مقالات مختارة

شيخ المتصهينين «فأر تجارب»

علي الصالح
1300x600
1300x600

مجددا يخرج علينا “شيخ العرب” المنفتح والمعتدل والمتسامح والمتفهم جدا لأحاسيس حكومة الاحتلال في إسرائيل، وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة بـ”تغريدة” أخرى من “تغريداته”، على حسابه على تويتر، لغرض تسليط الأضواء عليه بين الحين والآخر. وهي “تغريدات” في أغلبها تصب في ماكنة الدعاية الصهيونية ولمصلحة دولة الاحتلال.


تسمعه وهو يتحدث، فتظن أنه أحد المسؤولين الإسرائيليين وليس “شيخا عربيا” بردائه التقليدي. ولا أعتقد أن يكون خالد بن حمد آل خليفة بهذا الكرم، ويقدم هذه الخدمات “غير الجليلة” لإسرائيل مجانا.

 

وإذا استثنينا الفائدة المادية من هذه التصريحات، ولا أظنه بحاجة للمال فلديه وافر منه من أموال الشعب البحريني، فإنه بالتأكيد مدفوع الأجر ممثلا بخدمات أخرى مثل، وعود من جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية المعروف بالموساد، أو المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، بالتستر على فضائح له من النوع الثقيل، تورط فيها هذا الرجل في شبابه أو لنقل في حياته.


وهذا ليس مستبعدا إذا ما علمنا أن جهاز الموساد ورئيسه الحالي والرؤساء السابقين، هو المسؤول عن ملف تطوير العلاقات بين دولة الاحتلال وبعض الأنظمة الخليجية، من بينها طبعا البحرين ودولة الإمارات وسلطنة عمان. وهذا له مدلولاته السياسية.


وإلا، كيف يمكن تفسير تصرفات وتصريحات “شيخ المتصهينين” العديدة التي خصصها للدفاع عن كل شيء يضر بالشعب الفلسطيني وقضيته، ويخدم دولة الاحتلال؟ في المقابل هناك من يقول إن هذا الشيخ المتصهين ربما وضع نفسه في خدمة دولة شقيقة كبيرة مجاورة تستخدمه كـ”فأر تجارب”، ليصرح بما لا يجرؤ على التصريح به مسؤولو تلك الدولة، لغرض جس النبض وقياس ردود الفعل المحلية والخارجية على مثل هذه التصريحات.


في آخر “تغريداته” نصب “شيخ المتصهينين” الوزير خالد بن حمد، نفسه محاميا ومدافعا عن قرار الحكومة الأسترالية بالاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لدولة إسرائيل. وهاجم بيان جامعة الدول العربية وهو عضو فيها، الذي أدانت فيه “بقوة” الخطوة الأسترالية ووصفتها بغير المسؤولة، وقد يكون لها تداعيات خطيرة على العلاقات العربية- الأسترالية، ووصف ما جاء في بيان جامعة الدول العربية، بأنه “كلام مرسل وغير مسؤول”. وقال إن موقف أستراليا لا يمس المطالب الفلسطينية المشروعة وأولها القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، ولا يختلف مع المبادرة العربية للسلام، والجامعة العربية سيدة العارفين”. ولولا تصريحات سابقة مضادة صدرت عنه لأحسنا الظن فيه، وقلنا إن هذا الوزير ربما لم يستوعب أبعاد القرار الأسترالي الخطير، ولكنه ليس كذلك فهو دوما يتصدر الدفاع عن إسرائيل والولايات المتحدة. وتاريخه حافل بالتصريحات المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته. ونعرضها على القارئ من باب العلم بالشيء.


نظام البحرين على ما يبدو أخذ على عاتقه أن يكون رأس الحربة في إطلاق التصريحات المهادنة والتطبيعية، لا خدمة لإسرائيل فحسب، بل لأطراف عربية أخرى.


إن “شيخ المتصهينين” يدرك جيدا وهو أبو الدبلوماسية البحرينية منذ سنوات طويلة، أن هذا القرار هو الأخطر سياسيا وقانونيا، ويمس قلب الحقوق الفلسطينية، لأنه عمليا قرر أن تكون المفاوضات، إذا كان هناك مفاوضات أصلا، بعد الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لدولة الاحتلال، منحصرة فقط بالقدس الشرقية واقتسامها، ولو ضمّنت كانبره قرارها بالتأكيد على أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، لما كان هناك خلاف معها ولشكرناها جزيل الشكر على هذا الموقف النبيل والمتقدم على غيرها، ولكنها لم تفعل. ومن هنا فإن ما غرّد به رأس الدبلوماسية البحرينية، له تفسير واحد فقط وهو الدفاع عن كل شيء يضر بالقضية الفلسطينية.

 

وما يرجح سوء النية، المواقف العديدة لهذا الوزير المتصهين، ففي وقت سابق من الشهر الحالي “أعرب عن دعمه للعملية الإسرائيلية للكشف عن أنفاق حزب الله وتدميرها. وفي شهر مايو/أيار الماضي قال إن للدولة اليهودية الحق في الدفاع عن نفسها، وهذا كلام لا يصدر إلا عن الثالوث الصهيوني في البيت الأبيض، كوشنر – غرينبلات – فريدمان. وهذا يعني أن من حق دولة الاحتلال أن تعيث في الأراضي الفلسطينية فسادا، وأن تبقي على حصار قطاع غزة، تحت راية الدفاع عن النفس، الذي يتحدث عنه الوزير! ولن أستغرب إذا جاء اليوم الذي يصف فيه أي عمل فلسطيني ضد دولة الاحتلال بالإرهاب على خطى منظميه.


وفي “تغريدة” سابقة قال بالحرف الواحد وباللغة الإنكليزية: “ليس من المفيد الدخول في معركة مع الولايات المتحدة بشأن قضايا جانبية، بينما نواجه معا خطرا واضحا وآنيا ممثلا بالجمهورية الثيوقراطية (الدينية) الفاشية الإسلامية”. ورغم أنه لم يذكر القضية الفلسطينية بالاسم، لكن رسالته كانت واضحة وغير قابلة للتأويل، وأن المقصود منها القضية الفلسطينية، خاصة أنها جاءت في العشرين من ديسمبر/كانون الأول، أي قبل يوم واحد فقط من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يبطل اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، الذي كان قد أعلنه قبل أسبوعين من تصريح الوزير البحريني وتحديدا في 6 ديسمبر 2017.


وبما أن النظام البحريني لا يجرؤ على الأقل في الوقت الحاضر، التصويت ضد قرارات لصالح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، خوفا من الفضيحة، وغياب المبرر الحقيقي، ارتأى الوزير أمام عجزه هذا أن يعبر عن تأييده لدولة الاحتلال برسالة واضحة وصريحة، تحث الدول الأخرى على عدم الدخول في مشاكل مع أمريكا من أجل قضية جانبية كالقضية الفلسطينية. وكان هذا الوزير يدرك جيدا حماوة المعركة التي كانت دائرة في أروقة الأمم المتحدة بين فلسطين وأصدقائها (وهو بالتأكيد ليس منهم) من جهة، وإسرائيل وأمريكا ممثلة بنيكي هيلي التي ناصبت الشعب الفلسطيني العداء منذ اليوم الأول لدخولها الأمم المتحدة، وكأن بينها وبينه عداء دفينا. والحمد لله أنها ستغادر هذا المنصب مع نهاية العام.


طبعا مواقف الوزير المتصهين ليست حصرا عليه، إذ يبدو أن النظام السياسي البحريني بأكمله يتخذ هذا المنحى ويقدم خدماته “غير الجليلة” لدولة الاحتلال التي يعرفون أنها مفتاح بوابة البيت الأبيض. وبما أننا تعرضنا إليه أكثر من مرة، فإنني هنا سأكتفي فقط بالتذكير ببعض تصريحات وأفعال مليكة حمد بن عيسى، بدءا من اعتدائه الكلامي على رافضي التطبيع، إلى قرار تشجيع البحرينيين على زيارة دول الاحتلال، وإرساله وفدا إلى إسرائيل في أوج هبة الأقصى، تحت يافطة التسامح الديني، علما بأن عدد اليهود لديه كما ذكرنا لا يزيد عن 39، ممثلين في ما يسمى تجاوزا برلمان البحرين، كما أن سفيرة البحرين السابقة في واشنطن هدى عزرا نونو، تنتمي للديانة اليهودية.


وأخيرا، فقد تجاوز الوزير المتصهين كل الخطوط الحمر وخرج النظام البحريني عن الإجماع العربي الرسمي في أكثر من مرة. وبناء على ذلك، فإنه لم يترك له مكانا حتى في هذا التجمع العربي الرسمي شبه المشلول. وعليه فإن على الجامعة العربية أن تتحرك ضده، فقد فعلتها مرة وحرمت مندوب النظام السوري من المشاركة في اجتماعاتها، وهي قادرة الآن، بل يجب طرد البحرين، إن أرادت تبييض صورتها.


ولا بد أن يكون الموقف الفلسطيني واضحا وصريحا وحاسما، حتى لا يفهم التردد ضعفا والشعب الفلسطيني ليس ضعيفا، فلديه من مقومات القوة ما يحسده عليها الكثيرون، يجب ألا نسمح لأي كان أن يدوس على طرفنا، ويحاول أن يمس قضيتنا وقدسيتها.

 

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)