صحافة دولية

فورين بوليسي: أراضي الكنيسة الأرثوذكسية في القدس للبيع

فورين بوليسي: تقوم البطريركية الأرثوذكسية ببيع أرض الكنيسة التي تنتهي في أيدي المستوطنين- جيتي
فورين بوليسي: تقوم البطريركية الأرثوذكسية ببيع أرض الكنيسة التي تنتهي في أيدي المستوطنين- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافية داليا حتوقة، تقول فيه إنه في مساء حفل عيد الميلاد المسيحي الأرثوذوكسي قام عشرات الفلسطينيين بالاحتجاج في شوارع بيت لحم ضد بطريرك القدس اليوناني ثيوفيلوس الثالث، وهتفوا "خائن"، في الوقت الذي مر فيه موكبه في طريقه إلى ساحة المهد، تحت حماية مشددة من قوات أمن السلطة الفلسطينية، فيما رفض ممثلو بلدية بيت لحم مقابلته في ساحة المهد كما جرت العادة.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن سبب غضب المحتجين هو أن الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية، ثاني أكبر مالك للأراضي في الأرض المقدسة، متورطة على مدى سنوات في عمليات بيع عقارات، لافتا إلى أن الكنيسة، التي تملك حوالي ثلث مساحة القدس القديمة، بالإضافة إلى ممتلكات في الضفة الغربية وإسرائيل بما في ذلك الأرض التي تقوم عليها الكنيست الإسرائيلي، قامت بعمليات بيع صامتة للأراضي والعقارات لوسطاء ومقاولين، وانتهى كثير من تلك الممتلكات في أيدى المستوطنين اليهود. 

 

وتقول حتوقة إن ممارسة بيع الأراضي أو تأجيرها لعقود وضعت رجال الدين، ومعظمهم يونانيون، في مواجهة مع الفلسطينيين، مشيرة إلى أنه مع الكشف عن تلك الصفقات، فإن مظاهرات الغالبية الفلسطينية لرعايا الكنيسة زادت، بالإضافة إلى ازدياد تخوفات الإسرائيليين، الذين تقع بيوتهم على أراض مستأجرة من الكنيسة.

 

وتفيد المجلة بأن عضوة الكنيست الإسرائيلية راشيل أزاريا قامت بطرح مشروع قانون يسمح للحكومة الإسرائيلية بالاستيلاء على أراضي الكنيسة التي تبيعها لمقاولين خاصين، مشيرة إلى أن أزاريا تحتج بأنها تريد حماية السكان الإسرائيليين الذين يعيشون على أراض مستأجرة من الكنيسة، الذين يخشون من أن المقاولين يستطيعون فعل ما يريدون في الأراضي التي يشترونها، بما في ذلك رفع الإيجارات، أو طرد السكان لإنشاء مشاريع جديدة.

 

ويلفت التقرير إلى أنه تم تجميد نقاش للقانون العام الماضي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد ضغط كبير من قادة الكنيسة، الذين قالوا إن القانون سيسمح للدولة بوضع يدها على ممتلكات الكنيسة، واستطاعوا منذ ذلك الحين الحصول على دعم مجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزبين، فيما قامت المجموعة بإرسال رسالة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ للاحتجاج على مشروع القانون الإسرائيلي.

 

وتبين الكاتبة أن المسيحيين الفلسطينيين يعتقدون بأنه يجب ألا تبيع الكنيسة أصلا تلك الأراضي والعقارات، محتجين بأن فعل ذلك سيفاقم من تقلص وجودهم في الأرض المقدسة، ويقولون إن بيع الأرض للمستوطنين اليهود يزيد من تمددهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث تأمل القيادة الفلسطينية في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

وتنقل المجلة عن زميل معهد الدراسات الفلسطينية معين رباني، قوله: "القضية ببساطة خلاف طويل الأمد بين المؤمنين، وهم فلسطينيون عرب، ورجال الدين، وغالبيتهم يونانيون أجانب، وبعضهم أشخاص سيئون قاموا بعقد أشكال الصفقات كلها مع الإسرائيليين علنا للحفاظ على مناصبهم وزيادة سلطتهم داخل الكنيسة".

 

وأضاف رباني بأن بعض قيادات الكنيسة "يستخدمهم الإسرائيليون سلاحا ضد أبرشيتهم، ويبدو أن رد فعل (تلك القيادات) هو التعاون مع الاحتلال، بما في ذلك الذنب الأكبر، وهو بيع الأرض لإسرائيل – وعادة بأسعار مخفضة"، مشيرا إلى أن الكنيسة تدعي أن إسرائيل هددتها، لكنها في حالات عديدة كانت مستعدة لبيع الأرض، وعادة بأسعار مخفضة.

 

وبحسب التقرير، فإن أزمة الكنيسة هذه جاءت بعد تقارير تفيد بأن البطريركية باعت ممتلكات لوسطاء مشكوك فيهم، وانتهت تلك الأملاك في أيدي المستوطنين الإسرائيليين أو الشركات الإسرائيلية. 

 

وتورد حتوقة نقلا عن رباني، قوله: "مبيعات الأرض هذه هي جزء من مشروع استعماري، حيث تقوم إسرائيل ووكلاؤها من خلال عمليات شراء العقارات بتحويل الطبيعة الديمغرافية للقدس بشكل جذري.. وعندما تباع الأرض لإسرائيل أو وكلاء يعملون لصالحها.. لا يستطيعون شراءها مرة ثانية حتى لو عرضوا سعر السوق".

 

وتنوه المجلة إلى أن بطريركية القدس للروم الأورثوذوكس أنكرت التهم بأنها باعت ممتلكات بمحض إرادتها لمجموعات إسرائيلية يمينية، ودافعت عن تعاملها مع الممتلكات بأن قالت إنها تؤجرها ولا تبيعها، ولذلك فهي تحمي تلك الممتلكات، وفي الوقت ذاته تحصل على دخل هي بحاجة ماسة إليه، وأضافت أنها كانت مضطرة للقيام بتلك المبيعات لدفع ديون مترتبة على استثمارات سيئة قامت بها قيادات سابقة للبطريركية.

 

ويفيد التقرير بأن الكنيسة تعمل في إسرائيل، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن، وتقول إن بيع الأرض أو تأجيرها يعني إبقاء أنشطة الكنيسة قائمة في هذه المناطق، مشيرا إلى قول مسؤولين في الكنيسة إن إسرائيل صادرت بعض ممتلكات الكنيسة، أو ضغطت عليها لبيعها أو تأجيرها، وبأن الكنيسة تجد نفسها في مأزق، فلدى إسرائيل وسائل كثيرة للضغط عليها، "من منع لإصدار التأشيرات لرجال الدين (اليونان)، وأخذ الضرائب، والتهديد بمصادرة الممتلكات"، ولإكراه مسؤولي الكنيسة على التعاون.

 

وتشير الكاتبة إلى أن قضايا بيع العقارات أدت إلى طرد البطريرك إيرانيوس الأول، فيما عانى خليفته ثيوفيلوس الثالث من قيادة مضطربة للكنيسة، لافتة إلى أنه تم طرد إيرانيوس عن طريق المجلس الكنسي عام 2005، وعاش لسنوات تحت الإقامة الجبرية في مقر الكنيسة في المدينة القديمة في القدس، حيث يتم إيصال الطعام له من المتعاطفين معه، ويرفع له عن طريق سلة مربوطة بحبل لنافذة في الأعلى.

 

وتقول المجلة إن إيرانيوس لم يعترف بخليفته الذي تسلم السلطة في الكنيسة بعد أن انكشفت صفقة تمت عام 2004، حيث باعت البطريركية ثلاثة عقارات ذات موقع استراتيجي لجمعية عتيرت كوهانيم الاستيطانية، التي تعمل على طرد الفلسطينيين من البلدة القديمة في القدس لإحكام السيطرة اليهودية عليها.

 

ويلفت التقرير إلى أن إيرانيوس اتهم بالتآمر لبيع العقارات التي تضمنت فندقين عند بوابة يافا، ما أثار الشارع الفلسطيني، مشيرا إلى أن تحقيقا قامت به السلطة الفلسطينية، وتوصل إلى أن البطريرك لم يكن متورطا بالبيع المثير للجدل، لم يهدئ غضب الفلسطينيين.

 

وتذكر حتوقة أن ثيوفيلوس يقوم حاليا بمحاربة ذلك البيع في المحاكم، لكنه أيضا يشعر بغضب الشارع، بعد أن تبين أن مبيعات أرض جديدة تمت المصادقة عليها تحت قيادته، فيما قام أعضاء الكنيسة ورجال الدين الفلسطينيون بالاحتجاج ضد ثيوفيلوس ثلاث مرات على الأقل عام 2018، وتقدموا بشكوى تتعلق ببعض تلك الصفقات.

 

وتنوه المجلة إلى أن احتجاج هذا العام كان شبيها باحتجاج تم عام 2018، حيث قام المشاركون بإلقاء القمامة والبيض على موكب البطريرك، الذي جاء بعد احتجاج في أيلول/ سبتمبر 2017، ومؤتمر في تشرين الأول/ أكنوبر 2017، دعا إلى استقالة البطريرك، مشيرة إلى أنه كان قد حضر المؤتمر اعضاء المجتمع الأرثوذوكسي.

 

ويورد التقرير نقلا عن المتحدث باسم المسحيين الأرثوذوكس العرب عيسى الرشماوي، قوله بأن "المؤتمر اقترح على السلطة الفلسطينية والأردن أن تقوما بعزل البطريرك، وطالب بإيضاح عن كيفية بيع تلك الأراضي"، وأضاف: "ما ندعو إليه هو الوضوح والشفافية من بطريرك القدس، فالطريقة التي يتعامل بها المجمع المقدس تحت (قيادته) مع الأبرشية يمكن وصفها فقط بأنها دكتاتورية".

 

وتجد الكاتبة أنه لذلك فإنه يمكن لقضية الأرض والعقارات في القدس مسألة حياة أو موت، لافتة إلى أن هناك عائلة مقدسية مسلمة يطالبها المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية بأن تسلم مفاتيح كنيسة القيامة؛ لأن أحد أفراد العائلة قام ببيع عقار انتهى به الأمر إلى أيدي منظمة عتيرت كوهانيم.

وبحسب المجلة، فإن أديب جودة، الذي يحمل مفاتيح الكنيسة، يواجه تهديدات بالقتل، بالرغم من إصراره على أنه باع بيتا في البلدة القديمة لمحام فلسطيني، وتبين بعد ذلك بعد أن البيت انتهى في يد المنظمة اليهودية، وأن ذلك المحامي كان وسيطا. 

 

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن تلك المنظمة تقوم بشراء البيوت من خلال شبكة من الوسطاء والمشترين الوهميين في مناطق يسكنها الفلسطينيون تاريخيا؛ وذلك لتغيير ديمغرافية المدينة.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)