ملفات وتقارير

لماذا ينحاز "ليبراليون عرب" للديكتاتوريات بمواجهة الإسلاميين؟

يرجع باحثون أسباب ذلك التناقض بين الخطاب والممارسة  إلى حالة الاستقطاب الشديدة بين الاتجاهات المختلفة- جيتي
يرجع باحثون أسباب ذلك التناقض بين الخطاب والممارسة إلى حالة الاستقطاب الشديدة بين الاتجاهات المختلفة- جيتي

في الوقت الذي تركز فيه الفلسفة الليبرالية في أصولها التأسيسية على منح الأفراد حرياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية، كقيمة مركزية في منظومتها الفكرية، تأتي مواقف بعض الليبراليين العرب مناقضة لتلك القيم والمبادئ، بانحيازها السافر إلى أنظمة استبداد عربية أوغلت في قمع الإسلاميين ومحاصرتهم.


ذلك التناقض بين نظرية القيم والمبادئ وواقعية التطبيق في بعض تجلياته، يضع الاتجاهات الليبرالية العربية المختلفة أمام أسئلة مصداقية الإيمان بالمنظومة التي ينتسبون إليها، ومدى جديتهم في الدعوة إليها، إذ كيف تبرر انحياز بعض اتجاهاتها وشخصياتها للاستبداد والقمع ووأد الحريات؟


يُرجع باحثون أسباب ذلك التناقض بين الخطاب والممارسة، الذي لا يقتصر في الساحة العربية على الليبراليين فقط، بل يتعداهم إلى غيرهم من الاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى، بما فيها بعض اتجاهات الإسلاميين، إلى حالة الاستقطاب الشديدة بين تلك الاتجاهات، التي تبرع الأنظمة السياسية في توظيفها في خضم إدارتها للملفات السياسية الشائكة والمعقدة.


يلفت الكاتب والأكاديمي المصري، الدكتور حاتم الجوهري إلى أن "الساحة العربية تشهد تناقضا رئيسيا منذ القرن الماضي، ومرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار، تقوم على توظيف الأنظمة السياسية للصراع بين اليسار العربي الماركسي، الذي تحول الكثير منه إلى الليبرالية الفضفاضة الآن، وبين فرق الدين السياسي أو الحركات الإسلامية".


وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ووفقا لإدارة هذا التناقض، يتم توظيف بعضهم ضد بعض، هنا في مصر دعمت البنية السياسية العميقة دستورا يميل للإسلاميين في البداية على حساب اليسار والليبراليين، ثم استقطبت لجنة الخمسين لتقوم بالعكس".


وردا على سؤال حول تناقض الليبراليين بين دعوتهم إلى الحريات نظريا ودفاعهم عنها، وبين بعض مواقفهم المنحازة إلى الاستبداد والاعتداء على الحريات، قال الجوهري: "تكمن الأزمة في أن الأمر يعود للشحن الإعلامي والجماهيري، وبناء التناقض والاستقطاب كما أسلفت".


وتابع: "فيتم تقديم كل فرق الدين السياسي كفزاعة تبرر احتكار السلطة، كما أن البعض يستعيد الممارسات نفسها التي مارستها فصائل الحركات الإسلامية، عندما كانت في السلطة في مصر مشيرا إلى أن "الأمر أعقد من ذلك، وتجاوزه في حاجة لتطور خيارات سياسية عربية جديدة".


ورأى الجوهري أن ما يجري "يتم تمريره في أجواء استقطابية تعتمد على الإثارة وشيطنة طرف على حساب طرف آخر، ثم عكس العملية؛ في أوقات الاستقطاب السياسي الحاد تحدث مثل هذه الأمور، والحل يكون في لحظة مفصلية جديدة تتجاوز التناقض كله، وتنتج أبنية جديدة تتجاوز سياق الماضي وتقاطباته".


بدوره رأى الكاتب والباحث الأردني، الدكتور عبد الله فرج الله أن "الليبراليين العرب من خلال تجارب كثيرة، ومحطات عربية متعددة، وفي بلدان مختلفة، وضعوا أنفسهم في مواجهة ما يدعون أنهم يناضلون من أجله، ويدافعون عنه، ويطالبون بتحقيقه، وبات نضالهم هذا صورة شكلية بلا مضمون".


وأردف قائلا: "ويظهر أن الإنسان بات في حساباتهم محكوما بخلفيته الثقافية والتزامه الديني، فإن كان من خلفيات ثقافية يرضونها، أو عقيدة يرونها صدحت حناجرهم، وسال مدادهم، وتداعى جمعهم للدفاع عن حرياته في التعبير والفكر والاعتقاد والممارسات، والمطالبة بكامل حقوقه غير منقوصة، ويستنفرون لذلك كل طاقاتهم، ويسخرون كل إمكانياتهم".


ووصف فرج الله في حديث لـ"عربي21" الليبراليين العرب بـأنهم "جماعة نخبوية متعصبة جدا، ولا تؤمن بحق الحياة إلا لمن يسير في ركابهم، ويؤمن بأفكارهم، أما من خالفهم فإنهم يحقدون عليه ويشنون عليه حربا لا هوادة فيها، تتغير معاييرهم للأسف بتغير المتعامل معه".


وتابع: "وموقفهم من الإسلام بشكل عام قبل الإسلاميين معروف ومكشوف، خاصة في مواضيع المرأة المختلفة، بهدف تغريبها وليس نيل حقوقها، فحريتها مرهونة بحجم خروجها من دائرة الدين والقيم والتمرد عليها".


واعتبر فرج الله أن "موقف الليبراليين ارتد حقدا دفينا على حملته من حركات الإسلام السياسي، التي لا يرون لها حقوقا أو حريات، تحت حجج واهية، واتهامات باطلة، يكيلونها لهذه الحركات، فالدين بشكل عام عندهم متهم، وهو لا يصلح لإدارة الحياة ولا ينسجم مع متطلبات التقدم ومعايير الحضارة"، على حد قوله.


ووفقا للكاتب والباحث الأردني فرج الله، فإن "أكثر ما يضير الليبراليين ويخرجهم عن طورهم، ويكشف خبايا نفوسهم انحياز الشعوب للحركات الإسلامية في الانتخابات، فتصبح الشعوب حينها في نظرهم غوغائية جاهلة ومتخلفة، لذا تجدهم في صف الأنظمة الديكتاتورية الطاغية الفاسدة إن كان الخيار بينها وبين حركات الإسلام السياسي".


وفي السياق ذاته، قال رئيس قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة التعليم الإسلامي بنيوجرسي في أمريكا، محمد عبد الكريم الحايك، إن "مفهوم الحرية عند كثير من الليبراليين العرب (وإن لم يعترفوا بذلك صراحة)  لا يشمل الإسلاميين، لأنهم عقبة في طريق الحرية يجب إزالتها ولا حرمة لهم"،بحسب عبارته.


وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21": "لقد كشفوا عن تناقض صارخ وازدواجية فاضحة بين الخطاب والممارسة"، ذاكرا أنه "لا يجد سببا لذلك سوى الفجور في الخصومة الفكرية والسياسية، أو الارتهان لأجندات من يمولونهم من أنظمة قمعية تسعى للقضاء على معارضيها من الإسلاميين، وكل ذلك سقوط أخلاقي مدو لليبراليين في اختبار القيم والمبادئ التي يعتدون بها ويدّعونها".


من جانبه رأى الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، عبد الله الجباري الحسني أن التناقض بين الخطاب والممارسة، يكاد أن يعم جميع القوى والاتجاهات الفكرية والسياسية، ولا يقتصر على الليبراليين وحدهم.


وختم حديثه لـ"عربي21" بالقول: "في كثير من الأحيان يُعتقل يساريون فلا يدافع عنهم الإسلاميون، كذلك فإن الإسلاميين اتجاهات ومدارس، فمثلا السلفيون في السعودية يدافعون عن الشيوخ المعتقلين في السعودية، ولا يدافعون عن حسن فرحان المالكي مثلا لاتهامه بالتشيع، ولا يدافعون عن المعتقلين الليبراليين، فالمشكلة تكاد أن تكون عامة".

1
التعليقات (1)
الواطن العربي
الإثنين، 26-11-2018 09:41 ص
لانهم بدون مبدأ و صيادين فرص ، حثالة

خبر عاجل