قضايا وآراء

أمة العرب واليوم العالمي للغة العربية

عصام تليمة
1300x600
1300x600

في عام 1973م أقرت الأمم المتحدة اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الأساسية في مخاطباتها، واعتبر يوم 18 من كانون الأول/ديسمبر هو اليوم العالمي للغة العربية، وللأسف واقع أمة العرب مع هذا اليوم ولغتهم، واقع مؤسف، لا يمت بصلة لهذه اللغة العظيمة التي نزل بها أعظم كتاب سماوي: القرآن الكريم، فالواقع الآن أن أبناء العرب أصبحت اللغة عندهم ضعيفة، وجاء ذلك لصالح لغات أخرى كالإنجليزية وغيرها.

 

الملاحظ أن مستوى اللغة العربية في بلاد العرب وأمتها أصبح متدنيا، وهزيلا


لسنا ضد تعلم اللغات الأخرى، لكن لا يكون ذلك على حساب اللغة الأصلية، وهي لغة يحتاجها الإنسان المسلم في كثير من عبادته لله تعالى، ففي صلاته يقرأ باللغة العربية، وخطبة الجمعة بالعربية، وتلاوة القرآن الكريم لا تكون إلا بها، والإسلام نفسه حث على تعلم اللغات، فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب من زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود، فتعلمها في خمسة عشر يوما، كما روى البخاري في صحيحه. لكن الملاحظ أن مستوى اللغة العربية في بلاد العرب وأمتها أصبح متدنيا، وهزيلا، ولذلك أسباب عدة، ليس الحديث هنا عنها تفصيلا، ولكن نتكلم عن أهم مظاهر ضعف المتصدرين للحديث عن الدين باللغة العربية.

 

اقرأ أيضا: في اليوم العالمي للغة العربية.. أرقام وحقائق (إنفوغرافيك)

فالأهم هنا أن هذا الضعف العام في اللغة العربية أثر بشكل كبير على مستوى فهم القرآن والسنة، حتى عند دارسيه، فلا يخلو علم شرعي من أهمية اللغة فيه، ولا يستقيم علم شرعي بغير تضلع فيها، ولذا كانت كبرى نقاط الضعف عند التيار المتشدد الديني، وعند التيار المنفلت من الدين ونصوصه، هي: ضعفهما في أصول الفقه، واللغة العربية.

والآفة الكبرى أنك ترى هذا النتاج للضعف، يخرج لنا أشخاصا لم يتذوقوا اللغة، ولم يتعمقوا في معانيها ومفرداتها، فيمسك بالقلم ليكتب مقالا أو بحثا، أو رأيا يخرج به على الناس، مدعيا أنه يجتهد في الإسلام، وأن الإسلام ليس دين كهنوت، والقرآن ليس كتاب طلاسم لا يتقنه إلا علماء الأزهر، بل هو كتاب الله الخالد للجميع، هذا هو مدخل هؤلاء الجهلة بأعظم كتاب وأفصحه في لغة العرب، ليتجرأ على التعامل معه، والتقول عليه، غير فاهم ولا واع بمدلولاته.

وهو ما نلاحظه في خروج البعض وتجرئه على واجبات إسلامية، أو ثوابت، فيشكك الناس فيها، كالحجاب، والربا، والخمر، والمواريث، وغيرها من قضايا الشريعة الإسلامية، والنصوص التي تكلمت في هذه القضايا هي نصوص قرآنية ونبوية، لا يعرف المتعرض لها إعراب جملة واحدة، ولا فهم معنى كلمة وجذورها اللغوية، ولا سياق آية كريمة، وكل ذلك علم لغة أصيل لا يتقنه إلا دارسوه.

وعندما خرج سعد الدين الهلالي ـ رغم أنه خريج أزهر وكلية شريعة ـ ليبرر بالباطل ما فعله الرئيس التونسي السبسي في مساواة المرأة بالرجل في المواريث، فاستدل بأن قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) هو من باب الوصية، والوصية للإنسان الحرية فيها، مخففا من أهمية المواريث، ناسيا أن القرآن كريم نزل بلغة عربية، وقد قال تعالى عن أمهات الفضائل والعقائد بصيغة الوصية، كقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه) فهل بر الوالدين هنا اختيار للإنسان يفعله أم لا يفعل؟! 

لكن هذه الاستدلالات تمر على الناس، وتنطلي على بسطاء العلم باللغة العربية، لأن المتخصص والعارف بها يكتشف فورا جهل من يستدل بهذا الكلام، فهي لغة عظيمة ثرية، كانت سببا كبيرا لاختلاف الفقهاء إلى مذاهب متعددة بسبب خلافهم في دلالة كلمة في معناها لغويا، بل ربما اختلف الأئمة الأربعة في الموقف من أمر ما، وذلك بسبب حرف لا كلمة، مثل قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم) فالباء هنا هل هي للتبعيض، فقال بعض الفقهاء: من مسح بعض شعر الرأس فقد فعل الفرض، ومن قال الباء زائدة، أي لا بد من مسح الرأس كله، ومن قال الباء للإلصاق، أي مطلوب مسح ربع الرأس.


وهذا نموذج واحد يبين أهمية اللغة العربية دراسة وفهما، وشرطا مهما للتعرض لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بالدارسة أو الحديث، فضلا عن الإفتاء للناس!!

 

[email protected]

 

اقرأ أيضا: في اليوم العالمي لـ"العربية".. كيف نحميها بالتواصل الاجتماعي؟

0
التعليقات (0)