متظاهر، ولكنها إدعت في السياق ذاته أن الجيش هو الذي أطاح بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي مساواة غير عادلة وغير صحيحة

ورغم علمها بتفاصيل المؤامرات التي حيكت ضد الرئيس مرسي، وتقاعس أجهزة الدولة عن أداء دورها بهدف إظهار عجز أو فشل الرئيس مرسي، إلا أن السفيرة الأمريكية لم تذكر ذلك، بل ادعت أن الرئيس مرسي لم يكن مؤهلا، وأن مستشاريه كانوا بلا خبرة، في محاولة لتبرير موقف إدارتها المخزي من الانقلاب، الذي أكدت أنها كانت تعلم بدور السعودية والإمارات في الترتيب له (وتجنبت الحديث عن دور إسرائيل)، والذي لم تصفه إدارتها بشكل صريح بوصفه الصحيح (انقلاب)؛ لأنها حسب شهادتها أرادت استمرار العلاقة والدعم للعسكريين (الانقلابيين).

لقد أحسنت السفيرة باترسون للرئيس مرسي من حيث أرادت الإساءة له، حين وصفته بـ"المتعجرف"، فقد كان مرسي منتميا لثورة 25 يناير، ولذلك رفض الإملاءات الأمريكية التي كانت تجد طريقها للتنفيذ بشكل روتيني مع الرؤساء السابقين، كما أن موقف الرئيس مرسي من الكيان الصهيوني ووقوفه ضد العدوان الإسرائيلي على غزة في 2012 كان مؤلما للإدارة الأمريكية التي تحدد سياساتها في المنطقة بشكل أساسي بناء على أمن واستقرار إسرائيل، وهو ما أكدته السفيرة في شهادتها، حين أشارت إلى ثلاث نقاط رئيسية لتفسير السياسة الأمريكية في مصر أولها هي "السياسة الأمريكية الثابتة تجاه مصر منذ عقود وكلها تدور حول حفظ السلام مع إسرائيل". وقالت: "نعم كانت هناك مراحل صعود وهبوط ومبادرات ديمقراطية وغير ذلك، ولكن عندما يصبح الأمر حرجا يتراجع كل ذلك من أجل العلاقات الجيدة مع إسرائيل". ومن الواضح أن السفيرة وإداراتها لم تغفر لمرسي موقفه المتشدد من إسرائيل، حين قال كلمته الشهيرة أثناء العدوان على غزة: "لن نترك غزة وحدها"، وأرسل رئيس وزرائه هشام قنديل فورا محملا بالمؤن اللازمة لأهل القطاع، وهو ما أربك حسابات سلطات الاحتلال ودفعها لوقف عدوانها سريعا.

 

أحسنت السفيرة باترسون للرئيس مرسي من حيث أرادت الإساءة له، حين وصفته بـ"المتعجرف"، فقد كان مرسي منتميا لثورة 25 يناير، ولذلك رفض الإملاءات الأمريكية

شهادة السفيرة آن باترسون، وما سبقتها من شهادات لكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية السابقة، مثل نائب الرئيس ووزيري خارجيته ودفاعه ومستشار للأمن القومي، والتي نقلها مراسل نيويورك تايمز في القاهرة ديفيد كيركبارتيك، في كتابه في قبضة العسكر، كلها تؤكد أن الإدارة الأمريكية كانت تعلم بتفاصيل التأمر على الرئيس مرسي، سواء من وزير الدفاع حينذاك عبد الفتاح السيسي، الذي التقته آن باترسون 32 مرة حسب شهادتها، والذي كان وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل في اتصال دائم معه، أو الدعم السعودي الإماراتي للثورة المضادة، أو حتى من خلال لقاءات السفيرة ببعض رموز القوى المدنية (قادة جبهة الإنقاذ)، ومع ذلك لم تفعل الإدارة الأمريكية شيئا لوقف تلك المؤامرات؛ لعدم ارتياحها للرئيس مرسي للأسباب السابق شرحها والمتعلقة أساسا بموقفه من إسرائيل، وهذا الموقف الأمريكي يتناقض تماما مع إدعاءات أذرع الانقلاب التي حاولت الترويج لمزاعم عن دعم أمريكي للرئيس مرسي ولجماعة الإخوان لعبت فيه السفيرة آن باترسون دورا محوريا عبر لقاءاتها برموز الإخوان، وهي لقاءات وصفتها السفيرة بأنها جزء من صميم عملها، وأنها لم تقتصر على الإخوان، بل تمت مع كل الفاعلين في المشهد السياسي المصري.

التعليقات (1)
مصري جدا
الأحد، 17-02-2019 05:30 م
حديث الذكريات لا يستدعيه إلا الضعفاء وأصحاب الإخفاقات ،،، إما لتبرير فشلهم او لإعلان أنهم أصحاب المبادئ والقيم ،،، حتى حديث القيم نفسه لا يستدعيه إلا الضعفاء وأصحاب الإخفاقات ،،، أما الأقوياء فلهم حديث آخر يشبه لحد كبير حديث السفيرة الأمريكية ،،، لكن العرب والمسلمين يعشقون القصص والحكايات ومنذ زمن عندما انتقلوا من منصة الادارة وعربة القيادة إلى السبنسة ،،، وربما هذه هي طبيعة الانسان بصفة عامة ،،، الخلاصة ان كل هذه الحكايات ليست من أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع القائم ،، ما يؤكد حتمية الحاجة إلى منصات قيادة جديدة بمستوى المرحلة