مقالات مختارة

واحد من أربعة

عاصم منصور
1300x600
1300x600
أحيا العالم في العاشر من شهر كانون الأول/ أكتوبر الجاري، اليوم العالمي للصحة النفسية، وهي المشكلة المسكوت عنها في معظم دول العالم، خاصة الفقيرة منها، حيث تعد أحد أكثر شؤون الصحة إهمالا، وذلك بسبب قلة الوعي بالعبء الذي ترتبه المشاكل النفسية على الأفراد والمجتمعات. 

وساهم الاعتقاد الخاطئ بعدم وجود ما يمكن القيام به لمواجهة هذه المشكلة في تفاقمها، ناهيك عن الوصمة التي ترتبط بالمشاكل النفسية التي تشكل عقبة في طريق النهوض بالرعاية النفسية، وقد تؤدي إلى التمييز ضد المرضى الذي يصل إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

تقدّر منظمة الصحة العالمية أن عشر سكان العالم يعانون من مشاكل نفسية، وأن واحدا من كل أربعة أشخاص سيصاب بأحد أنواع الاعتلال النفسي أو العصبي خلال حياته. 

وتقدر الدراسات أن أكثر من مليار شخص في العالم مصابون بأحد هذه الأمراض، بما فيها حوالي 300 مليون شخص يعانون من الاكتئاب، و50 مليونا من الخرف و60 مليونا من الاضطراب ثنائي القطب، ويزداد انتشار هذه الأمراض في الدول التي تعاني من الحروب والتشريد والفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية والأمل بمستقبل أفضل. 

وذهبت الدورية الطبية المشهورة "the Lancet" إلى أن الأمراض النفسية ستكلف العالم حوالي 16 تريليون دولار حتى عام 2030، بما فيها الكلفة المباشرة للرعاية الصحية وغير المباشرة على الاقتصاد بسبب العجز الذي ينتهي إليه الكثير من الأفراد المصابين بهذه الأمراض وسنوات العمر المفقودة جراء الوفاة المبكرة لهؤلاء المرضى حيث تقدر الدراسات أنهم يعيشون عشرين سنة أقل من نظرائهم.

وأدى عدم تفهم الناس للمشاكل النفسية وعدم جاذبيتها للاهتمام من صانعي السياسات إلى ندرة الاستثمار فيها رغم العائد الكبير الذي يجنيه الاقتصاد جراء الاستثمار في الرعاية النفسية، حيث يحصل الاقتصاد على عشرة دولارات مقابل كل دولار ينفق، لكن هذا لم يقنع الدول النامية في تخصيص الأموال الكافية للنهوض بهذه الرعاية حيث إن هذه الدول تنفق أقل من 2 في المئة من ميزانياتها الصحية على الاستثمار في الصحة النفسية.

"صار الوقت نحكي".. هذا هو الشعار الذي رفعه الأشقاء في لبنان لدفع الناس للكلام عن هذه الأمراض بعيدا عن الأحكام المسبقة والخوف من الوصمة الاجتماعية، فهذه الأمراض والاعتلالات يمكن التعامل معها إذا ما اكتشفت مبكرا وتتفاقم بالسكوت عنها. 

لا بد لنا في الأردن من دمج برامج الصحة النفسية ضمن الرعاية الصحية الأولية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان والعمل على تدريب الكفاءات التي بإمكانها التعامل معها والكشف عن أعراضها المبكرة مما يمكن المختصين من استخدام التدخلات الدوائية والنفسية والاجتماعية المستندة إلى الأدلة العلمية التي ثبتت فعاليتها، فالرعاية الصحية الشاملة للاعتلالات النفسية تتطلب وجود أنظمة رعاية صحية واجتماعية متناسقة وفرق عمل مدربة تدريبا جيدا.

لا تؤشر الأمراض النفسية إلى الفشل على المستوى الشخصي وإنما هي نتاج فشل النظام الصحي بل والإنسانية في التعامل معها  فالصحة النفسية مسؤولية الجميع بدءا بالأشخاص الذين يعانون منها وأسرهم إلى مقدمي الخدمة وصانعي السياسات والباحثين.

(عن صحيفة الغد الأردنية)
التعليقات (0)