صحافة دولية

"لوموند": في المملكة السعودية انفتاح خاضع لرقابة مشددة

مخاوف شديدة لدى المسؤولين من التصريح أو التعامل مع الصحافة- جيتي
مخاوف شديدة لدى المسؤولين من التصريح أو التعامل مع الصحافة- جيتي

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على موجة الانفتاح في المملكة العربية السعودية، في ظل رقابة سياسية مشددة مفروضة على مجتمع باتت تسيطر عليه مشاعر الخوف.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إن الرياض تعتبر واجهة لمشروع التحديث السلطوي لولي العهد محمد بن سلمان في ظل كل ما توفره من أنشطة ترفيهية، وتخفيف القيود المفروضة على المرأة، وسط خوف متفاقم بسبب قضية خاشقجي.

وعلى الصعيد الاجتماعي، تحسنت أحوال العاصمة السعودية، خلافا لما هو عليه الوضع السياسي. فقد تم الترحيب بكل سرور بمنح حق القيادة للمرأة، الأمر الذي يعد أهم إصلاحات سنة 2018. في المقابل، يسود الصمت بمجرد ذكر اسم جمال خاشقجي، الصحفي الذي اغتيل في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول، والناشطات اللاتي يتعرضن للتعذيب في السجن.

ونقلت الصحيفة عن مصدر سعودي رفض الكشف عن هويته قوله إن "السعوديين يشعرون بالخوف الشديد. ففي العقد الأول من القرن الحالي، كنا نناقش جميع المواضيع تقريبا. لكن منذ سنة 2011، تم تقييد حرية التعبير. واليوم، وبسبب الأحداث التي جدت خلال الأشهر القليلة الماضية، أصبح الناس كما لو أنهم في حالة شلل، حيث لا يجرؤ أحد على معارضة السلطة أو الإشارة إلى أخطاءها. إن هذا خطير حقا".

 

إقرأ أيضا: الجبير بعد اتهامات جديدة حول خاشقجي: ابن سلمان خط أحمر

في شارع التحلية، يجلس رجال في شرفة مطعم أمام شاشة تلفزيونية تعرض تحليلا لما قبل مباراة السعودية وقطر في كأس آسيا لكرة القدم. في هذا المكان، لم تبال مجموعة من ست شابات بالنادل الذي طلب منهن الجلوس في الداخل، أي في المساحة المخصصة للإناث. وفسرت نورا، التي خرجت من قاعة الألعاب الرياضية التي تعمل فيها كمدربة، هذا الأمر قائلة: "نحن نريد أن ندخن".

وأضافت الصحيفة أن الرياض لا تزال مدينة محافظة ويشعر الوافد الجديد إليها بالاختناق بسبب العديد من الجوانب. لكن بالنسبة للمعتادين عليها، تعتبر هذه الأمور من علامات التغيير. وتتعلق آخر التغيرات المتعلقة بالنساء في حصولهن على رخص سياقة والتمكن من القيادة، واكتسبن بالتالي شكلاً من أشكال التحكم غير المسبوق في حياتهن.

ومن علامات التغيير الأخرى؛ كثرة المقاهي ذات الشرفة، وهو ما يعد مخالفا لـ"الأخلاق الوهابية"، التي تقيد الحياة الاجتماعية في أماكن مغلقة. فضلا عن ذلك، بات احترام مواقيت الصلاة، التي من المفترض أن تسدل خلالها المتاجر الستار، أقل صرامة. وبدأ الفصل بين الجنسين، أحد أهم المبادئ المؤسسة للمملكة العربية السعودية، بالاختفاء تدريجياً، وخاصة في العمل حيث تتزايد أعداد النساء.

وبينت الصحيفة أن العمل كصحفي في الرياض يتطلب التزام الصمت نوعا ما. ويعد مسؤولو وزارة الإعلام بإجراء لقاءات مع المسؤولين الحكوميين، ثم لا يوفون بهذه الوعود. ويقول أحد رجال الأعمال الغرب المطلعين على شؤون المملكة إنه "في الوزارات، يشعر الجميع بالخوف. لم تكن المملكة العربية السعودية أبدا دولة بوليسية، لكنها توشك على أن تكون كذلك".

في الأثناء، يشعر الجميع بالخوف من سوء اقتباس تصريحاتهم أو مجرد ذكرها ببساطة، أو حتى أن تصل إلى مسامع الآخرين. فقد يحدث أن يشحب وجه أحد رجال الأعمال عند إخراج دفتر ملاحظات في منتصف مناقشة "خارج التصوير"، أو أن يقطع مدير المستشفى المحادثة عندما يتم إخباره في عشاء غير رسمي بأن من يتحدث إليه هو صحفي، أو أن تنظر طبيبة ملتزمة بحقوق المرأة إلى حذائها عندما تُسأل عن رفيقاتها المسجونات، قبل أن تقول بنظرة شاردة "لا أفهم شيئا، من المؤكد أن أمرا ما قد حدث".

وتطرقت الصحيفة إلى أن خبيرا استشاريا دعي مؤخرا إلى حفل عشاء في الحي الدبلوماسي، الذي يضم معظم السفارات الأجنبية، نقل طرفة ذات مغزى. فمع موعد وصولهم، أُجبر جميع الضيوف على وضع هواتفهم المحمولة في مبرد يحتوي على قارئ صوتيات يبث الموسيقى. ثم أغلق صاحب المكان غطاء المبرد، قبل أن ينقله إلى الطرف الآخر من منزله. ثم خاطب ضيوفه قائلاً: "الآن يمكننا التحدث بهدوء".

وبعد أخذ القليل من الاحتياطات، أقر أحد المصادر المقربة من الدوائر الحاكمة بأن "السينما والحفلات الموسيقية رائعة في السعودية، ولكنها ذات نزعة استهلاكية، فهي تحول السكان إلى مصدر ربح فقط، علما وأن الأمر الملح يتمثل في خلق فرص عمل للشباب. ولسوء الحظ، ليس الوضع جيدا، خاصة في ظل أزمات الأشهر الأخيرة، مثل حادثة ريتز كارلتون وتصفية جمال خاشقجي، ما قد زعزع استقرار المستثمرين. نحن لا نعرف إلى أين تسير البلاد".

وأوردت الصحيفة أنه على تويتر، يخفف علي الشهابي، مدير مؤسسة "العربية"، وهي مؤسسة فكرية مؤيدة للرياض، من حدة هذه المخاوف. ويعتبر أنه في مجتمع "مستقطب" كما هو الحال في السعودية، لا يمكن للتحديث الذي يرغب ولي العهد السعودي بتطبيقه أن يحدث إلا بطريقة استبدادية.

 

ويفيد خبير مالي عربي، متواجد في الرياض منذ فترة طويلة، بأن "محمد بن سلمان يشبه جرافة تسير بسرعة 200 كيلومتر في الساعة. فهو يدمر العديد من الأشياء المتواجدة في طريقه، لكنه يفتح طرقا جديدة أيضا".

التعليقات (0)