مقالات مختارة

الحرب السورية.. والإرهاق اللبناني!

وسام سعادة
1300x600
1300x600

مكابرتان. واحدة تتعلّق بالتأخّر عن الإقرار بالمسار الذي تدحرجت تبعاً له الأمور في سوريا، بما أدى إلى فشل قطْع الطريق أمام خيار التغيير الثوري لطبيعة النظام الحاكم وأركانه فيها، والانتقال من سنوات تقلّص الرقعة التي يسيطر عليها النظام إلى سنوات تقلّص الرقعة التي تحوي الفصائل المسلحة المتحاربة معه. وثانية تتعلّق بالمكابرة على أن تناقضات الحرب وتحدياتها لا يمكن أن تكون في أي بلد مشابهة لتناقضات السلم وتحدياته، وأن تحديات الانتقال من حال الحرب إلى حال السلم ليست أبدا بنزهة مضمونة لنظام وجد في الحرب صورته وضالته أكثر من أي شيء آخر، لكنه نظام بات أكثر ارتباطاً بما لا يقاس، بالنفوذين الإيراني والروسي، من مرحلة ما قبل حلولهما بهذا الشكل على الأرض السورية، إنقاذاً له، واستفادة من تناقضات أخصامه، بل من كارثية بعض من احتسبوا في عداد أخصام هذا النظام، وهم مُعادون بشكل أيديولوجي مُطلق لكل مفاهيم الديمقراطية والتحرر.

التنكّر لانتفاضات الشعوب العربية لعام 2011 كارثة ذهنية ومعرفية بكل المقاييس. لكن المكابرة على فشلها لا يُجدي نفعاً، بل هو ضار أيضا. هذا ينطبق على سوريا وعلى غير سوريا. لكن المختلف سورياً، هو أن فشل الثورة التحررية من الاستبداد فيها له ثمن مختلف عن فشلها في أي مجتمع عربي آخر. انتصار "حرب المستبدّين" في سوريا شيء، وإعادة بناء "سلام المستبدّين" في سوريا شيء آخر تماماً. بل أكثر، حتى في صفوف البيئات والقوى التي انحازت، إما منذ البدء، وإما لاحقاً، إلى صف النظام، في المواجهة الأهلية الشاملة، ثمة أشكال مختلفة من الإدراك بأن المرحلة الآتية لا يمكن أن تُدار بالأدوات الماضية والحالية. طبعاً، هذا الإدراك لا يكفل لوحده تطوير موقف سياسي مبنيّ عليه، لكنه حالة شعورية غير هامشية أبدا.

لبنانياً، ثمة جديد يفترض إدخاله على الخطاب السياسي حين يتعلّق الأمر بسوريا. لقد انقسم اللبنانيون حول الموقف من نظامها منذ فترة طويلة، وحول الموقف من الوصاية السورية على لبنان كذلك انقسموا، وعلى خلفية ما بعد انسحابها ومسلسل العنف والاغتيالات في اثر ذلك انقسموا أكثر فأكثر، وانقسموا بطبيعة الحال مع اندلاع الانتفاضات الشعبية فيها، واستفحل الأمر مع تدخّل قسم من اللبنانيين لمؤازرة قوات النظام داخل سوريا، وينقسمون، ولو بشكل مختلف، حول الخطاب الواجب اعتماده، والسياسات المفترض تبنّيها، حيال موضوع اللاجئين، وبطبيعة الحال سينقسمون حول مسألة عودة سوريا - النظام إلى العمل العربي المشترك، كما لو أن شيئاً لم يكن، مع أن لبنان لم تنقطع فيه العلاقات الدبلوماسية مع سوريا طيلة سنوات الحرب، وهي في الأصل مطلب قوى 14 آذار، وكانت تعارضه قوى 8 آذار، ومطلب مُسند بقرار دولي.

 

وبالمقابل، التزم مسؤولون لبنانيون لهم صداقات قديمة ومستمرة مع هذا النظام بعدم "التطبيع الكافي" معه، وللمفارقة، في الوقت نفسه الذين يؤاخذون أخصام النظام السوري في لبنان بأنهم ليسوا مستعجلين لمثل هذا التطبيع، ومن الطرائف أن "إعادة إعمار سوريا" يحركها أنصار النظام في لبنان كما لو أنهم هم من يتحكم تماماً بها، كما لو انه بالمستطاع الفصل بين إعادة الإعمار في سوريا، وإعادة السلم، وبين إعادة السلم وبين عودة اللاجئين، وفتح الطريق للمشروع السياسي المتعلّق بما بعد الحرب، وما بعد نظام الحرب القائم حالياً في سوريا.

ثمة قيم إنسانية كونية أساسية، وروابط جوار ناهيك عن الرابطة العربية الشاملة، ومصالح لبنانية، كلها ينبغي أن تجتمع لإعادة مقاربة الملف اللبناني - السوري، المتأزم قبل الثورة والحرب في سوريا بعقود، والمتأزم أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة. ثمة في المقابل انقسام لبناني ـ لبناني حول سوريا لا يمكن الحد منه إلا بالتشديد في الوقت نفسه على ثلاثية القيم، والروابط، والمصالح، في الاختلاف بين كل واحدة من هذه الصعد، وبالتشابك في ما بينها لتشكيل الصورة الإجمالية.

ليس من مصلحة لبنان إغفال القيم الإنسانية حيال نظام في بلد مجاور استخدم الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والتهجير الممنهج، كما إغفالها حيال فصائل متطرفة أرادت منافسة النظام تدميرياً.

ليس من مصلحة لبنان في الوقت نفسه التأخر عن أي متابعة لما يجري في الإقليم وبالذات في سوريا، وخصوصاً بالنسبة إلى احتمالات الانتقال من حال الحرب باتجاه حال السلم، والكيفية التي يتعامل معها مختلف الأطراف مع هذا الزمن الانتقالي، والغامض إلى حد ما، في سوريا اليوم. الإيحاء بأنه ليس بزمن انتقالي، بل زمن عودة إلى الوراء، إلى نظام بعثي باق ويتمدد، وهو الإيحاء الذي يستهوي بعضاً من أصدقاء هذا النظام في لبنان، ليس له حيثية قابلة للانتشار. هذه مكابرة، كما أن إغفال النتائج الوخيمة للحرب السورية أيضا مكابرة.

لكن ماذا عن الزمن اللبناني؟ هل هو زمن انتقالي أيضا؟ أو زمن مراوحة؟ أو هو مقدّر على الزمن السوري؟ حتى الآن، لبنان، البلد نفسه الذي نجح في السنوات الأخيرة بعدم تمدد الحريق السوري إليه، رغم انقسامه حول هذا الحريق، هو بلد "تعب" بهذه الحرب كما لو أنها جرت كل هذه السنوات أيضا على أرضه.

عن صحيفة المستقبل اللبنانية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل