قضايا وآراء

الرابحون والخاسرون في التعديل الوزاري.. ومعارك تونس الكبرى

نور الدين العويديدي
1300x600
1300x600
قُضي الأمر الذي يستفتي فيه السياسيون التونسيون ويختلفون عليه منذ أشهر.. أدى الوزراء وكتاب الدولة الجدد اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، وذلك بعدما صوت البرلمانبالثقة على حكومة يوسف الشاهد بنحو 130 عضو برلمان، من أصل 217 مقعدا نيابيا، وطويت صفحة التعديل الوزاري وفتحت صفحات جديدة في الحياة السياسية التونسية..

انتهى وجه من وجوه التنازع بين رأسي السلطة التنفيذية: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وتمكنت تونس من استعادة العمل بدستورها، وفعّلت مجلسها النيابي ليكون المجلس من جديد مصدر السلطة الرئيسية في البلاد، بعد سنوات من انحراف سياسي جعل تونس واقعا ذات نظام رئاسي، رغم أنف الدستور الذي جعل من نظام الحكم شبه برلماني، والسلطة التنفيذية الرئيسية فيه هي رئاسة الحكومة لا رئاسة الجمهورية.
تمكنت تونس من استعادة العمل بدستورها، وفعّلت مجلسها النيابي ليكون المجلس من جديد مصدر السلطة الرئيسية في البلاد، بعد سنوات من انحراف سياسي جعل تونس واقعا ذات نظام رئاسي

الرابحون والخاسرون

انتهت جولة مهمة من الصراع السياسي برابحين وخاسرين:

- رئيس الحكومة يوسف الشاهد يعتبر أبرز الرابحين، فقد خاض الشاهد معركة الحفاظ على منصبه، ونجح في تثبيت أقدامه عنصرا مركزيا في السلطة اليوم وغدا، استعدادا لانتخابات 2019.. ظل الشاهد مهددا في منصبه منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، ودخل في معركة حادة مع حزبه، نداء تونس، ومع رئيس الجمهورية، الذي سبق له أن رشحه لرئاسة الحكومة، وكان قبلها سياسيا مغمورا من الصف الثاني في حزبه، ثم عزم على إقالته وهندس الوضع السياسي لتحقيق ذلك، لكن رئيس الجمهورية أخفق في آخر المطاف.. وانتصر رئيس الحكومة في هذه المعركة عن جدارة، بعد شهور من المناكفات والصراع المفتوح.

- ثاني الرابحين؛ حركة النهضة. فقد خرجت من المعركة بانتصار سياسي عززت بمقتضاه صورتها باعتبارها الحزب الوحيد المنظم المتماسك المدافع عن الاستقرار السياسي في البلاد. وقفت النهضة في وجه رئيس الجمهورية حين اقتضى مطلب الاستقرار ذلك، ونجحت في الحفاظ على فكرتها في إدارة الحكم عبر التوافق.. توافقت من قبل مع حزب نداء تونس ومع رئيس الجمهورية، وتتوافق اليوم مع رئيس الحكومة وفريقه؛ فضلا عن تعزيز حضورها في الحكومة بزيادة عدد وزرائها وكتاب الدولة المنضوين تحت لوائها.

- كتلة الائتلاف الوطني الداعمة للشاهد ثالث الرابحين. فالكتلة تعززت عدديا، ونجحت في اجتذاب نواب جدد استقالوا من حزب النداء والتحقوا بها.. والأرجح أن تنمو هذه الكتلة وتكبر أكثر مع الأيام.. فكلما شهد نداء تونس أزمات وانشقاقات واستقالات نواب، تعززت هذه الكتلة ونمت.. ويتوقع أن تكون كتلة الائتلاف الوطني نواة الحزب الجديد الذي سيخوض به رئيس الحكومة يوسف الشاهد انتخابات العام 2019 للعودة للحكم، باعتباره زعيم أغلبية حاكمة لا مجرد شخص يعينه رئيس الجمهورية في منصبه.
ثاني الرابحين؛ حركة النهضة. فقد خرجت من المعركة بانتصار سياسي عززت بمقتضاه صورتها باعتبارها الحزب الوحيد المنظم المتماسك المدافع عن الاستقرار السياسي في البلاد

- يعتبر حزب مشروع تونس وحزب المبادرة من الأحزاب الرابحة في التعديل الوزاري، فقد انضم الحزبان للحكومة، وحصلا على عدد محترم من الوزراء وكتاب الدولة.

أما الخاسرون في معركة التحوير الوزاري الأخير فهم:

- رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أبرز الخاسرين. فقد دخل الرئيس في معركة كسر عظم فاصلة لإقالة رئيس الحكومة، لكنه فشل في تحقيق ذلك فشلا ذريعا. وظهر رئيس الجمهورية معزولا سياسيا؛ غير قادر على فعل شيء لإعادة الاعتبار لنفسه، ولا يملك سوى التعبير عن رفضه للمسار الذي مضى فيه رئيس الحكومة، معلنا أنه لم يتم التشاور معه في التعديل الحكومي، دون أن يقدر على منع مروره واقعا. لكن استقبال رئيس الجمهورية للوزراء لتأدية اليمين الدستورية، على الرغم من رأي مستشاريه الرافض لذلك، مكنه من تخفيف خسائره، إذ ظهر باعتباره رجل دولة يحترم نواميسها؛ حتى وإن كان عاجزا عن قيادتها والتأثير في قراراتها الكبرى.

- ثاني أكبر الخاسرين حزب نداء تونس. فالحزب الذي كان الأول بعد انتخابات 2014 بات اليوم مجرد بقايا حزب، بلا روح ولا هوية، ولا يعرف نفسه في الحكم أم في المعارضة.. حزب يعارض رئيس الحكومة ووزراؤه في الحكومة يرفضون الخروج منها.. يهددهم بالطرد من الحزب، وهم لا يبالون.. يحافظون على غموض مواقفهم من الحزب، لعلها تنفع ذات يوم.. تراجع الحزب وعجزه عن إقالة رئيس الحكومة، وهو أحد قياداته في الأصل، كشف ضعف قيادته، ودفعت نوابا جددا للاستقالة من كتلة النداء.. وكلما أظهر الحزب ضعفه وعجزه عن التحكم في أجهزة الدولة، كلما تقلص عدد نواب كتلته وغادره السياسيون المحترفون الباحثون عن المناصب والأضواء.. وهي اليوم بيد رئيس الحكومة لا بيد رئيس الجمهورية ولا حزب نداء تونس.
حزب نداء تونس الذي كان الأول بعد انتخابات 2014 بات اليوم مجرد بقايا حزب، بلا روح ولا هوية، ولا يعرف نفسه في الحكم أم في المعارضة.. حزب يعارض رئيس الحكومة ووزراؤه في الحكومة يرفضون الخروج منها

- ثالث الخاسرين هي المعارضة التقليدية في البرلمان، مثل الجبهة الشعبية والأحزاب الصغرى الأخرى.. فهذه القوى دافعت عن خيار النداء وخيار رئيس الجمهورية في إقالة رئيس الحكومة، وفشلت مثلهم في تحقيق أهدافها.. الفارق أن النداء كان يكافح من أجل مصلحته، ويخوض معركة الحفاظ على السلطة.. أما قوى المعارضة فكانت تعمل لتحقيق مصالح غيرها، حتى شبهها بعض المحللين برياح "الشهيلي" الحارة تنضج الثمر، ويأكله غيرها.

- حزب الاتحاد الوطني الحر الذي اندمج مؤخرا في حزب نداء تونس في محاولة أخيرة لمنع تمرير التعديل الوزاري، وصار أمينه العام سليم الرياحي أمينا عاما للحزب الموحد: نداء تونس، يتوقع أن يكون ضمن الخاسرين الكبار. فالرفض الحاد في أوساط من بقي من قواعد النداء لتولي الرياحي قيادة حزبهم، خلف حافظ قائد السبسي، قد يدفع الأخير لطرد الرياحي من الحزب، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

معارك البلاد المنسية

مر التعديل الوزاري.. ربح من ربح وخسر من خسر.. المطلوب اليوم المرور للمعارك الحقيقية للبلاد:

- أولى المعارك الحقيقية هي معركة محاربة التضخم الذي بلغ 8.1 في المئة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكوى عامة التونسيين بغلاء الأسعار، حتى سحقت الطبقة الفقيرة، وصارت الطبقة الوسطى تعاني معاناة شديدة..
أمام هذه المعارك المصيرية يبدو معظم السياسيين للأسف غير مبالين بها، تشغلهم مناكفاتهم وصراعاتهم الصغيرة.. همّ أكثرهم منصبّ على انتخابات العام 2019

- ثاني المعارك؛ معركة استفحال الديون، فتونس تغرق في الديون. وصارت الحكومات المتعاقبة تقترض لتغطية الاستهلاك، بدلا من أن تقترض للاستثمار وتنمية الثروة الوطنية..

- أما أهم المعارك الحقيقية فمعركة انهيار الدينار. فالدولار يكاد يبلغ ثلاثة دنانير للدولار الواحد، علما أن الدولار كان يعادل 1.2 دينار عقب الثورة التونسية في مطلع 2011.

أمام هذه المعارك المصيرية يبدو معظم السياسيين للأسف غير مبالين بها، تشغلهم مناكفاتهم وصراعاتهم الصغيرة.. همّ أكثرهم منصبّ على انتخابات العام 2019؛ كيف يفوزون فيها أو يحسنون من مواقعهم بعدها.. وهو ما يمثل خطرا على المسار الديمقراطي بأسره.. فلا استقرار للديمقراطية إذا جاع الناس.
التعليقات (0)