كتاب عربي 21

زيارة بولتون لأنقرة

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600

وصل مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، العاصمة التركية أنقرة، مساء الاثنين، قادما من محطته الأولى إسرائيل، لإجراء مباحثات حول قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بشأن سحب القوات الأمريكية من سوريا. وكان يرافقه كل من رئيس الأركان الأمريكي، جوزيف دانفورد، والمبعوث الأمريكي لسوريا، جيمس جيفري.

بولتون قبيل زيارته لأنقرة، فجَّر يوم الأحد قنبلة مدويّة، حين ربط في تصريحاته انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بالتوصل إلى اتفاق مع تركيا لعدم استهداف المليشيات الكردية التي دعمتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي. وبعد هذه التصريحات، كانت الأنظار متجهة إلى أنقرة لمعرفة ردها. 

الرد التركي على التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأمريكي خلال زيارته لإسرائيل؛ جاء على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، الذي أكد أن تركيا لا تستهدف سوى التنظيمات الإرهابية، لافتا إلى أن الادعاء بأن تنظيما إرهابيا يمثل الأكراد هو بالدرجة الأولى إساءة إلى الشعب الكردي.

زيارة بولتون للعاصمة التركية بدأت على وقع التصريحات المستفزة التي سمَّمت الأجواء. وبالتالي، لم يتم استقبال الوفد الأمريكي في أنقرة بحفاوة. واجتمع الوفد الزائر مع كالن ومسؤولين أتراك، بعيدا عن عدسات الكاميرات، لمناقشة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. واستمر الاجتماع لمدة أكثر من ساعتين، ليغادر بعده مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى بلاده، دون أن يتمكن من لقاء رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان.

 

هناك من يرى أن رئيس الجمهورية التركي أراد أن يلقن مستشار الأمن القومي درسا ليعرف حده، وآخرون يذهبون إلى أن أردوغان لم ينس التصريحات التي أطلقها الرجل ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة


لماذا رفض أردوغان استقبال بولتون؟ هناك من يرى أن رئيس الجمهورية التركي أراد أن يلقن مستشار الأمن القومي درسا ليعرف حده، وآخرون يذهبون إلى أن أردوغان لم ينس التصريحات التي أطلقها الرجل ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة. وكان بولتون في تلك الليلة ضيف قناة فوكس الأمريكية، وأعرب فيها عن دعمه لمحاولة الانقلاب، مشيرا إلى أنه لا يحمل في قلبه أي رحمة لأردوغان، ولن يذرف دمعة واحدة إن تم إسقاطه؛ لأنه لا يراه صديقا للولايات المتحدة. وبعد فشل محاولة الانقلاب العسكري في 15 تموز/ يوليو 2016، وصف تركيا بــ"الدكتاتورية الإسلامية المتطرفة".

أعتقد أن رئيس الجمهورية التركي من خلال رفضه لاستقبال بولتون، أعرب عن احتجاجه على تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي التي رأت فيها أنقرة تراجعا عن اتفاق أردوغان- ترامب؛ بشأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، كما اعتبرتها محاولة لفرض شروط مسبقة على تركيا. ويرى محللون أتراك أن وزارة الدفاع الأمريكية وأطرافا أخرى في الولايات المتحدة؛ تسعى من خلال هذه الشروط إلى تمييع قرار الرئيس الأمريكي.

ما ذكره بولتون قبيل زيارته غير مقبول لدى أنقرة بأي حال؛ لأنه يعتبر وحدات حماية الشعب الكردي، التابعة لحزب العمال الكردستاني، ممثل الأكراد وحليف الولايات المتحدة، كما أن العملية العسكرية المرتقبة في مناطق شرقي الفرات تستهدف تواجد تلك المليشيات التي تهدد الأمن القومي التركي.

ومن المؤكد أن البون شاسع للغاية بين الموقف التركي والموقف الذي جاء في تصريحات بولتون. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ما ورد في تصريحات بولتون هو الموقف الأمريكي النهائي؟

 

البون شاسع للغاية بين الموقف التركي والموقف الذي جاء في تصريحات بولتون

الأتراك يرون أن القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا عاجلا أم آجلا، ويشيرون إلى تشديد البيت الأبيض بعد تصريحات بولتون على أن الرئيس دونالد ترامب لم يغير موقفه بشأن سحب القوات الأمريكية من سوريا. ويقولون إن أطرافا في واشنطن تسعى إلى تخفيف الانتقادات الموجهة إليها بسبب قرار ترامب، من خلال فرض شروط تؤدي إلى احتفاظ حليفها، وحدات حماية الشعب الكردي، ببعض المكاسب التي حصل عليها بدعم أمريكي في سوريا، كما يفسرون إطلاق بولتون تصريحاته المستفزة خلال زيارته لإسرائيل بــ"حاجة الإدارة الأمريكية لطمئنة نتنياهو".

مغادرة بولتون للعاصمة التركية دون لقاء أردوغان؛ لا تعني فشل المفاوضات الجارية بين أنقرة وواشنطن بشأن ما بعد انسحاب القوات الأمريكية، بل تناول الجانبان في الاجتماع الذي استمر في أنقرة لأكثر من ساعتين كثيرا من التفاصيل، كما استقبل وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، رئيس الأركان الأمريكي، جوزيف دانفورد. وتدرك أنقرة، التي حشدت قواتها على الحدود السورية، أنها تملك أوراقا قوية تحول دون فرض شروط عليها في الساحة ولا على طاولة المفاوضات.

التعليقات (0)