أفكَار

مفكر مغربي: لا خوف من الحداثة على العرب فللتقليد مقاومته

قال بأن التطور التقني أوجد ثقافة جديدة من شأنها الإسهام في المشروع التحديثي (عربي21)
قال بأن التطور التقني أوجد ثقافة جديدة من شأنها الإسهام في المشروع التحديثي (عربي21)

يميز المفكر والفيلسوف المغربي محمد سبيلا، بين التقنية كآلة، والتي قال بأنها تشهد فتوحات متواصلة، وبين ثقافة التقنية، التي قال بأنها تشهد هي الأخرى تقلبات متتالية، وصراعا مستمرا بين التقليد والتحديث، ينتهي في غالب الأمنر إلى تحديث إجباري. 

وأكد سبيلا في حوار فكري شامل وحصري مع "عربي21"، أجراه معه الكاتب والباحث المغربي بلال التليدي، أن العالم بشكل عام، والعرب على وجه الخصوص، يعيشون موجات متلاطمة من الحداثة، لم يواكبها حتى الآن بحث علمي حول التداعيات السوسيولوجية للتطور التقني.

واعتبر أن الصراع بين التقليد والتحديث هو أمر طبيعي في التطور الحضاري، إذ أن التحديث له مناعته والتقليد له مقاومته، ولكل واحد منهما روح تحرص عليه وتحافظ عليه وتمكنه من المقاومة بشكل أطول لمواجهة تحديات وتعديات الطرف الآخر.

وهذا نص الجزء الثالث من الحوار: 

س ـ يثير التطور الرقمي وشبكة التواصل الاجتماعي اليوم إشكالات خطيرة على مستوى منظومة القيم الدينية ومنظومة حقوق الإنسان نفسها وما يرتبط بالحياة الخاصة والحميمية، هل يمكن أن ندرج هذه التحديات ضم مصطلح إطفاء نزعة التغني التي جاءت بها الحداثة كما هو توصيف ماكس فيبر؟ 

ـ نعم هذا يصدق على توصيف ماكس فيبر، فنحن نعيش موجات متلاطمة من الحداثة، ويتم التقاطها وإدماجها ضمن تحكمات تقنية من خلال إعادة توجيهها. مثلا الفرد يعتقد بأنه حر، وهذا إحدى تمثلات الحداثة، لكن الحتمية التي فرضها تطور التقنية يحد من هذه الحرية ويشوشه مضمونها. 

أستحضر هنا إحدى مقولات سارتر الشهيرة حين قال: "الناس أحرار أن يفعلوا ما شاؤوا بما فعل بهم". في الظاهر إنهم يتغنون بأنهم أحرار، لكنهم في حقيقة ألأمر هم يفلعون ما يطلب منهم أو ما هم مجبورون على فعله، وهذا هو مضمون تفاعل الحرية مع الحتمية. مثلا عندما نستمع إلى استجوابات الجمهور أو ما يسمى بـ"الميكروطروطوار" أو حتى عندما تستمع لبعض النخب التي تستعمل التحليل السياسي، نلاحظ أن ما يقولون هو رجع صدى لما يسمعون. وأن ما شحنوا به من قبل وسائل الإعلام يخزنونه، ويعيدون إنتاجه من جديد، فهم مجرد أصداء. 

 

إقرأ أيضا: مفكر مغربي: الحداثة في العالم العربي بدأت مشروعا إسلاميا

هذه فقط إحدى مكونات الحداثة المرتبطة بمفعول التقنية. وليس لدينا الآن دراسات سوسيولوجية ولا فلسفية حول دور التقنيات في تغيير الذهنيات والتمثلات وصناعة الآراء والأفكار. وهذا المثال يكشف التناقض الحاصل بين المبدأ الذي قام عليه براديغم الحداثة وهو الحرية، وبين مآلاته بعد تدخل التقنية.  وهذا يتطلب منا أن ننظر إلى الحداثة من زاوية الآليات والميكانيزمات والتفاعلات. هذا كمثال لتلاطم وتصادم موجات الحداثة. فمفهوم الحرية الذي تم تمثله واستثماره من قبل حركات التحديث السياسي، والذي انتهى بأفق منظومة حقوق الإنسان وحرية المعتقد والحريات السياسية والنقابية، انتهى في الأخير إلى أن يهدد بالتحديات التي تثيرها موجات تقنية.

 

نحن لا نكاد نستوعب جيلا من الاكتشافات التقنية حتى يأتي جيل جديد


انظر فقط التحول الذي وقع على مستوى هذه التقنيات من الراديو إلى الهاتف إلى الهاتف النقال إلى الهاتف الذكي. نحن نعيش في مرحلة تتطور فيه التقنيات بمتتالية هندسية، لم يعد قانون مور منذ 20 سنة، الذي يرى أن وتيرة التقنية تتطور مرتين أو ثلاث مرات خلال كل ثمانية عشر شهرا ضابطا لوتيرة تطور التقنية، اليوم ربما تضاعفت هذه الوتيرة بشكل أكثر سرعة.

نحن لا نكاد نستوعب جيلا من الاكتشافات التقنية حتى يأتي جيل جديد. نسوق هذا الكلام للحديث من جهة عن دور التقنية في مراجعة مرجعيات الحداثة كما ارتسمت في عهدها الظافر التبشيري، ومن جهة ثانية، للحديث عن أثرها على منظومة القيم في مجتمعاتنا. إذ يحصل تفاعل بين القيم التقليدية والتجديدات التي حصلت داخلها، والقيم التي تحملها التقنية نفسها. وهذا للأسف مجال لا نفهم عنه الكثير، لأن الدراسات في هذا المجال لا تزال نادرة. 

لا بد أن نميز بين التقنية كآلة وبين ثقافة التقنية، المبنية على المردودية والفاعلية والآنية، فالهاتف النقال اليوم أصبح يتيح لك الفرصة للحكم على الأشياء بناء على مردودها المباشر، ومدى النفعية والنتائج الملموسة. للأسف ليس لدينا دراسات تبحث العلاقة بين التقنية وبين القيم، فهذا في اعتقادي يندرج ضمن مجال السوسيولوجيا الفلسفية التي تعنى بالتفكير في المفعولات الثقافية والقيمية للتقنية. 

ينبغي أن نسجل أن الأمر يتعلق بمنظومات قيمية وثقافية متعددة، فهناك من جهة المنظومة التقليدية وتجديداتها، ومن جهة ثانية القيم التي تحملها التقنية، بالإضافة إلى ما تحمله العولمة من قيم أخرى، فضلا عما تحمله التقنية من رسائل ومضامين قيمية وثقافية. فبالإضافة إلى المفهوم اللاواعي للتقنية، هناك المفهوم الواعي الذي يرتبط بالمضمون والرسائل. فهذا الاختلاط والاشتباك الحاصل بين منظومات القيم، هو من حتميات التطور، وليس مسألة اختيارية. 

 

إقرأ أيضا: مفكر مغربي: الربيع العربي بدأ لغزا تاريخيا وشوّش على التحديث

فإذا أخذنا على سبيل المثال شريحة من الشرائح الاجتماعية، ولنقل الشباب، نلاحظ بالضبط تسارع القيم داخل هذه المجموعة. هناك ارتدادات أو مرجعيات تقليدية، مثل بر الوالدين واعتبار الدين والعادات، لكن في الوقت ذاته، نجد لدى هذه الفئة نزعة تمردية شبابية فيها نوع من الحرية الجنسية. الشباب اليوم أصبح معترك تصارع القيم، ونحن من سوء الحظ نحاول أن نحاسبه على سلوكه، كأننا لا ندرك حجم التأثيرات الضخمة التي تداهمه وتلطمه. طبعا لا أقول إننا ينبغي أن نتنكر للتقليد ولثوابتنا الاجتماعية، لكنني فقط بصدد تحليل التقاء مختلف التمثلات الثقافية والقيمية لدى هذه الشرائح، والتي تستمد بعضها من التقليد والموروث الثقافي، وبعضه الآخر من التقنية ومحمولاتها الثقافية والقيمية.

نعيد تركيب الصورة، ونحن نتحدث عن التعثرات التي تحول دون تقدم مشروع التحديث، فنقول إنه بالإضافة إلى انعدام تطور مستقل للمجتمعات العربية، ثمة بلبلة قيمية، تنعكس في شكل مكونات متصارعة في ذهن ووعي ولا وعي الشباب، ونحن نخطئ في ممارسة سلطة اللوم والعتاب، ولا ندرك أن الأمر يتعلق بحتميات وديناميات للأشياء لا نراها، لكننا نتجرعها كل يوم من خلال الحياة العصرية بالإضافة إلى استعمالات التقنية.

س ـ تحدثت عن التعثرات التي تحول دون تقدم المشروع التحديثي في مجتمعاتنا العربية إلى الدرجة التي بدا وكأن هذا المشروع صار أشبه ما يكون بحلم ممتنع التحقق، هل نفهم من تراكم هذه التعثرات أن مسار التحديث وبشكل خاص السياسي منه دخل النفق المسدود في عالمنا العربي؟

 ـ لا ينبغي أن ننسى هنا أن المشروع التحديثي نفسه له دينامياته.فوجود هذه التعثرات المتضافرة، لا تعني أنها تشله أو توقف مساره ودينامياته. ولكن  ينبغي أن نعي بأن  للمشروع التحديثي آلياته وتحايلاته أيضا. وهذا ما يعكس الصراع الخفي والتحتي بين التقليد والتحديث. فهناك مستويات لهذا الصراع. في العمق، النظرية التي أتمسك بها في تفسير هذا الصراع، أن التقليد لا يريد أن يموت، والتحديث لا يريد أن يذهب هباء.إذا استعرنا المفاهيم المثالية، يمكن أن نقول بأن لكل واحد منا روحا يستمد منها قوة الوجود والاستمرار والمقاومة والممانعة. 

ما يهمنا في هذا الصراع أن نركز على الآليات الاستدماجية أو آليات المقاومة والإدماج. التحديث له مناعته والتقليد له مقاومته. نستعير هذين المصطلحين البيولوجيين المناعة والمقاومة لتفسير جوهر الصراع وآلياته بين التقليد والتحديث. فلكل واحد منهما روح تحرص عليه وتحافظ عليه وتمكنه من المقاومة بشكل أطول لمواجهة تحديات وتعديات الطرف الآخر، فروح التقليد تقاوم الخدوش التي يمكن أن تحدثها الحداثة. بل هناك مستوى آخر، وهو المستوى الذي يتلبس به التقليد بالحداثة كي يستمر، وتتلبس الحداثة بالتقليد كي تتمدد وتجد موطئ قدم لها.

التعليقات (1)
مواطن صالح و شريف.
السبت، 02-02-2019 09:32 م
مافيش فايدة .قال ابن خلدون رحمه الله في المقدمة ان العرب ليسوا اهل صنائع اللهم في بعص المجالات بحكم طبيعتهم كالصناعات التقليدية من فخار وجلود و تمور و زرابي لانهم جبلوا على البداوة. الله غالب .