كتاب عربي 21

أين الشباب من حركة الإخوان؟.. النقد الذاتي (39)

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
من الأخطاء الاستراتيجية التي تعبر عن الفجوة الجيلية في حركة الإخوان؛ هو ذلك البيان الذي أصدرته الحركة من غير أدنى مبرر، حينما أعلنت أنها ليس لها أو من أبنائها من هو موجود يمثل الحركة من الشباب في ائتلاف شباب الثورة. لا أكتمكم القول أن فحوى هذا البيان المريب وقع على رأسي وقع الصاعقة، إذ شكل ذلك خطأ استراتيجيا من قيادات الإخوان الذين أصدروا هذا البيان، ولا يقل خطأ عن هذا البيان إلا ذلك القرار الذي اتخذه شباب ائتلاف الثورة بحل الائتلاف.. هذان الأمران مثلا خللا جوهريا في التفكير بالثورة، وكان من أهم أسباب الفشل الذي طال مع ثورة 25 يناير. ولم يكن يقل هذا البيان وهذا القرار من خطأ أو خطر على الحالة الثورية؛ إلا فعل وسلوك اتخذه أهل الثورة في يوم 11 شباط/ فبراير 2011 حينما تركوا الميدان.. قلت في هذا المقام تجاوزا إن الثورة بدلا من أن تحكم "روّحت إلى البيت".

هذا البيان، وهذا القرار بالحل، وهذا الفعل الابتدائي بالثورة الذي بموجبه انسحب أصحابها إلى منازلهم، تعبر عن أخطاء استراتيجية لا نستطيع إلا أن نشير إليها بأنها توضح خللا في التفكير والتدبير وفي تفهم موجبات التغيير.

من الأمور الأساسية أن نقف عند قرار وبيان يصدر عن أكبر حركة اجتماعية في مصر بعد اختلافها مع شبابها؛ أنه ليس هناك من يمثلها في ائتلاف شباب الثورة.. إنه البيان الكارثة الذي يعبر عن عقل مغلق وأفق ضيق؛ وفق تصورات تنظيمية حديدية في معالجة الأمور، وكيف أن هؤلاء قد نظروا إلى الشباب كمجموعة من المارقين لا يستحقون إلا التحقيق وليس لهم من عقاب إلا الفصل. هكذا كان هذا التفكير بداية لتهميش الشباب، وشباب الإخوان على وجه الخصوص، في ثورة كبرى. ذلك أن الحسابات قد اختلفت، وأن الكبار لا يعجبهم سلوك الشباب ونسوا أن الثورة ثورة مستقبل، وأن هؤلاء الشباب كان لهم الفضل في إدراج الإخوان كحركة تغيير كبرى في طريق وسلك الثورة.

حملت دراسة الباحث الواعد ياسر فتحي، والمعنونة "اتجاهات شباب جماعة الإخوان المسلمين في مصر"، وبمنهجية علمية صارمة، أفكارا ونتائج ذات قيمة عالية في مساحات النقد الذاتي. وتأتي هذه الدراسة وسط تراجع وتقهقر محاولة الانتقال نحو الديمقراطية في مصر، ومعها تراجع التأثير السياسي للمكونات الشبابية في مصر، مع غياب لأي دراسة (حسب ما وقف عليه الباحث المتمكن) تتعلق باتجاهات المكونات الشبابية، ولا سيما شباب الإخوان المسلمين. وتوصل في دراسته الى نتائج تحدد موضع فكر وفعل الشباب ومواقفهم وأهمها:

- يحمل تنظيم الإخوان المسلمين بداخله توجهات متعددة منذ اللحظة الأولى؛ بعد رحيل مبارك وقبل حدوث أي استقطاب سياسي.

- برغم الحالة العامة التي كانت شائعة في مصر بالفرح برحيل مبارك والشعور العام بالانتصار، والذي تمت ترجمته برحيل جموع الناس والسياسيين من الميادين، وفض الاعتصامات الكبرى المركزية المطالبة بإسقاط النظام، وبرغم إشادة الجماعة بجهود المجلس العسكري والذي مثل قبولا منها (كما حدث من باقي القوى السياسية) لتولى إدارة شؤون البلاد، كانت هناك نسبة ليست قليلة بلغت 45 في المئة؛ لا يتطابق رأيها مع موقف الجماعة الرسمي المؤيد للمؤسسة العسكرية في إدارتها لشؤون البلاد.

- أيّد غالب شباب الجماعة بنسبة 81 في المئة خارطة الطريق التي سعت الجماعة لتنفيذها، بدءا من التعديلات الدستورية، ثم انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ثم الانتخابات الرئاسية، ثم وضع دستور جديد للبلاد.

- أذكت ممارسات المجلس العسكري (شيئا فشيئا) مشاعر الغضب لدى قطاعات الشباب، مثل: ما حدث من إضافة مواد لم يتم الاستفتاء عليها في التعديلات الدستورية، مع التباطؤ والتلكؤ في محاكمة مبارك، وكذلك في تنفيذ الإجراءات المستفتى عليها لتسليم السلطة لمؤسسات منتخبة خلال ستة شهور فقط وهو ما لم يحدث، وزاد على ذلك ما مارسته الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، وأحيانا الشرطة العسكرية، من سلوك عنيف وقمعي وانتقامي ضد الثائرين في الميادين وأهالي الشهداء، مما أسفر (بسبب استخدام القوة) عن قتلى وجرحى بشكل مستمر، وبلغت تلك الأحداث ذروتها بنهاية عام 2011 في أحداث التظاهرات الغاضبة في أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء.

- بنهاية عام 2011، ومع ثبات موقف جماعة الإخوان المسلمين الرسمي تجاه المؤسسة العسكرية واستمرار الثقة فيها، وإن بدرجة أقل من فبراير ومارس 2011، ارتفع عدد الذين أصبحوا رافضين لدور المجلس العسكري من شباب الإخوان إلى 79 في المئة، بعد أن كانوا في شباط/ فبراير 2011 55 في المئة.

- كانت هناك رؤى متقدمة لبعض شباب الإخوان، تتعلق بنقد موضوعي لهذا المسار، ومنها رسالة أرسلها قيادي شاب للدكتور عصام العريان يشرح له فيها خطورة هذا المسار.

- تغيرت اتجاهات شباب الإخوان في قضية التقدم بمرشح للرئاسة؛ من التأييد الكبير لموقف الجماعة إلى التمايز الواضح. فحين أعلنت التزامها بعدم الترشح، وافقها تأييد كبير بنسبة 78 في المئة، وعندما أعلنت تقدمها بمرشح، وافقها تأييد ضعيف بنسبة 47 في المئة، وعند أوقات التصويت بلغ التمايز مداه، ووصل المؤيدين لموقف الجماعة إلى 27 في المئة، كما ارتفعت نسبة المترددين إلى20 في المئة.

- اختلفت العلاقة بين اتجاهات شباب الإخوان وبين المواقف الرسمية للجماعة؛ بحسب نوع القضايا والمواقف.

- في الأجواء الاستقطابية الشديدة، وقف نمو وتطور المواقف المتمايزة لشباب الجماعة عن الموقف الرسمي، واصطفوا مع القرارات الرسمية للجماعة باعتبارهم جميعا والجماعة في حالة قصف واستهداف شديد.

- في الكشف عن دوافع وأسباب تباين أو تمايز مواقف شباب الجماعة عن المواقف الرسمية:

* كان هناك استعداد مسبق لدى شباب الجماعة للتفاعل السريع مع دعوات التغيير والتعامل مع المتغيرات (خاصة بعد رحيل بن علي في تونس)، وهو ما سيكون تفاعلا أكبر مع المتغيرات الكثيرة التي ستحدث في أجواء الحرية بعد رحيل مبارك.

* التباين في اتجاهات شباب الإخوان والمواقف الرسمية للجماعة لم يكن مفاجئا بعد رحيل مبارك، بل كانت هناك إرهاصات لذلك منذ ظهور دعوات الحراك الثوري لـ25 يناير، بعد نجاح حراك تونس في رحيل الرئيس التونسي السابق ابن علي.

* ضعف الوعي والتكوين السياسي لدى الجماعة؛ سيجعل اتجاهات شباب الإخوان المسلمين السياسية كأنها في حالة "جنينية" تنمو شيئا فشيئا، بالتفاعل مع البيئة المحيطة، مما سيجعل توجهات شباب الجماعة قابلة للتغير والتطور؛ حسب القرائن والمستجدات، والوعي المكتسب من التفاعلات المستمرة مع الأحداث.

* عدم الوعي بالمؤسسة العسكرية وتطلعاتها السياسية جعلهم غير قادرين على التعامل مع الصورة الذهنية العامة لدى عموم الشعب المصري؛ المتعلقة بأنها حامية للثورة.

- في الكشف عن أسباب عودة التقارب مع المواقف الرسمية للجماعة، في حالة الاستقطاب الحاد وسياسة الحشد والحشد المضاد:

* خلق الفاعلون السياسيون مجالا للتنافس الحاد، وكأنهم في حالة حرية وديمقراطية راسخة، مما جعل شباب الثورة الذين كانوا متوحدين في الميادين سابقا، حائرين في هذا الصراع السياسي، أو ضحية له.

* وأمام أجواء القصف والتصعيد والتعبئة ونشر الكراهية والعداء، اضطر شباب الجماعة لأن يقفوا دفاعا عن الجماعة، أو الرئيس المنتخب (غض النظر عن آرائهم في السابق).

- بتقييم الشباب في الوقت الحالي (حزيران/ يونيو 2017) لاتجاهاتهم في السابق، هناك تأكيد على التمايز الواضح عن مواقف جماعة الإخوان المسلمين الرسمية تجاه المؤسسة العسكرية والمسار السياسي العام المتعلق بمسار التعديلات الدستورية، ثم الانتخابات البرلمانية، ثم الرئاسية، غير أن قضايا الاستقطاب ظلت في حالة ملتبسة أو مترددة، ولم يتم تكوين عقل جمعي فيها بشكل واضح.

- وعن أسئلة للمستقبل، غلب التردد واللايقين على اتجاهات الشباب نحو المستقبل، ولم تظهر غالبية مطلقة حول رأي محدد، سواء تعلق السؤال بمستقبل الجماعة أو مستقبل مصر.

إن هذا الخلل البنيوي في التفكير والتدبير، وفي التعرف على معطيات التغيير والنظر إلى الشباب كقوة ضاربة في عملية التغيير، كان من المهم أن يدفع هؤلاء إلى تطوير الأساليب بما يتلاءم مع حالة الثورة لا بما يلائم هؤلاء القيادات في أولوية التنظيم، فغلّبوا الاعتبارات التنظيمية. وكانت تلك سقطة كبرى، ولكن إن دل ذلك فقد دل على فجوة جيلية ضمن تصور للشباب، فكرا وحركة، ضمن عقلية وصائية.. وسنعالج ذلك في مقال قادم ودراسات أخرى.
التعليقات (2)
احمد بدوي
الأحد، 17-02-2019 11:58 م
وانت مالك .. وانت مين عشان تقول نقد ذاتي .. النقد الذاتي يقوم به الاخوان لذواتهم .. وليس انت فانت لا تستطيع ان تكون فى مقام اصغر شاب فيهم .. انت كل دورك افتعال فتنة غير موجودة وتاليب الناس على بعض لا اكثر ..والله مخزيك وفاضحك
مصري جدا
الثلاثاء، 06-11-2018 07:33 م
المشكلة الكبرى أنك ستجد لكل تصرف او سلوك الف مبرر ومبرر ،، أزمة الحوار والنقاش داخل الجماعة هي نفسها أزمة الحوار والنقاش في هذه المنطقة من العالم نعم أنها ثقافة منطقة وجنس وافهام للدين ،، أقول الحوار والنقاش وليس مجرد الكلام او إبداء الرآي وهناك فارق كبير بينها ،،، الإخوان في مرحلة ما بعد 2004 منذ نزول حركة كفاية للشارع وتظاهرات الإصلاح التي عمت البلاد يعانون الخوف من الانشقاق التنظيمي وخروج الشباب عن فروض الطاعة ،، ظهر هذا جليا في الأفكار الأولى للدكتور جمال حشمت وغيره عندما طالب بحزب سياسي للإخوان فكانت المحاسبة الشديدة والمواقف التنظيمية ،، حتى بعد تأسيس الحزب تم التعامل معه كمولود مبتسر لم يكتمل نموه ويحتاج لحضانة الجماعة ،،، هذه ليست مشكلة الإخوان فقط بل مشكلة كل التنظيمات العقدية إسلامية كانت او حتى شيوعية ،،، الأهم مما سبق من الكلام والأحداث رغم فداحتها ،، الجماعة لم تتعلم كل الدروس ،، وظلت كما هي حتى في صياغة البيانات وتوقيتها والحديث عن التحالفات وشروطها ،، أنها أزمة جيل من القيادات تجاوزته طبيعة المرحلة ولم يعد مناسبا ،،، وعلى القيادات الوسيطة والقواعد او بقاياهما البحث عن منصة قيادة تليق بمستوى المرحلة وحجم التحديات ،، لأن البديل هو دورة كاملة تستغرق 50 عاما أخرى ثم يعود الإخوان لنفس النقطة بنفس النتائج لأنه مصرون على السير بنفس الطرق والأفكار والأساليب ،،،