صحافة دولية

WP: تزايد المخاوف من عودة تنظيم الدولة في العراق

واشنطن بوست: زيادة في نفوذ الميليشيات الشيعية ومخاوف من عودة تنظيم الدولة- جيتي
واشنطن بوست: زيادة في نفوذ الميليشيات الشيعية ومخاوف من عودة تنظيم الدولة- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لكل من تامر الغباشي ومصطفى سليم، يقولان فيه في الوقت الذي توسع فيه مليشيات العراق الشيعية من مدى انتشارها، فإن المخاوف تتزايد من عودة تنظيم الدولة.

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المليشيات الشيعية العراقية المسلحة بشكل جيد تدير اليوم مناطق السنة التي ساعدت على تحريرها من تنظيم الدولة، ما يتسبب باستياء من سكان تلك المناطق، وهو ما قد يؤدي إلى عودة التأييد للتنظيم المتطرف.

 

ويقول الكاتبان إنه بعد كسب حوالي ثلثا مقاعد البرلمان العام الماضي فإن المليشيات الشيعية، وبعضها مصطف مع إيران عقائديا، أصبحت تتمتع بتفوذ عسكري وسياسي غير مسبوق، مشيرين إلى أن صعودها أثار قلقا بين السياسيين العراقيين، والسكان السنة والمسؤولين الأمريكيين، من أن قيادات المليشيات يخلقون دولة موازية تقوض الدولة المركزية في العراق، وتعيد المظالم السنية، التي أدت إلى صعود تنظيم الدولة قبل ثلاث سنوات.

 

وتفيد الصحيفة بأن المليشيات الشيعية تشكلت خلال الحرب لإخراج تنظيم الدولة للدفاع عن المقدسات الشيعية، ثم تطورت لتصبح قوة فاعلة من المقاتلين على الجبهات، وشاركت في المعارك المهمة كلها تقريبا، واكتسبت تلك المليشيات شرعية تحت اسم قوات الحشد الشعبي، لافتة إلى أن 50 مليشيا وحوالي 150 ألف مقاتل كانوا تحت إشراف الحكومة بالحد الأدنى.

 

ويلفت التقرير إلى أن هذه المليشيات -وبعضها يعود تاريخها لأيام حكم صدام حسين، وأخرى للاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وأخرى تشكلت عام 2014 لقتال تنظيم الدولة- أصبحت الآن بعد انتهاء المعارك الرئيسية تتطلع لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، مشيرا إلى أنها توزعت في قلب المناطق السنية، بما في ذلك محافظة الأنبار وصلاح الدين ونينوى التي تشمل الموصل، أكثر المدن السنية سكانا. 

 

ويكشف الكاتبان عن أن تلك المليشيات قامت بإنشاء مكاتب سياسية ومكاتب تجنيد في البلدات السنية، وتقوم بإدارة الحواجز على الشوارع، وحتى الأزقة، حيث تفرض رسوما وضرائب على سائقي الشاحنات الذين ينقلون النفط والبضائع والمواد الغذائية، لافتين إلى أن بعض رجال المليشيات يقومون "بممارسات تشبه أعمال المافيا"، بحسب ما قال عدد من المسؤولين الأمريكيين والعراقيين، حيث يطلبون نقودا مقابل الحماية من أصحاب الأعمال الصغيرة والكبيرة، بالإضافة إلى فرض رسوم على سائقي السيارات للسماح لهم بالعبور.

 

وتذكر الصحيفة أن هذه المليشيات تحدد أي العائلات السنية يسمح لها بالعودة إلى بيوتها بعد انتهاء القتال مع تنظيم الدولة، بحسب المحللين الذين درسوا شؤون تلك المجموعات، مشيرة إلى أن المليشيات قامت في عدد من البلدات بإرغام المجالس المحلية على إبطال حقوق ملكية السنة؛ بحجة أنهم أيدوا تنظيم الدولة، حيث قادت تلك الممارسات إلى تغييرات ديمغرافية في مناطق كان يقطنها الشيعة والسنة جنبا إلى جنب، مثل الحلة وديالا.

 

وينقل التقرير عن المحلل الأمني هشام الهاشمي، الذي يقدم الاستشارات للحكومة العراقية وجمعيات العون الأجنبية، قوله إنه في ظل وجود 1.8 نازح سني لا يزالون يعيشون في مخيمات وملاجئ مكتظة، فإن جهود المليشيات الشيعية لمنعهم من العودة إلى بيوتهم قد تساعد في توجههم نحو التطرف، مشيرا إلى أن تلك المليشيات تعد "حجر عثرة أمام الاستقرار في تلك المناطق؛ لأنها تمنع عودة نازحين داخليين".

 

وينوه الكاتبان إلى أن السياسيين العراقيين اقترحوا أن يقللوا من أعداد المليشيات، أو يتم استيعابها في الشرطة ووحدات الجيش، أو اعتبار قوات الحشد الشعبي قوة احتياط يمكن دعوتها خلال حالات الطوارئ، مشيرين إلى أن قيادات المليشيات الأقوياء ترفض مثل هذه المقترحات؛ بحجة أن نجاح تلك القوات في طرد تنظيم الدولة يثبت أن تلك القوات ضرورية للأمن القومي العراقي، بالإضافة إلى أنها توفر وظيفة لآلاف الشباب الشيعة، الذين سيجدون أنفسهم في غياب هذه المليشيات عاطلين عن العمل في ظل ركود الاقتصاد العراقي.

 

وتقول الصحيفة إن أكثر الأمثلة وضوحا على سيطرة المليشيات نجده في بلدة القائم السنية على الحدود السورية، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 قامت قوات الأمن العراقية بالتعاون مع المليشيات الشيعية بطرد قوات تنظيم الدولة من القائم، وبعد ذلك بشهر أعلنت القيادة العراقية الانتصار العسكري التام على تنظيم الدولة، ما خلق موجة من التفاؤل في أنحاء البلاد، خاصة بين مزارعي القائم ومنتجي القمح والمنتجات الأخرى، وعادوا بأعداد كبيرة إلى البلدة، ساعين للاستمرار في كسب عيشهم، بعد انقطاعهم عن ذلك لمدة ثلاث سنوات. 

 

ويستدرك التقرير بأن المليشيات الشيعية أعلنت حوالي 1500 مزرعة في القائم مناطق أمنية، ومنعت المزارعين من العودة، لافتا إلى أن هناك اليوم حوالي ألف فدان (4046 دونما) تبقى قاحلة، والأرض مليئة بالمعدات الزراعية المعطلة والمسلحين، فيما عادت البنوك، التي أقرضت المزارعين قبل احتلال تنظيم الدولة، والتي أوقفت المطالبة بالسداد خلال فترة احتلال التنظيم، الآن لتطالب بتلك المبالغ.

 

ويورد الكاتبان نقلا عن رباح عاصي، وهو مزارع اضطر إلى الاعتماد على تربية الأغنام التي لا تدر أرباح الزراعة ذاتها، قوله: "وجودها (المليشيات) شل الاقتصاد في القائم".

 

وتبين الصحيفة أن المليشيات الموجودة في القائم، وبالذات كتائب حزب الله، تسيطر على الشوارع المؤدية إلى هذه البلدة الاستراتيجية، والمعبر إلى سوريا الذي يقع جنوب البلدة، وتستخدم المعبر لدخول وخروج المقاتلين الشيعة لدعم النظام السوري، مشيرة إلى أنه مع قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية، فإنه يتوقع الآن أن يزيد النفوذ الإيراني والمليشيات الشيعية المصطفة معها.

 

وينقل التقرير عن عضو البرلمان المخضرم محمد الكربولي، قوله إن رجال المليشيات قاموا بفتح معبر مرتجل يتم من خلاله استيراد المنتجات الرخيصة من سوريا لبيعها في أسواق القائم، ويضيف الكربولي أن كتائب حزب الله وغيرها من المليشيات الشيعية امتنعت في أغلب الأحيان من الممارسات العدوانية، التي كانت سائدة قبل عدة سنوات، ويقول هو وآخرون أنه يحسب لتلك المليشيات الحفاظ على الأمن، لكنهم يصفون حالة الهدوء على أنها ليست مستقرة. 

 

ويفيد الكاتبان بأن القيادات القبلية للعرب السنة حاولت الضغط على رجال المليشيات للسماح للمزارعين بالعودة إلى مزارعهم، لكن تلك المطالب رفضت، مشيرين إلى أن المزارعين يشكون من أن المنع لا علاقة له بالأمن، بقدر ما هو مرتبط بتأكد المليشيات من وجود سوق للمواد التي يهربونها من سوريا.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن المزارع صباح السند، قوله: "نحن الآن في موسم الزراعة.. (لكننا) نخسر"، في إشارة إلى أمطار الشتاء، ومنع المزارعين من العودة إلى مزارعهم.

 

وبحسب التقرير، فإن وجود كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، المدعومة من إيران، يجعل حياة الجيش الأمريكي غير مريحة، حيث هناك قاعدة صغيرة في القائم تسمى المحطة 22، فيها عدد من المستشارين الذي يدربون الجيش العراقي، ويساعدونهم في السيطرة على الحدود.

 

وينقل الكاتبان عن المسؤولين العراقيين والغربيين، قولهم إنه يقلقهم أن تستخدم ايران المليشيات لمواجهة القوات الأمريكية في القائم، عقب تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران.

 

وتشير الصحيفة إلى أنه بحسب القانون العراقي، فإن مليشيات الحشد الشعبي هي قوة أمنية منفصلة عن الجيش العراقي والشرطة، وهي نظريا تحت قيادة رئيس الوزراء مباشرة، لكن في الواقع فإن كل مليشيا تأخد أوامرها من قائدها. 

 

ويذهب التقرير إلى أن رئيس وزراء العراق الجديد عادل عبد المهدي، لا يظهر حماسا لوضع المليشيات عند حدها، مشيرا إلى أنه أعطى المليشيات تنازلات لم يمنحها سلفه، حيدر العبادي، وتحدث عنها مكررا على أنها جزء من المؤسسة الأمنية والسياسية في العراق.

ويلفت الكاتبان إلى أن مسؤولا غربيا في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، حذر من أنه "إن كانت هذه هي الخطة فإنها ستؤدي إلى عدم الاستقرار.. وقد يكون تقبل بعض السنة ذلك الآن.. لأنهم يقولون إنه لا خيار آخر أمامنا"، وأضاف المسؤول أن سيطرة المليشيات الشيعية على حياة السنة ستؤدي بالبعض للسعي لإيجاد أرضية مشتركة مع متطرفي تنظيم الدولة.

 

وتذكر الصحيفة أن قوات الحشد الشعبي حققت انتصارا سياسيا كبيرا، حيث وافق رئيس الوزراء عبد المهدي على مقترح لجعل رواتب الحشد الشعبي بمستوى رواتب الشرطة والجيش، وزيادة الميزانية السنوية للمليشيات لتصل إلى ملياري دولار.

 

وبحسب التقرير، فإن عبد المهدي لم يتمكن من منع ترشيح قائد قوات الحشد الشعبي فالح الفياض لوزارة الداخلية من كتلة قيادات المليشيات في البرلمان، وهو ما حاول العديد من الأعضاء معارضته، بمن فيهم مقتدى الصدر.

 

وينقل الكاتبان عن قائد كبير في دائرة مكافحة الإرهاب التي تدعمها أمريكا، قوله إن تحركات عبد المهدي منحت تلك المليشيات جرأة إضافية، وقوضت في الوقت ذاته الأمن القومي العراقي. 

 

وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول القائد، الذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، بأن قوات الحشد الشعبي ليست مدربة على مستوى الجيش العراقي ذاته، وليست معدة لحراسة الحدود، أو الحفاظ على الأمن داخل المدن.


لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)