قضايا وآراء

لماذا يكرهوننا؟

1300x600
1300x600
في مقال اشتهر في حينها، تساءل الكاتب الكردي هوشنك بروكا: لماذا لا أكره إسرائيل؟ وأراد الكاتب من المقال إظهار محاسن دولة الاحتلال، ما شكل صدمة في حينها للشارع العربي الذي لم يعتد هذا الخطاب.

لكن الكاتب أراد أن يغوص في أعماق أزمة "الشعوب" العربية مع الاحتلال الصهيوني، على الرغم من أنها دولة يحكمها القانون، وتتمتع بديمقراطية وحرية ومزايا معيشية تفتقدها دولنا العربية" على حد تعبيره. ونقل الكاتب ما يشعر به المواطن في الكيان الصهيوني تجاه هذه الكراهية من محيطه الإقليمي.

لكن هذا المواطن الذي يتأذى من كراهية جيرانه، والذي يعيش في دولة الرفاه والديمقراطية، لا يشعر بحال من الأحوال بما يقوم به من انتهاك هذه الحريات والحقوق التي كفلتها الأديان قبل المواثيق الدولية؛ في حق المواطن العربي المقموع والمقتول على أرضه التي احتلها جيش ذلك المواطن المتأذي من كراهية جيرانه، والذي يدفعه طرد أهل الأرض من أراضيهم، ومحاصرة من بقي على أرضه واعتقاله وتجويعه وقتل أطفاله، وتعقيم نسائهم، وحرمان هذا الشعب من حقه في إقامة دولة على أسس ديمقراطية؛ لهذا الشعور.

وتغذي هذا الشعور الحكومات المتعاقبة في هذا الكيان، سواء من حزب العمل أو الليكود، بدفع المواطن إلى الشعور بأنه مضطهد من شعوب يحركها الغل والحقد؛ لأنه الأفضل في هذا المحيط، ليبقى هذا المواطن متمسكا بهذه الحكومات الساعية لحمايته من هذا المحيط البغيض.

هذا الشعور الذي يعيشه المواطن في الكيان الصهيوني؛ يعيشه الآن مواطن آخر في نفس المنطقة وبنفس الدوافع والأسباب، ويتساءل نفس السؤال الذي يطرحه مواطن دولة الاحتلال، إذ إن العائلة التي تحكم هذه الرقعة المهمة من الأرض العربية تغذي مواطنيها بشعور التربص من قبل الجيران في المحيط الإقليمي، مؤكدين في نفس الوقت أنهم يعيشون في بلد وفّر كل ما يمكن أن يتمناه الإنسان في العصر الحديث، وأن تلك الحياة لم تكن لتؤسس لولا حكمة وفضل حكامهم.

وفي الفترة الأخيرة، تفاقم الإحساس بالاضطهاد والشعور بالتربص بعد الأحداث التي تعيشها المنطقة، والتي تسبب فيها حكامهم بحكمتهم وحسن تدبيرهم.

فالشعوب المتعاطفة مع الضحية، والتي انتفضت على الظلم طامحة في حياة أكثر حرية وديمقراطية ورفاه، تآمر عليها هؤلاء الحكام الذين يدعون أن الآخر يحقد عليهم ويحسدهم، فأفشلوا ثورات الشعوب، ودبروا المكايد ودفعوا المليارات، واستخدموا الرشى من أجل إحباط مساعي الشعوب التي خرجت لتحيا حياة كريمة لا يهان فيها الإنسان ولا يُستعبد، ولتختار من يحكمها بالطرق التي ارتضتها الشعوب المتحضرة، لتخرج من تحت وصاية دول الاستعمار القديم ووكلائه الجدد. وفي سبيل إفشال مساعي تلك الشعوب، لم يتوان هؤلاء الحكام عن استخدام كل الوسائل، فلم يقف الأمر عند حد الرشى والمكائد، بل أهدروا في ذلك دماء أريقت بغير ذنب؛ إلا لتكون عبرة لباقي الشعوب، تأديبا وتهذيبا وإخراسا.

لقد قامت تلك الدولة مدعية المظلومية بقتل الجيران بطائراتهم ومدرعاتهم، ودبرت في ذلك الكمائن، واستأجرت المرتزقة لإسكات المعارضين عبر حملات تقتل الأبرياء وتهدم الدور وتخرب المؤسسات؛ لتحيل دولة مستقرة إلى شبه دولة على حافة الفشل بمعناه الاصطلاحي.

لقد قامت تلك الدولة مدعية المظلومية؛ بدعم الثورات المضادة - ولا تزال - بالمال والدعم اللوجيستي والسياسي والإعلامي، وحتى بالسلاح، في أماكن تحتاج ذلك، أو بالفساد السياسي وشراء الذمم في أماكن أخرى، أو بنشر الفكر المثبط والمنبطح، لكن في النهاية الهدف واحد والغاية واحدة، وتعمل في ذلك بنفس طويل، فالصيد ثمين والصبر عليه لازم.

ولقد تجاوزت هذه الدولة حدود محيطها لأبعد من ذلك، فما من دولة إسلامية يسعى أهلها للتحرر أو النهوض أو النمو إلا وكانت تلك الدولة مدعية المظلومية حاضرة، إما مباشرة أو بعملائها المشترين بأموال النفط الذي رزقوا إياه فتنة. فاليمن والعراق وسوريا ولبنان ومصر والصومال وليبيا وتونس والجزائر وأفغانستان وباكستان واندونيسيا؛ ذاقوا جميعا من أموال النفط ما كان مرا علقما، ففسدت البلاد بعد عمار، وبُثت في مجتمعاتهم الكراهية والفرقة بعد وئام، وتفسخت الأواصر بين الشعوب التي جمعها الدين.

كل هذا ويتساءل هذا النظام "لماذا يكرهوننا؟".. المصيبة أن هذا النظام الدكتاتوري القمعي استطاع أن يغسل أدمغة شعبه، كما كل النظم الدكتاتورية في العالم.. اختصرت الدولة في شخص الحاكم، فأصبح من ينتقد الحاكم يهين الشعب، واعتبروا أن الحاكم رمزا، والاعتداء على الجزء اعتداء على الكل، على خلاف المنطق. ولا عجب في ذلك، فوجود مثل تلك الأنظمة في هذا الزمان مخالف للمنطق.
التعليقات (0)