قضايا وآراء

محاولة لتقدير تكاليف استفتاء الدستور بمصر

أحمد ذكر الله
1300x600
1300x600
في وقت تعاني فيه الدولة المصرية والمواطن المصري من العوز الشديد، واضطرار الدولة للاقتراض من الداخل والخارج، تجري الترتيبات للاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور، بما يضمن للحاكم البقاء للأبد (الذي يفسره السيسي بأنه حتى الموت فقط)،كما يضمن المزيد من ترتيبات الاستبداد.

وفي ظل غياب كامل للشفافية والمعلومات الرسمية أو شبه الرسمية حول تكاليف العمليات الانتخابية والاستفتاء، لم يبق للباحثين إلا محاولة بناء نموذج تقديري لتكاليف الاستفتاء القادم، لا سيما إذا كانت العملية برمتها تمثيلية رديئة؛ الغرض منها تكفين جثة الديمقراطية، وتزيين بقاء المستبد، على حساب الفقير جدا الذي تواجهه السلطة بسؤال "من أين؟" عندما يطالب بحقوقه، وتتهرب من الإجابة على تساؤلاته: من أين توافرت مخصصات بناء السجون الجديدة؟

كانت تكلفة الاستفتاء على الدستور في 2014 قدرت بـ 1.2 مليار جنيه، وشملت العديد من أوجه الإنفاق، ومن بينها الإنفاق على المستلزمات المكتبية اللازمة لعملية الاستفتاء، والتي يذهب إليها أكثر من 59 مليون مواطن مقيدون في الكشوف الانتخابية، وتشمل كذلك مكافآت القضاة المشرفين على سير العملية وتكاليف التأمين عليهم، بالإضافة إلى بدلات الموظفين والإداريين، وكذلك مصروفات تأمين اللجان ومكافآت وتنقلات العساكر والضباط من الشرطة والجيش في جميع أنحاء الجمهورية، كل ما سبق بالإضافة إلى مصروفات اللجنة العليا للانتخابات ورواتبها التي تدفع طوال العام.

وتتحمل الموازنة العامة للدولة مصروفات العملية الانتخابية والاستفتاء من بند المصروفات الأخرى، والمقدر رقمه خلال موازنة عام 108-2019 بحوالي 71 مليار جنيه.

ومن الجدير بالذكر أن التقدير السابق لحجم الإنفاق على دستور 2014 كان يستند إلى نفس الأرقام التي أطلقها الدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، في أعقاب انتخابات 2012.

وقبل أن نستعرض أهم المستجدات لعناصر التكاليف والمقدر على أساسها تكلفة الاستفتاء السابق، تجدر الإشارة إلى مجموعة من الأرقام ذات الدلالة والداخلة في مكونات تلك التكاليف. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد الناخبين الذين لهم الحق في الإدلاء بأصواتهم حتى نيسان/ أبريل 2018 حوالي 59 مليونا و78 ألف ناخب، بينما بلغ عدد اللجان العامة 367 لجنة، وعدد اللجان الفرعية 13607 لجان. وكان عدد الموظفين والإداريين المشرفين على الانتخابات في ظل الأعداد القديمة؛ 110 آلاف موظف، بينما كان عدد القضاة 18 ألف قاضٍ.. كل ما سبق بخلاف أعداد ضخمة من رجال الجيش والشرطة والعمليات الخاصة بكل متطلباتهم، من معدات وتنقلات ووجبات غذاء ومكافآت.

وبتتبع الأرقام السابقة المكونة للعناصر الرئيسة للتكلفة، يتبين تزايد هذه العناصر بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، فنجد زيادة في أعداد الناخبين لا تقل عن نصف مليون صوت إضافي ناتجة عن الزيادة السكانية، ويترتب على ذلك زيادة في أعداد القضاة والموظفين والإداريين ورجال الأمن، وما يقابلها من زيادة في المصروفات.

وبمقارنة عدد الأصوات في 2012، والبالغ 51 مليون صوت، بعددهم في الانتخابات الأخيرة، وهو 59 مليونا ومن المتوقع تخطيهم حاجز 60 مليونا في الاستفتاء القادم، فمن المتوقع الحاجة إلى زيادة أعداد المشرفين والإداريين بما يقارب 1200 موظف، طبقا لنسبة (موظف واحد إلى 550 مواطن والمحسوبة من بيانات الانتخابات الأخيرة)، وكذلك فإنه طبقا لنفس نسبة أعداد القضاة إلى المواطنين (قاض لكل 3334 مواطنا)، فستحتاج الزيادة الجديدة إلى 300 قاض إضافي إلى القضاة المشاركين في الانتخابات الأخيرة.

وكذلك لا بد من زيادة المستلزمات الكتابية بما يواجه زيادة أعداد المصوتين، ومن الطبيعي زيادة أعداد رجال الأمن من الشرطة والجيش بما يكافئ الزيادات الجديدة لكل من المواطنين والقضاة والموظفين، أخذا في الاعتبار الترتيبات الأمنية الخاصة بتحركات القضاة.

وبالطبع، عندما نتحدث عن التكاليف المباشرة لعملية الاستفتاء يجب أن نأخذ في الاعتبار الزيادة في التكاليف الناتجة عن ارتفاع الأسعار، والتي حدثت بعد بعد تعويم الجنيه وانخفاض سعره إلى 18 جنيها للدولار الواحد في المتوسط، في مقابل سبعة جنيهات للدولار في مرحلة 2012، وهو ما ترتب عليه زيادة في الأسعار لا تقل عن 200 في المئة بين الفترتين.

كذلك يجب أن تؤخذ في الحسبان الزيادات المتتالية في مرتبات القضاة وضباط الجيش والشرطة خلال الأعوام الأخيرة، وهو ما سيشكل محدداً هاما للمكافآت التي سيحصلون عليها نظير مشاركتهم في عملية الاستفتاء.

كما أن ارتفاع معدلات التضخم أدت إلى زيادة أسعار الورق والأدوات المكتبية بما لا يقل عن 150 في المئة خلال الفترة الماضية، وهو ما يرجح زيادة هذا العنصر بنفس النسبة السابقة تقريبا.

من كل ما سبق نستطيع القول ان زيادة التكاليف المباشرة في الاستفتاء القادم ستنتج من زيادة كافة العناصر الرئيسية المكونة لتلك التكاليف، وأن هذه الزيادة لن تقل بحال عن 200 في المئة علي افتراض صحة الرقم المعلن في انتخابات 2012، وبذلك يمكن القول أن تقدير تكاليف العناصر السابقة يتراوح ما بين 3.6 و4 مليار جنيه تقريباً، وذلك بافتراض أن يكون الاستفتاء ليوم واحد فقط، وليس ثلاثة أيام كما حدث من تمديد في مرات سابقة، بحجة عدم الإقبال والذي ما يزال متوقعا في هذه المرة كذلك.

كل ما سبق كان محاولة لتقدير التكاليف التي ستتحملها الموازنة العامة للدولة نقداً للإنفاق على سير العملية بمراحلها المختلفة، ولكن توجد أنواع أخرى من التكاليف سيدفعها الشعب ولكن ليست بصورة نقدية ومباشرة؛ ستضاعف من التكاليف المقدرة سابقاً، ومن أهم تلك التكاليف ما يلي:

- أولى هذه التكاليف ما يمكن أن نطلق عليها تكلفة التعطيل، فمن المعروف ان الحكومة في محاولة منها لتنشيط المشاركة، تعطي إذن نصف يوم غير محسوب لموظفي الدولة لكي يشاركوا، وهذا يعني تقريبا تعطيل يوم عمل كامل في ظل الثقافة السائدة بين الموظفين، خاصة في المصالح الخدمية، كما أن رجال الأعمال القريبين من السلطة أو الباحثين عن رضاها، أو التي ستأمرهم الجهات السيادية كما هو معتاد، ستخرج من مصانعهم الحافلات المحملة بالعمال، ويعني ذلك توقف الإنتاج في تلك المصانع أيضا.

وبذلك نكون أمام اما نصف يوم أو يوم كامل عطلة في كافة أرجاء الوطن، وهو ما يقدره الخبراء بحدود أربعة مليارات جنيه، سيدفعها الشعب بصورة غير مباشرة.

- وثاني هذه التكاليف يمكن تسميته الحملة الإعلانية الإعلامية التي تجهز وتعد وتشحن الجماهير للمشاركة في الاستفتاء، ولنا أن نتخيل بعد سيطرة الشركات التابعة للأجهزة الأمنية على القنوات الفضائية والصحف والصحفيين والعاملين بها، مقدار ما ستتكلفه.

هذه الحملات من وقت وجهد وتخصيص صفحات وبرامج وضيوف، واستدعاء لأعضاء لجنة الخمسين، والتجهيز لافتراس المعارضين، وكم ستكون التكلفة التي ستدفعها هذه القنوات والصحف بصورة مباشرة وسيتم تعويضها من جيوب الشعب في مرحلة تالية.. لا أريد أن أخمن رقماً لا يستند إلى دراسة منطقية، ولكني أتخيل هذ البند لن يقل عن نصف مليار جنيه.

- وثالث هذه التكاليف ما يمكن تسميته التكاليف المستقبلية، لن أتكلم عن تمديد فترات الرئاسة للمستبد وما يسببه من تكاليف فادحة على الوطن والمواطن، ولكن سأشير إلى تكلفة مجلس الشيوخ البديل لمجلس الشورى السابق، والذي طالما قيل عند إلغائه أنه لتوفير التكاليف المهدرة لعدم قيامه بدور يذكر في مراحل وجوده السابقة، ولكني أعتقد أن النظام يري في استعادة مجلس النواب توسعة لفئة المستفيدين من النظام، والتي ضاقت حلقتها بوجود مجلس النواب فقط.

وبافتراض تساوي مخصصات مجلس النواب في موازنة 2018-2019 مع موازنة مجلس الشيوخ المستفتى على وجوده، سنجد أن التكلفة المستقبلية لهذا الإجراء فقط حوالي 1.4 مليار جنيه، سيتحملها الشعب في صورة الموازنة العامة للدولة.

وأخيراً يمكن القول إن مجموع التكاليف المباشرة وغير المباشرة لعملية الاستفتاء تقارب العشرة مليارات جنيه، وهو مبلغ كان يمكن استخدامه في توفير أجهزة لمستشفيات أو لمدارس تواجه تكدس الفصول، بدلا من هذه المسرحية التي يعي الشعب مدى هزليتها.
التعليقات (0)