قضايا وآراء

وثيقة منظومة القيم.. العدل والظلم (2)

هاني الديب
1300x600
1300x600
إن مسؤولية إقامة العدل في المجتمعات هي مسؤولية تضامنية وليست كما يتوهم الكثيرون مسؤولية أولي الأمر وحدهم؛ لأن غياب جزء ولو يسير من العدل يعني أن ظلما ما قد حدث، وأن عاقبة سماح المجتمع للظلم بالوقوع ينذر بعقاب للمجتمع بكامله.

لذلك نجد الله يحذرنا في كتابه الكريم فيقول: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب". ويقول عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ". ولم يكن عبثا ألا يذكر الله في علاه شيئا بلفظ التحريم علي ذاته الإلهية إلا الظلم، فيخاطبنا الله في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"، وينبهنا الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أنه لا يوجد شيء اسمه ظلم بسيط (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين).

علينا أن ندرك أن الله يشاء الظلم ولا يرضاه، ولو شاء الله ماوقع الظلم، ولكن الله جعله إحدى وسائل ابتلاءاته بل وأقساها (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون). وفي المقابل، يغفر الله لعبده كل ماصدر في حق الله ولا يغفر له ظلمه، إلا إذا عفا عنه المظلوم يوم القيامة. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم. إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".

ولا يغرنك أن ترى الظالم لا يصيبه أذى، بل ويزداد في ظلمه ويطيل الله في عمره. تيقن أن الله شاء هذا بحكمة لا بغفلة (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار). كما جاء في الحديث الصحيح "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم تلى هذه الآية: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة". فإذا لم تر في حياتك عقاب الظالم، فثق أن الله لا ينسى، ويمهل ولا يهمل (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، يعني يحمد الله على أنه بالمرصاد للظالمين حتى لا يفترسوا الآخرين.

ولا تجد ظلما في دولة أو مجتمع إلا ورأيت الفساد ينخر فيه، ويستحيل أن تقوم لهذا المجمتع قائمة. وها هو القرآن يحدثنا عن اقتران الظلم والفساد (الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد)، فتفسد الأمور وتوضع في غير محلها ويسند الأمر إلى غير أهله وهذا يؤذن بهلاك الأمة. لا توجد أمة كلها ظالمون، ولكن حين تسكت الأمة على الظلم وترى من أبنائها من يترنح ظلما بين السجون والقتل وهتك العرض والنفي، ثم لا تنصره وتتدثر في لحاف الخوف، يأذن الله بأخذها (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ الثرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، فلا تجد بيتا أو فردا إلا وقد طاله الظلم والشدة، بما في ذلك ظلم الظالمين بعضهم البعض، وما واقعنا العربي عن هذا ببعيد.

لقد جعل الله مكافحة الظلم أعلى درجات الجهاد، حيث قال الرسول: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله".

وقال: "إن الله أوحى إلى ملائكته أن أهلكوا قرية كذا فقالوا يارب ان فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين، قال به فابدأوا، فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط". انظر إلى الحديث الذي يصفع مدعي الالتزام من الإسلاميين وعموم الناس. إن عدم معصية الله طرفة عين لم تكن شفيعا للسكوت على الفساد والظلم، ولم يرض الله منه حتى الإنكار القلبي الذي لم يظهر على قسمات وجهه، فما بالك بالابتسام في وجه الظالم والتصفيق له؟ كيف بك وأنت صديق أو قريب ضابط أو قاض أو مسؤول ظالم وذهبت تطلب منه قضاء حاجة لك. أليست هذه إعانة الظالم بعينها. بالله عليكم من منا إذا كانت له حاجة في هيئة أو جهة ما وله فيها قريب (رجل صالح مثلا) ولا يلجأ لهذا القريب لقضاء حاجته دون الانتظار في طوابير؟ ألست بأخذك حقك هذا في غير موعده تسببت في ظلم آخر بتأخير مصلحته، أو ربما عدم قضائها في هذا اليوم؟

لو افترضنا أن المجتمع به 10 في المئة من الظالمين وقاطعهم 70 في المئة من الناس وعبسوا في وجوه الظالمين (تمعر وجههم)، كيف سيكون حال هؤلاء الظالمين؟ الفاجعة أن تدعو قريبك الظالم إلى حفل زواج ابنك وتقول أتبرأ إلى الله من ظلمه. الكارثة أن تحفظ الناس القرآن وتذهب لتؤدي فروض الطاعة والولاء عند أجهزة الأمن. الخبل أن ترضى بوقوع الظلم على غيرك وتقول أخف الضررين (وأحسن ما نكون زي سوريا والعراق). إن الله لا يرضى أي ظلم فلم تريد ياشيخا تؤثر سلامة نفسك عن الجهر بما أمرك الله لماذا تريد الناس أن يرضوا بالظلم. خير لك وللإسلام أن تقول أنا أجبن عن قول الحق (والمسلم كما قال الرسول يمكن أن يكون جبانا) بدلا من التأصيل الشرعي للظلم.

قاطعوا الظالمين ولو كانوا أولي قربي.. تمعروا في وجوههم، لا تتاجروا معهم ولا تشتروا بضاعتهم ولا تحضروا مناسباتهم، ولا تخالطوا من يتبعهم.. تعاملوا مع الناس بالعدل في أعمالك ومساكنكم ومساجدكم ونواديكم.. تبسموا وتباسطوا مع من هو أدنى منكم ويبتغي خيرا منكم كما تفعلون مع من تبتغون منهم أمرا.. استقيموا واعدلوا يرحمكم الله تستقم حياتكم ومجتمعاتكم.
التعليقات (1)
ممصري جدا
الأربعاء، 24-10-2018 12:38 ص
تحولت في هذا المقال من استاذ جامعي له اسلوبه العلمي والادبي والسياسي الى خطيب منبر متشدد بعض الشئ في فقرتك الاخيرة ،،، والخطباء كثر وليسوا في حاجة لخطيب اضافي ،،، شكرا لك