مقالات مختارة

الحيص بيص بين الرياض وواشنطن!

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

ما يحدث بين السعودية والولايات المتحدة أمر غير مسبوق في الدبلوماسية التقليدية،
وأردوغان أعلن أن الملف جاهز لتدويل القضية ومطالبة مجلس الأمن بتحويلها إلى محكمة لاهاي.
تحولت قضية جريمة القنصلية السعودية إلى قضية أمريكية داخلية، وإلى لعبة القط والفأر بين الدولتين فعاد الرئيس ترامب مرة أخرى يبرأ منها ولي العهد، كما تحولت إلى قضية تعطل الاقتصاد السعودي كما ألمح ولي العهد الثلاثاء الماضي حين قال (حسب الفايننشل تايمز)، بأن الاستثمار في مشروعه العملاق (نيوم) تقلص بسبب قتل خاشقجي.


وهذه الأبعاد الدولية لخصتها افتتاحية (الواشنطن بوست) لتوصيف الحالة الراهنة في العلاقات الغريبة المريبة بين المملكة السعودية والولايات المتحدة، بقولها إن ما يحدث اليوم بين الدولتين أمر غير مسبوق في الدبوماسية التقليدية، وأضافت بأن كلا الدولتين تمران بمرحلة عسيرة لأن العلاقة غير الطبيعية، تربط بين دولة بلا مؤسسات دستورية، وبلا رأي عام فاعل، وبلا مجتمع مدني له منظماته المؤثرة، وبين دولة عظمى تحكمها بنود الدستور الأمريكي الذي يقسم السلطة بين الرئيس والكونغرس، بطريقة تضمن أكبر قدر ممكن من التوازن والعدل وتجنب الولايات المتحدة كل ما أمكن مطبات القرارات الفردية أو المزاجية.


وحللت (الواشنطن بوست) ذات الإشعاع العالمي والتاريخ الثري، كيف أن الكونغرس يتجه تدريجيا نحو تصحيح المسار الدبلوماسي الأمريكي، ونحو التعامل البديل مع الرياض على أساس حماية المصالح العليا للولايات المتحدة، لا على أساس العلاقات التجارية الخاصة بين كوشنر صهر الرئيس ترامب وولي العهد السعودي، وهي علاقات مالية واسعة بعضها معلن معروف وبعضها خاف ومستور، كما أنها علاقات قرر المدعي الأمريكي العام أنها ذات أذرع خارجية، تمس من نزاهة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وتكشف التدخلات الروسية والإسرائيلية في توجيهها، وهو ما لم يثبت بعد بحكم قضائي، لكنه يظل مثيرا للجدل !


تقدم عدد من أعضاء الكونغرس يوم الثلاثاء بعريضة إدانة لولي العهد السعودي، بناء على البراهين القوية التي عرضتها مديرة وكالة المخابرات الأمريكية (جينا هاسبل) على الكنغرس وعلى الرئيس ترامب، التي تؤكد بالقطع أن محمد بن سلمان هو الذي أعطى أمر اغتيال جمال خاشقجي إلى أقرب مساعديه، وهو الذي تابع عملية تنفيذ الاغتيال شخصيا، وهو ما يبدو للكونغرس كافيا لتعديل مسار الدبلوماسية الأمريكية نحو حماية مصالح واشنطن، لا حماية ولي العهد السعودي.


هذه العلاقة غير الطبيعية لا بين دولتين حليفتين، بل بين رجلين شريكين لا يمكن أن تستمر في ظل المؤسسات الدستورية على النهج نفسه؛ لأن من مهمات الكونغرس المنتخب كالرئيس تماما السهر على صدقية العلاقات الدولية، وعدم التفريط في قواعدها الأخلاقية التي أقرها ميثاق تأسيس الدولة الفيدرالية الأمريكية منذ 250 عاما !


لسائل أن يسأل اليوم، كيف ستخرج كلا الدولتين من هذا المأزق غير المسبوق خاصة ونحن ندرك أن تاريخ المؤسسات الأمريكية الحديث، يؤكد لنا أن أزمة (ووترغات) التي أطاحت بالرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون) سنة 1974كان وراءها الكونغرس والواشنطن بوست والصحفي الأمريكي الشهير في الصحيفة نفسها (بوب وودوورد)، وهو الذي أصدر هذه السنة كتابه الجديد المدوي بعنوان (الخوف: ترامب في البيت الأبيض) بعد 44 عاما من قضية (ووترغات) وهو على وشك أن يدفع الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى الاستقالة، ولكن هذه المرة عبر كتابه الذي بيعت منه مليونا نسخة مع العلم أنه لم يَسْلم رئيسٌ من تقييم (بوب وودوورد) وصارت شهادته على الفترة الرئاسية هاجسا لكل رئيس، ومادة دسمة لكل إعلامي ومؤرخ.


إننا بإزاء ظاهرة سياسية جديدة حصرية حين نسمع الرئيس الأمريكي يقول في مؤتمر صحفي منذ أيام، في إجابته عن سؤال حول تورط محمد بن سلمان، ومدى تقييم الرئيس لتقرير السيدة (جينا هاسبل): «يمكن أن يكون فعلها ويمكن أن يكون لم يفعلها، فهو أنكر صلته بالجريمة خمس مرات...!» أما اليوم وفي العريضة التي تقدم بها نواب جمهوريون وديمقراطيون للكنغرس، نجد اعتقادا ثابتا أنه فعلها ! ويطالب النواب بأن من فعلها يجب أن يحاسب أمام القضاء، لأنه فعلها. وبالتوازي نسجل أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن الملف جاهز؛ قصد تدويل القضية ومطالبة مجلس الأمن بتكليف المدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية بلاهاي بتولي البحث، وإحالة كل من أمر ونفذ الجريمة البشعة وأنكرها على القضاء الجنائي الدولي، وهو ما تنبأنا به وتوقعناه منذ إنطلاق خبر الجريمة على هذه الصحيفة حين قرأنا حقيقة الأحداث.

 

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل