ملفات وتقارير

شبح الغلاء يطارد المصريين بعد مماتهم ويغير عاداتهم

شهدت مصر  عام 2017 وفاة 547 ألف مواطن- جيتي
شهدت مصر عام 2017 وفاة 547 ألف مواطن- جيتي
يبدو أن شبح الغلاء لا يكتفي بتنغيص حياة المصريين وهم أحياء، بل يواصل مطاردتهم حتى بعد الممات، حيث تشهد أسعار المقابر ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، ولم يعد سهلا على الكثيرين توفير مقبرة لدفن موتاهم فيها.

وتظهر المشكلة بشكل أكبر، بحسب مراقبين، في المناطق المكتظة بالسكان مثل القاهرة الكبرى ودلتا النيل بسبب ندرة الأراضي المناسبة أو اجتياج الأهالي إلى استقطاع مساحات من الأراضي الزراعية مرتفعة الثمن لإقامة مقابر جديدة عليها وهو ما يكلف مبالغ كبيرة.

ووفقاً لآخر بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) فإن مصر التي يتجاوز عدد سكانها مائة مليون نسمة شهدت عام 2017 وفاة 547 ألف مواطن.

وعلى الرغم من أن أكثر من 90% من مساحة مصر الإجمالية هي صحراء جرداء، إلا أن هذه المساحات الشاسعة هي ملك للدولة، وتحديدا القوات المسلحة، بموجب قانون صدر قبل عدة سنوات يمنع استغلال أي أراض خالية إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من القوات المسلحة.

المعروض لا يكفي    

الخبير الاقتصادي محمد الشعراوي قال إن أسباب ارتفاع أسعار المقابر هو ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بشكل عام في مصر، منذ قرار الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، والذي أدى إلى ارتفاع كافة السلع والخدمات في البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء وأجور العمالة.

وأضاف الشعرواي، لـ "عربي21" أن قلة الأراضي التي تعرضها الدولة كل فترة بنظام القرعة لإنشاء المقابر عليها يزيد من تفاقم الأزمة، على الرغم من وجود مساحات شاسعة بالظهير الصحراوي المحيط بكثير من المحافظات المصرية، إلا أن الدولة تفضل طرح تلك الأراضي للاستثمار وبناء المساكن بدلا من توفير أماكن كافية لإقامة المقابر.

وأوضح أن متوسط سعر أقل مقبرة في المدن الجديدة التي أنشأتها الدولة مثل السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان، والتي تبلغ مساحتها 20 مترا في المدن الجديدة، يبدأ من 60 ألف جنيه، ويرتفع الثمن حسب المساحة ومستوى التشطيب المطلوب، حتى يصل إلى نصف مليون جنيه تقريبا.

وأضاف أن إنشاء أو شراء مقبرة جديدة بهذه المواصفات لم يعد أمرا بسيطا بل أصبح يكلف الشخص مبالغ تساوي ثمن المنزل الجديد تقريبا، مشيرا إلى أن بناء المقابر تطور في مصر في السنوات العشرين الأخيرة، حيث ظهرت تصاميم وطرازات معمارية جديدة، بالإضافة إلى وجود مستويات متعددة من تشطيبها فيما يشبه المباني الحديثة المزودة بأسوار وبوابات حديدية كبيرة ويستخدم في بناء واجهاتها الرخام والجرانيت، لافتا إلى أنه مع ارتفاع أسعار المقابر ظهرت شركات توفر بيع وتشطيب المقابر مقابل تسهيلات في السداد تصل لعدة سنوات.

كفاح لتوفير مقبرة

وفي هذا السياق، قال مختار القماش، محاسب ومقيم بإحدى قرى محافظة القليوبية، إن المقبرة التي توارثتها عائلته منذ عقود لم تعد تكفي أعداد الموتى في العائلة التي تضاعف عددهم في هذه السنين عدة مرات، إضافة إلى أنهم لا يدفنون موتاهم في لحود شرعية في باطن الأرض بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية، لكنهم يبنون ما يشبه الغرف فوق سطح الأرض لدفن الموتى فيها، الأمر الذي يستلزم توفير مساحات كبيرة من الأراضي لبناء مقابر جديدة باستمرار لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الموتى.

وأضاف القماش، لـ"عربي21"، أن عائلته ظلت لمدة خمس سنوات تقريبا تجمع مبلغا يكفي لشراء قطعة أرض زراعية مجاورة لبناء مقبرة جديدة، عبر تحصيل مبلغ شهري من كل فرد بالعائلة، وما زالوا في مرحلة بناء المقبرة الجيدة وتشطيبها.

من جانبه قال مروان نبيل، محامٍ، إنه يتمنى شراء مقبرة جديدة لأسرته بمنطقة السادس من أكتوبر لأنه من الصعب عليه وعلى أبنائه السفر إلى مسقط رأسه بمحافظة سوهاج، لدفن موتاهم هناك، مضيفا لـ"عربي21" أن ارتفاع ثمن المقابر في هذه المدينة الجديدة منعه من شراء هذه المقبرة، وفضل بدلا من ذلك استخدام المقابر العامة التي توفرها نقابة المحامين لأعضائها لدفن والدته.

عادات تتغير

وإضافة إلى ارتفاع أسعار المقابر الجديدة، فإن تكاليف إيجار قاعات المناسبات أو إقامة سرادقات العزاء شهدت هي الأخرى غلاءً كبيراً الأمر الذي دفع كثير من المصريين إلى تغيير عاداتهم المتوارثة عندوث حدوث حالات الوفاة.

ويقول محمد أبو الدهب (موظف على المعاش) إنه أوصى أبناءه أن يكتفوا عند موته بتلقي العزاء على المقبرة وألا يستأجروا قاعة مناسبات أو يقيموا سرادقا لتلقي العزاء في وفاته.

وأضاف أبو الدهب لـ"عربي21" أن "تكاليف العزاء الآن قد تتجاوز 15 ألف جنيه تقريبا، فما الداعي لأن يتكبد الأهل تكاليف تفوق طاقتهم؟" متابعا "أسرتي أولى بهذا المبلغ من بعدي".

ويتراوح إيجار قاعة مناسبات ملحقة بأحد المساجد في القاهرة، أو إقامة سرادق لتلقي العزاء ما بين 5 آلاف و50 ألف جنيه، وذلك بحسب الموقع والمساحة والخدمات ونوعية التجهيزات المطلوبة من كراسي وسجاد وعدد المقرئين ومن يقومون بتقديم المشروبات للمعزين.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل