قضايا وآراء

مشكلات المصريين في تركيا وحلولها

عصام تليمة
1300x600
1300x600

لعل مشكلة الشاب المصري محمد عبد الحفيظ، والذي تم ترحيله من تركيا إلى مصر، حيث يعاني ويلات التعذيب على يد حكم العسكر الآن، نسأل الله له السلامة والعافية من شرورهم وأذاهم، كانت مشكلته سببا في فتح النقاش المعلن على صفحات التواصل الاجتماعي حول ملف المصريين في تركيا، وبخاصة من ناحية إقامتهم فيها إقامة قانونية، تجعلهم في مأمن من الملاحقة، أو التسليم لنظام السيسي.


ومن العبث تناول موضوع محمد عبد الحفيظ بمنأى عن الملف برمته، وهو تعامل القيادات التي أمسكت بملف المصريين منذ خروجهم من مصر، متفرقين في البلاد شرقا وغربا، طولا وعرضا، مطاردين، في ظروف صعبة جدا، لا تقل سوءا عن أوضاع المطاردين في مصر، أو المعتقلين فيها، إلا من حيث أنهم ليسوا في سجونه، لكنهم ليسوا بمنأى عن سوء المعاناة، إن لم تكن اقتصادية حيث لا عمل، ولا عمل دعوي يشغل وقت من لا يحتاج للمال، ولا اهتمام بحالهم من حيث الحاجة الاجتماعية للتواصل. ومشكلات أخرى لا يتسع مقالنا هنا للحديث ولو عرضا عنها.


منذ أول يوم قدم المصريون إلى تركيا بعد الانقلاب، والتواصل مع الهيئات الحكومية في ملف المصريين لا يرقى لمستوى التقدير المناسب لحالهم، ولا لمكانتهم، فقد لاحظ الجميع أن ملف إقامات المصريين يدخل تحت باب ما يسمى بالإقامة الإنسانية، وهو ملف مؤرق لأصحابه، وله مشكلاته التي تحتاج إلى حل جذري، لكنه يدخل تحت باب أخف الضررين، والأعور أحسن من الأعمى، إقامة تأتي بصعوبة خير من عدمها.


عند قدوم المصريين لتركيا قاموا بتأسيس جمعية ينضوي تحتها الجميع، تحت اسم جمعية (رابعة)، لتخدم الجميع في تركيا، ولكن استحوذ عليها فصيل من الإخوان المسلمين في تركيا، وهو ما فصلنا بعضه في مقالنا السابق: (هل تريد قيادات الإخوان الاصطفاف الوطني)، فاضطرت بقية الفصائل لتكوين جمعيات هي الأخرى، ثم بدأ المصريون في التفتت، كيان هنا، وآخر هناك، في ظل تعصب فئة معينة تحدثنا عنها من قبل، في حب الاستحواذ والسيطرة على كل شيء للأسف. 


لم يكن مستغربا من أحد مستشاري رئيس وزراء تركيا سابقا أن يخرج على قناة مكملين، فيقول: لا يوجد أي تواصل لقيادات الإخوان أو المصريين مع القيادة التركية بأي شكل ما.

 

وفي إفطار رمضاني منذ أكثر من عامين، وقبل انقلاب يوليو (تموز) في تركيا، كنا مجموعة من المصريين، وقد دعا الدكتور محمد قورماز، رئيس الشؤون الدينية الأسبق الدكتور أيمن نور للإفطار، وترك له حرية دعوة عدد من المصريين معه. 


حضرنا في القصر الذي نفي فيه الخديوي المصري عباس الأول، وبعد الإفطار الكبير الذي أقامته الشؤون الدينية، انفرد بنا نحن مجموعة من المصريين، كان عددنا يقل عن عشرة أفراد، ثم طلب أن يتحدث كل منا حديثا قصيرا، فالوقت لديه ضيق، وقد لاحظ في حديثنا أنها كلها تتكلم عن مشاكل المصريين في تركيا. فتكلم الرجل كلاما دقيقا ومحددا ومهما. 


فقال: إن عيبكم أن ليس لكم كيان يمثلكم كمصريين، ويعبر عنهم، فقط أفراد، ومشتتون، ومتفرقون، عليكم أن تنشئوا كيانا قانونيا يمثلكم، يخاطب الدولة وتعتمده.

 

أصبح من العيب على جالية معظمها من النخبة، يحسدها كل الجاليات الأخرى على رموزها، لتكون للأسف فئة من هذه النخبة سببا في كل نكباتها في مصر وخارجها!!

خرجنا من اللقاء وكلنا حرج من أن حالنا مكشوف جدا عند الأتراك بهذا الشكل، ولكل المستويات، سواء الحكومية أو الشعبية، فقط لدينا رصيد عندهم من الحب يكنونه لأهل مصر، وأهل رابعة، أما القيادات فالحديث عنها مخز ومؤلم، وذو شجون.


اجتمعت كلمة كثير من الناس على أنه من الضروري أن يتشكل كيان، يمثل الجالية المصرية في تركيا، وسعى في ذلك عدد من المصريين ممن لا يحسبون على جهة محددة، بل يمثلون معظم التوجهات، ولكن رأت بعض القيادات كذلك أن الكيان لم يخرج من تحت إبطها، فتم محاربته من عدة أفراد.

 

وأيضا كان حال الجالية المصرية كحال بقية الكيانات التي بينت من قبل حالها، كاتحاد دعم الشرعية، والمجلس الثوري، والتنسيقيات والمبادرات.


ولا تزال مشكلة المصريين في تركيا تزداد، ولا تتوقف عند حد معين، بعد أن ضاقت على كثير منهم دول كثيرة، شبابا صغارا كانوا أم كبارا، ودخلت الخلافات الإخوانية الضيقة على خط خدماتهم الشخصية، بتفاصيل نشرت وقتها إعلاميا، وبدل أن كانت جماعة الإخوان تفتح حضنها لمن ليس منها، ابتليت بقيادة تطارد أهلها، ومن ساهموا في بنائها من جهدهم ومالهم ونشاطهم، بل امتد خلافهم لكل الكيانات التي ليست من الإخوان، وأصبحت العقبة الكؤود أمام توحد الجميع: تصلب مجموعة من القيادات، أمام كل محاولة للم شمل الجماعة سواء الإخوانية أو الوطنية.


هذا عرض موجز جدا لمسار تواجد المصريين مع أهم مشكلة تواجههم، وهي الإقامة القانونية في تركيا، فضلا عن بقية المشكلات الحياتية من تعليم وعمل وغيره، ثم تفجرت مؤخرا قضية الشاب محمد عبد الحفيظ، لتفتح أعين الجميع بما فيها الدولة التركية نفسها، على خلل كبير يجب أن يحل وبشكل جذري، فلم يعد يصلح أن ينفرد فصيل مهما كانت الثقة فيه، لتسلم الملف المصري في تركيا، بل على الجميع أن تجتمع كلمتهم على إنشاء كيان قانوني محايد. 


ويمكن أن يبدأ التحرك من تفعيل (الجالية المصرية) التي هي موجودة بالفعل، أو كيان قانوني مساعد معها، على أن يكون أفراد إدارته (تكنوقراط)، لا يكون بالتمثيل النسبي لكيان أو فصيل، بل أناس تحكمهم معايير عادلة، يتم التعامل فيها مع كل حالة مصرية على أنه (إنسان) وفقط، لا ينظر فيها إلى من يتبع سواء داخل الإخوان أو خارجها.

 

فقد أصبح من العيب على جالية معظمها من النخبة، يحسدها كل الجاليات الأخرى على رموزها، لتكون للأسف فئة من هذه النخبة سببا في كل نكباتها في مصر وخارجها!!

[email protected]

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الخميس، 07-02-2019 09:21 م
هذا واقع النخبة فما بالك بعموم الناس ،،، كنت وما زلت على يقين ان نكبتنا في نخبتنا ،،، رحماك ربنا ،،،