مقالات مختارة

خريف القلق

فاتنة الدجاني
1300x600
1300x600
إسرائيل قلقة. ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو قلق، وكذلك ساستها. الجميع يتحسّب مما ستحمله «صفقة القرن» المتوقع أن يعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد استقرار نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس، أي نهاية السنة أو مطلع العام المقبل.

والقلق الإسرائيلي متوقع في ضوء إعلان ترامب، في أجواء الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه منح الدولة العبرية الكثير، وجاء دورها لتعطي، ثم ما أعقب ذلك من تسريبات بأن «الصفقة تحمل مفاجآت سارة للفلسطينيين»، معطوفة على اجتماعات شهدتها رام الله مع حملة رسائل من الاستخبارات الأمريكية إلى مبعوثين بدرجات متفاوتة من الأهمية. لكن التخوّف الأكبر، كما عبّرت عنه «يديعوت أحرونوت»، هو أن يُعلن ترامب القدس عاصمة لفلسطين أيضا.

إن ترجمة تصريحات نتنياهو في الأسبوعين الأخيرين مؤشر مهم إلى ما يدور في الكواليس. تصريحاته أقرب إلى ردود فعل، بصوتٍ عالٍ، على اقتراحات غير معلنة يعلمها، وقد تكون وصلته همسا أو تسريبا أو ربما في استشارة من المرجعيات المعنية بصياغة نهائية لـ «صفقة القرن»، وإلا فما معنى أن يعلن ويكرر أن التطبيع مع الدول العربية يجب أن يسبق عملية السلام، وأن الأمن في الضفة الغربية يجب أن يبقى في يد إسرائيل، وما يجب أن يُعطى للفلسطينيين هو أعلى من حكم ذاتي وأقل من دولة؟ لاحظوا أن الشروط الإسرائيلية تقلّصت، وهذا ليس بسبب مرونةٍ أو اعتدال وخفض للسقوف، بل لأن الدولة العبرية تعتبر أنها حسمت قضية القدس بصفتها عاصمة لها من خلال وعد ترامب. أما قضية اللاجئين، فتعتبر أنها طوَتها عندما أقرت قانون «القومية اليهودية» العنصري، فيما المستوطنات كفيلة بحسم موضوع الأرض.

قلق إسرائيل يجب ألا يؤخذ بجدية. صحيح أنه حقيقي، ولكن لدى تل أبيب من الخبرة الطويلة ما يحيله لاحقا إلى مكاسب، فما يبدأ بشكوى وتحسبات وتضخيمها ووضع شروط، ما يلبث أن ينقلب إلى ضده، لتخرج الدولة العبرية بالحصاد، أما إذا حُشرت في الزاوية، فردُّها التقليدي هو الهرب إلى أمام، إما بحرب تفتعلها على جبهتي غزة أو لبنان، أو بانتخابات مبكرة، وهذا هو المرجح. سيعمد نتنياهو إلى التسويف لكي يضمن عدم إعلان أي مبادرة أمريكية، أو حتى فرنسية يُعِدّ لها الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى أن تجرى الانتخابات، ثم ما يعقبها من مفاوضات ائتلافية وابتزازات اليمين، ليعود الوضع إلى المربع الأول. والأكيد أن لا تراجع إسرائيليا عن الهدف الأساس في رفض أي حق للفلسطينيين. ونتنياهو لا يُطمأنّ إليه، وسيَخدع الجميع، ويخذل ترامب. من المنطق التكهن بأن «صفقة القرن» تعرّضت لإعادة صياغة مرات عدة، وأنها بضغوط دولية وعربية أخذت في الاعتبار بعض الاعتراضات الفلسطينية، وهذا في حد ذاته هو الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه، وهو ما عبّر عنه ترامب بالقول إن على الطرفين التنازل، وإن عدم القبول بالصفقة سيعني أن الذي سيليها سيكون أسوأ.

فلسطينيا، ليس المطلوب سوى انتظار الاطلاع على مكنونات الصفقة، وليس الموافقة عليها سلفا... لئلا يصبح القلق من نصيب الفلسطينيين أيضا.

إن العودة إلى عملية السلام من دون أُطر واضحة وآليات متفق عليها وسقف زمني ورعاية دولية، لن تكون حكيمة. لا تكفي الإغراءات الأمريكية والوعود الغامضة، فالثابت حتى الآن أن سنوات من المفاوضات جلبت للفلسطينيين الأهوال، وانتزعت خلالها إسرائيل ما لم تستطعه في عمر النزاع. والثابت أيضا أن الرفض الفلسطيني عطّل عملية السلام وأحلام ترامب بالصفقة الكبيرة. كل الضغوط والابتزازات والتضييق على الفلسطينيين، لم ينفع في ترهيبهم، وبقيت كلمتهم هي الأساس. ثبُت أن قول «لا» أنجع آلاف المرات من كلمة «نعم». غياب الحل أفضل من حل منقوص، وفي الانتظار حفظ للحقوق على المستويين القانوني والوطني.

حجم الاطلاع الفلسطيني على «صفقة القرن» ليس ضئيلا، وزيارة الرئيس محمود عباس عُمان قبل زيارة نتنياهو السلطنة، ثم جولة المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات المرتقبة في المنطقة، تعنيان أن هناك الكثير من التعديلات التي قد تجعل هذا الخريف في إسرائيل «خريف القلق».

عن صحيفة الحياة اللندنية
0
التعليقات (0)